استمع إلى الملخص
- رغم استعراض الصين العسكري، يعتقد الخبراء أن الصين تسعى لإصلاح النظام العالمي أحادي القطبية عبر التعاون الدولي، مع التركيز على مبادرة الحزام والطريق لتعزيز القوة الناعمة.
- تواجه الصين تحديات في تحقيق طموحاتها نحو عالم متعدد الأقطاب بسبب تحفظها في الانخراط في الصراعات الدولية، مما يثير قلق بعض الدول بشأن الدعم الأمني.
أجرى الرئيس الصيني شي جين بينغ، خلال الأيام الماضية، سلسلة مكثفة من المحادثات الثنائية مع قادة وزعماء أكثر من 20 دولة، وذلك في أثناء حدثين رفيعي المستوى، قمة منظمة شنغهاي للتعاون في مدينة تيانجين الساحلية الشمالية، واحتفالات يوم النصر (إحياء الذكرى الثمانين للنصر على اليابان في الحرب العالمية الثانية 1939 - 1945) في العاصمة بكين. وقد سلطت وسائل إعلام صينية، الجمعة الماضي، الضوء على ما سمته الماراثون الدبلوماسي الذي قاده شي بالنيابة عن السياسة الخارجية الصينية في أقل من أسبوع، ولقائه العديد من القادة الدوليين، بمن فيهم نظيره الروسي فلاديمير بوتين، والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، وأفردت مساحة كبيرة للحديث عن دلالات صورة القادة الثلاثة وهم يسيرون جنباً إلى جنب. ولفتت إلى أن موضوعات المحادثات بين شي ونظرائه ألقت مزيداً من الضوء على تقديم بكين لنفسها بطلةً لنظام عالمي متعدد الأقطاب وإقامة علاقات أوثق. وأشارت إلى أنه في لقاءاته مع جميع الزعماء تقريباً، أكد شي أهمية دعم التعددية والنظام الدولي الذي يركز على الأمم المتحدة.
دا مينغ: الاستعراض العسكري لا يشكل أداة ردع كافية
استعراض الصين
ورُسِّخ هذا المبدأ في إعلان تيانجين الذي اعتُمِد في القمة، وأيضاً في تصريحاته خلال العرض العسكري بمناسبة يوم النصر الأربعاء الماضي، فيما لم تُوجّه انتقاداتٌ إلى أي دولة، إلا أن تصريحات شي وجّهت انتقاداتٍ مبطّنة للولايات المتحدة، المتورّطة مع العديد من الدول في نزاعاتٍ جمركية ومسائل أمنية. وقد انتقدت بكين واشنطن مرات عدة لتعطيلها النظام الدولي. لكن في المقابل، هل يعتبر ذلك كافياً، قياساً للدور الصيني المنكفئ، في تحول بكين إلى قوة رائدة قادرة على جرّ باقي الدول، بما في ذلك القوى العظمى نحو عالم متعدد الأقطاب؟ وهل الاستعراض العسكري وحده يمكن أن يؤثث أو يمهد الطريق نحو ذلك؟
في تعليقه على هذه الأسئلة، قال أستاذ العلاقات الدولية في مركز ونشوان للدراسات الاستراتيجية، جيانغ لي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الصين لا تسعى لقيادة العالم، بل تعمل جاهدة على إصلاح النظام العالمي أحادي القطبية، وذلك من خلال تكاتف الجهود الدولية ووفق تفاهمات تقوم على أساس المصالح والمستقبل المشترك للبشرية. وأضاف أن إحداث تحوّل في العلاقات الدولية، لا يستدعي بالضرورة التلويح بالقوة أو استخدامها لإخضاع الآخرين كما تفعل القوى الغربية. ولفت إلى أن الربط بين استعراض الصين العسكري بمناسبة احتفالات يوم النصر، وتصريحات الرئيس شي حول التعددية والوحدة، سلوك مكشوف لا يحيد عما دأبت عليه أصوات مغرضة تحاول شيطنة كل ما هو صيني.
وكان شي قد صرّح أمام قادة العالم، بأنه في مواجهة تيار الأحادية وشريعة الغاب، أدرك عدد متزايد من الدول أن التنازل والتراجع لا يُمهدان الطريق للمضي قدماً، ولا سبيل لنا إلا بتوحيد صفوفنا وتقوية أنفسنا. وأكد أيضاً استمرار دعم الصين في معارضة التدخل الخارجي والعقوبات غير القانونية. وأعرب عن تضامنه مع زعماء دول الجنوب العالمي، ودعا قادة من دول آسيا الوسطى إلى دمج مبادرة الحزام والطريق الصينية مع خطط التنمية في بلدانهم. ويعتبر هذا جزءاً من جهود بكين لتعزيز القوة الناعمة في إطار المنافسة مع واشنطن.
من جهته، قال دا مينغ، الباحث في مركز يون لين (تايوان) للأبحاث والدراسات، في حديث مع "العربي الجديد"، إن القوة الناعمة رديف للتسلل خلف المسارات السياسية الأساسية، لكنها وحدها غير كافية ولا تقود إلى الريادة، فضلاً عن أنها تفتقر إلى الأدوات الضاغطة، خصوصاً عندما يرتبط الأمر بالعلاقات مع القوى الكبرى في العالم. وأضاف أنه حتى الاستعراض العسكري لا يشكل أداة ردع كافية، لأن معظم الدول الكبرى مسلحة نووياً، ولديها ترسانات صاروخية متقاربة إلى حد ما، مشيراً إلى أن لغة القوة تبرز في الميدان، كما حدث في الصدام الإسرائيلي الإيراني الأخير، في يونيو/حزيران الماضي، عندما أدى التدخل العسكري الأميركي إلى وقف الحرب على الفور.
جيانغ لي: الصين لا تسعى إلى قيادة العالم بل إلى إصلاح النظام العالمي أحادي القطبية
خلافة أميركا
وقال مينغ إن الصين لا يمكن أن تحقق قفزات في إطار جهودها نحو عالم متعدد الأقطاب، الشعار الذي تخفي خلفه طموحاتها الاستراتيجية لخلافة الولايات المتحدة، ما لم تخرج من شرنقة الدبلوماسية الناعمة والنأي بالنفس عن الصراعات القائمة. ولفت إلى أن الخطاب الذي تتبناه بكين ينسجم مع عمل المؤسسات والمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، لكنه لا يصلح في التعامل مع الملفات والقضايا الدولية الشائكة، ولا يصح أن يصدر عن دولة بقدرات الصين العسكرية والاقتصادية. من جانبه، رأى الخبير في العلاقات الدولية المقيم في هونغ كونغ، تشاو يين، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن مشكلة الصين في مقاربتها للعلاقات الدولية، باتت واضحة ومكشوفة، فهي تتعامل بحذر وتحفظ شديدين، ما يحول دون الاضطلاع بأدوار مسؤولة، ويُرجع هذا التحفظ إلى عاملين: أولاً، خوفها على مصالحها الاقتصادية المنضوية تحت ستار مبادرة الحزام والطريق
، لأن أي انخراط يتجاوز حدود الدبلوماسية الناعمة قد يكلفها خسائر كبيرة. ثانياً، تدرك بكين أن أي انجرار نحو تدخل عسكري حتى لو كان في إطار ضمانات أمنية، قد يضعها على خط المواجهة مع الولايات المتحدة والقوى الغربية، وهذا ما تخشى القيادة الصينية حدوثه.واعتبر تشاو أنه في ضوء ذلك يمكن فهم تحفظ بكين في مسألة الانخراط بالأزمة الأوكرانية، بالرغم من انحيازها الواضح لروسيا، لكنها لا تريد أن تكون ضامناً أمنياً استجابة لرغبة الحليف الروسي. أيضاً في حروب الشرق الأوسط اكتفت بدور الواعظ ولم تمارس أي ضغط يذكر على إسرائيل، حتى عندما هاجمت الأخيرة حليفتها طهران. هذا الانكفاء يجعل العديد من الدول التي تبحث عن مظلات أمنية دولية، متوجسة من فكرة الاتكاء على الكتف الصيني في لعبة الاستقطاب والصراعات القائمة بين الأنظمة الرأسمالية والاشتراكية.