استقالة الرئيس الأرميني: أبعد من انتفاضة متأخرة على غياب الصلاحيات

استقالة الرئيس الأرميني: أبعد من انتفاضة متأخرة على غياب الصلاحيات

24 يناير 2022
شهدت رئاسة سركيسيان خسارة مؤلمة لأرمينيا في الحرب مع أذربيجان (Getty)
+ الخط -

أعلن الرئيس الأرميني أرمين سركيسيان استقالته من منصبه أمس الأحد، مؤكداً، في بيان رسمي نشر على الموقع الإلكتروني للرئاسة، أن الخطوة لم تكن "قراراً عاطفياً على الإطلاق". 

وعزا سركيسيان، الذي تسلم منصبه في إبريل/نيسان 2018، القرار إلى أنه "لا يملك رئيس الدولة الأدوات اللازمة للتأثير على أهم القضايا للدولة والأمة، في السياسة الداخلية والخارجية أثناء الأوقات الصعبة التي تواجهها البلاد". 

وأضاف: "في هذا الوقت العصيب بالنسبة لدولتنا، حين تكون هناك حاجة إلى الوحدة الوطنية، يجب ألا تصبح مؤسسة الرئاسة موضوع ثرثرة ونظريات مؤامرة".

وذكر سركيسيان (69 عاماً)، في بيانه، أنه تم تشكيل لجنة تعديلات دستورية في عهده، وأعرب عن أمله في أن يتمكن الرئيس المقبل، بعد التعديلات المحتمل إجراؤها على الدستور، من العمل "في بيئة أكثر توازناً" وأن تكون البلاد قادرة على "خلق نظام من الضوابط والتوازنات".

ووفقاً للتعديلات الدستورية المقرّة في 2015، تتركز جميع السلطات التنفيذية في يد رئيس الوزراء، وهو ما كان يدركه سركيسيان جيداً قبل توليه الرئاسة في عام 2018، ما يشير إلى وجود أسباب أخرى لم يعلن عنها صراحة في بيان الاستقالة.

وشهدت رئاسة أرمين سركيسيان خسارة مؤلمة لأرمينيا في الحرب مع أذربيجان، فقدت نتيجتها في أواخر العام 2020 السيطرة على إقليم ناغورنو كاراباخ الذي كسبته نتيجة الحرب بداية التسعينيات من القرن الماضي.

 وفي فبراير/شباط 2021، نشبت أزمة حادة بين رئيس الوزراء الحالي نيكول باشنيان وعشرات الجنرالات في وزارة الدفاع، وحملوه مسؤولية الهزيمة وانتقدوا توقيعه اتفاقاً للسلام مع أذربيجان برعاية موسكو. 

وفيما رفض سركيسيان التوقيع على قرار إقالة أونيك غاسباريان من منصبه كرئيس لهيئة الأركان العامة الأرمينية، لكنه في المقابل لم يطعن في القرار بموجب صلاحياته الدستورية، وانتهت الأزمة حينها بدخول الإقالة حيز التنفيذ تلقائياً.

ورجح مراقبون أن يكون توجه باشنيان نحو تحسين العلاقة مع تركيا سبباً حاسماً في استقالة سركيسيان في هذا التوقيت. 

وفي تصريحات لوكالة "سبوتنيك أرمينيا"، قال الخبير السياسي أندريه المختص بشؤون القوقاز أندريه أريشيف، إن "قرار أرمين سركيسيان يشير إلى أن التناقضات تحولت في النهاية إلى تضارب في وجهات النظر في ما يتعلق بالتطور المستقبلي للدولة الأرمينية".

وأضاف: "ومن المحتمل أن القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لسركيسيان كانت مسار يريفان نحو دفء العلاقات مع أنقرة. في مثل هذه الحالة، اعتبر سركيسيان أنه لن يذهب أبعد من ذلك مع القيادة السياسية الحالية للبلاد".

وفي السياق، حذر رئيس الحزب الديمقراطي الأرميني المعارض آرام سركيسيان من أن الاستقالة "تنذر بأزمة سياسية حادة نتيجة تعمق الانقسام بين المجتمع والحكومة"، على خلفية التحول الكبير بالتوجه نحو المصالحة مع تركيا وبناء "تحالف خطير مع دولة (تركيا) التي تواصل سياساتها التوسعية نحو أرمينيا".

 واتهم السياسي الأرميني الرئيس السابق بأنه أسهم في إضعاف مؤسسة الرئاسة، عبر عدم إصرار أرمين سركيسيان على تلبية طلبه في العام الماضي باستقالة باشنيان عقب الأزمة بين الأخير ووزارة الدفاع.

ولد سركيسيان في عام 1953. وهو دكتور في العلوم الفيزيائية والرياضية، وتخرج في أرمينيا، وتابع دراسته في جامعة كامبريدج عام 1984 و1985. وعمل في الحقبة السوفييتية أستاذاً في جامعة يريفان.

وعلى الرغم من عدم تلقيه تعليماً في الأكاديميات والمعاهد الدبلوماسية، فقد شغل منصب القائم بأعمال سفارة أرمينيا في المملكة المتحدة في 1992، وعين لاحقاً سفيراً في بريطانيا، وتنقل في عمله الدبلوماسي سفيراً في بعض البلدان الأوروبية قبل أن يعين رئيساً للحكومة الأرمينية عامي 1996 و1997، ليعود بعدها سفيراً لدى المملكة المتحدة لمدة عامين. 

وفي بداية الألفية الحالية، قرر سركيسيان الانتقال إلى الأعمال التجارية، وشارك في أنشطة العديد من شركات الطاقة والتكنولوجيا في روسيا وتركمانستان وأوزبكستان. وعمل مستشاراً لشركات "بريتش بتروليوم" و"الكاتيل" و"تليفونيكا" و"ميريل لينش" العالمية.

وكما بدأ عمله الدبلوماسي في لندن، عاد إليها في 2013 مرة أخرى. وأقرّ سركيسيان بأنه يحمل الجنسية البريطانية، وعزا ذلك إلى طبيعة أعماله التجارية، ولكنه في وقت لاحق قدم وثيقة تثبت أنه تخلى عن الجنسية البريطانية منذ 2011، وذلك بعد نحو عشرة أيام من ترشيحه في عام 2018 لشغل منصب رئيس البلاد من قبل الرئيس السابق سيرج سركيسيان بصفته زعيم الحزب الجمهوري وأكبر حزب ممثل في البرلمان حينها.

وكان واضحاً يومها أنه تم استدعاء الدبلوماسي ورجل الأعمال لترؤس البلاد في إطار خطة سلفه سيرج سركيسيان للبقاء على رأس السلطة بصفة جديدة. فبعدما انتخب سيرج سركيسيان رئيساً في 2008، وأعيد انتخابه في 2013، ومع اقتراب انتهاء فترتي الرئاسة المسموح بهما بمقتضى الدستور، قام بتعديلات دستورية تضمن بقاءه في الحكم حتى 2022، على الأقل.

وفي 2015 وافق البرلمان على الانتقال من حكم رئاسي إلى حكم برلماني تعين فيه الكتلة الأكبر رئيس وزراء لمدة أربع سنوات، مع صلاحيات رمزية للرئيس.

وفي بداية 2018 مع حلول موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، اقترح الرئيس الأرميني سيرج سركيسيان يومها أن يعيّن هو رئيساً للوزراء مقابل تولي أرمين سركيسيان منصب الرئاسة. 

وإثر ذلك، انطلقت احتجاجات واسعة، وحاصر أنصار قائد الحراك المعارض البرلماني نيكول باشنيان (يشغل منصب رئيس الوزراء حالياً) المباني الحكومية والبرلمان. لكن على الرغم من الاعتراضات وافق البرلمان يومها على تعيين سيرج سركيسيان رئيساً للوزراء وحاكماً فعلياً للبلاد. وحينها، قال باشنيان في كلمة أمام المحتجين إن "الأجواء في أرمينيا ثورية، وأنا الآن أعلن عن بداية ثورة مخملية شعبية سلمية".

وفي حين تولى أرمين سركيسيان منصب الرئاسة وظل فيه حتى استقالته أمس الأحد، فقد أجبرت الاحتجاجات الشعبية بقيادة نيكول باشنيان سيرج سركيسيان على الاستقالة بعد 11 يوماً من الاحتجاجات. 

وفي بداية مايو/أيار 2018، اضطر الحزب الجمهوري إلى منح باشنيان بعض الأصوات ليتولى منصب رئيس الوزراء تفادياً لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة.

وتعليقاً على استقالة الرئيس الأرميني أمس الأحد، أشار رئيس معهد القوقاز ألكسندر إسكندريان إلى أن "استقالة أرمين سركيسيان كانت متوقعة، ولكن من الصعوبة فهم التوقيت"، وأوضح في لقاء مع خدمة "بي بي سي" الروسية أن "علاقته (سركيسيان) بالنخبة الحاكمة منذ البداية كانت متضاربة... كان آخر ممثل لنخب ما قبل الثورة، أي أنه شخص لم يصل إلى هذا المنصب نتيجة ثورة".

وحسب الدستور الأرميني، يتولى المهام المؤقتة لمنصب رئيس الجمهورية رئيس البرلمان الحالي آلان سيمونيان إلى حين انتخاب رئيس جديد، بعد 25 يوماً على الأقل، وليس أكثر من 35 يوماً من موعد الاستقالة.

ورأى أرتور فانيتسيان، رئيس حزب " لديّ شرف" الأرميني المعارض، والرئيس السابق لجهاز الأمن القومي أن الاستقالة لا علاقة لها بمصالح الشعب والدولة، وذكر في تصريحات لوكالة "تاس" الروسية أن سركيسيان "لم يقم بتأدية وظيفته كرئيس للدولة ولم يشارك في حل أي قضايا ومشكلات صعبة". 

وانتقد فانيتسيان "الاختباء وراء الصياغة حول الافتقار إلى السلطة"، وقال إن سركيسيان "رفض تحمل أي مسؤولية في المواقف التي كانت مصيرية للوطن الأم".

وكان سركيسيان تعهد أثناء حملته الانتخابية "تعزيز العلاقات الاقتصادية والخارجية للجمهورية، وتشجيع الاستثمار وتعزيز العلاقات مع الجالية الأرمينية". وشدد على أن من أولوياته "تنمية الاقتصاد وخلق فرص عمل جديدة، ورفع مستوى تعليم الشباب، وتقوية المجتمع المدني".

وقلل خبراء من تأثير استقالة سركيسيان على العلاقات الروسية الأرمينية، وقال النائب الأول للجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد (الشيوخ) الروسي، فلاديمير جباروف، في تصريحات لإذاعة " موسكو تتحدث" إن "رئيس الوزراء يملك السلطة الحقيقية في أرمينيا، لذا فإن الاستقالة ليست ذات أهمية كبيرة بالنسبة لروسيا".

وواضح من سيرة سركيسيان أن علاقاته مع روسيا كانت محدودة على عكس معظم النخب التي صعدت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.

وتمثل استقالة سركيسيان حالة نادرة في الفضاء السوفييتي السابق، وعادة ما يفقد الرؤساء مناصبهم نتيجة ثورات شعبية أو بعد الموت، وكان مقرراً أن تستمر فترته الرئاسية حتى 2025.

المساهمون