استعدادات إسرائيلية لعملية برية واسعة في مدينة غزة وسط حديث عن معوّقات

16 اغسطس 2025   |  آخر تحديث: 20:53 (توقيت القدس)
دبابات إسرائيلية قرب الحدود مع قطاع غزة، 13 أغسطس 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- في ديسمبر 2023، أشعل جنود إسرائيليون شمعة عيد "الحانوكا" في "ميدان فلسطين" بغزة، وسط استمرار الحرب التي بدأت قبل شهرين، مع توغلات عسكرية محدودة.
- يستعد الجيش الإسرائيلي لعملية برية أوسع في غزة، تشمل زيادة جاهزية القوات واستدعاء الاحتياط، مع خطة لاحتلال المدينة وتجنيد 80-100 ألف جندي احتياط.
- غزة، المدينة الأكبر في القطاع، تواجه تدميراً منهجياً، واحتلالها يمثل تحدياً معقداً بسبب مكانتها الرمزية، مع استمرار المناقشات حول العمليات العسكرية المحتملة.

توغل جيش الاحتلال مرات عدة في مدينة غزة ثم انسحب منها

وقائع على الأرض تشير إلى أن التمهيد لاحتلال المدينة قد بدأ بالفعل

محاولات لإحياء المفاوضات على خطين متوازيين بين الدوحة والقاهرة

في ديسمبر/كانون الثاني 2023، أشعل جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي شمعة عيد "الحانوكا" (الأنوار) في "ميدان فلسطين" بمدينة غزة. خلال "الاحتفال"، وصف قائد اللواء 401، العقيد بيني أهرون، الميدان بأنه "دُوّار الشر"، زاعماً أن الشمعة أُضيئت "لإضاءة مدينة غزة المظلمة والمعتمة بنور الطُهر والخير والأمل والحُلم لأجل دولة إسرائيل"، على حد تعبيره. وفي افتتاحية خطابه أمام جنوده في ذلك الحين، ادعى أهرون إلى أن إضاءة الشمعة تأتي بعد شهرين من بدء الحرب، في الميدان الذي "تعرض فيه للعنف، إسرائيليون اختُطفوا"، وأن الإنارة إنما هي "رمز يعبر عن الفخر العسكري والصمود ضد حماس"، على الرغم من أن الحرب لا تزال مستمرة.

ومنذ ذلك الحين وعلى مدى شهور الحرب الـ22، توغل جيش الاحتلال مرات عدة في مدينة غزة، ثم انسحب منها. التوغل في المدينة شمل عمليات برية وغزوات موضعية في أحياء مثل الزيتون وصبرا، وباستخدام روبوتات مفخخة، وهجمات جوية ومدفعية براً وبحراً. ومع ذلك، كانت التوغلات "محدودة وليست مستمرة"، بحسب وصف موقع "واينت" الذي اعتبر أن ذلك "أتاح لحماس التعافي، ولو جزئياً"، على حد زعمه.

طبقاً للموقع، فإنه حتى اليوم يشير الواقع على الأرض وقرار المجلس الوزاري للشؤون الأمنية - السياسية (الكابينت) إلى استعدادات لعملية برية أوسع في وسط مدينة غزة، تشمل زيادة جاهزية القوات، واستكمال عمليات الانتعاش، والاستعداد لاستدعاء الاحتياط، وفقاً لتعليمات المستوى السياسي والعسكري. ومع ذلك، لا يمكن الجزم بعد ما إذا كانت ستكون هناك عملية برية نهائية وكاملة في المدينة، بحسب الموقع، مع أنه تجري في الأيام الأخيرة مناقشات في المستويين السياسي والعسكري حول إمكانية إعادة احتلالها في الأيام القريبة المقبلة.

وفي الأيام الماضية، أعلن الجيش الإسرائيلي أن رئيس الأركان، أيال زمير، عقد اجتماعاً مع منتدى هيئة الأركان العامة، وممثلي الشاباك، وقادة آخرين، صدّق خلاله على "الفكرة المركزية" لخطة احتلال غزة. وذلك قبل وضع "الإطار الأوليّ" لتجنيد ما بين 80- 100 ألف جندي احتياط بموجب "الأمر 8". وفي الوقت نفسه، واجه زمير احتجاجات من عائلات الأسرى الذين ناشدوه بعدم تعريض أبنائهم للخطر، وغضباً من جنود الاحتياط المنهكين، بحسب الموقع.

إلى جانب الاستعدادات العسكرية لعملية برية واسعة، أوضح مصدر أمني إسرائيلي أن "جهاز الأمن يعمل على بلورة خطة إنسانية شاملة تضمن وجود بنى تحتية إنسانية كافية، من حيث الغذاء، الرعاية الطبية، المياه، والبنى التحتية الحيوية الأخرى، في المنطقة التي سيُجلى سكان غزة منها إلى خارج المدينة"، حسب ما ينقل عنه الموقع، مشيراً إلى أن "أجهزة الأمن الإسرائيلية تقدر أنه سيكون في شمال القطاع ما بين 800 ألف إلى مليون ينبغي إخلاؤهم قبل الشروع في المناورة البرية".

التشديد على الاستعدادات الإنسانية عملياً يدل - وفقاً للموقع - على تعقيدات المناورة البرية العسكرية المخططة، فهي لا تقتصر على القتال واستخدام القوة العسكرية، إنما على إدارة شؤون عدد كبير من السكان وتنسيق شامل للموارد بهدف ضبط الانتقادات واحتواء الضغوط الدولية الممارسة على إسرائيل.

أكبر مدن القطاع مساحة وأكثرها تعقيداً

في هذا الإطار، يشير يوحنان تسوريف، وهو باحث كبير في "معهد أبحاث الأمن القومي" التابع لجامعة تل أبيب، إلى أن "غزة هي أكبر مدن القطاع، والثالثة بين المدن الفلسطينية (على مستوى الضفة والقطاع) بعد القدس الشرقية والخليل"، لافتاً إلى أنها "في الحقبة التي سبقت الانقسام، تمتعت بمكانة مماثلة لرام الله، لأن رئيس السلطة الفلسطينية كان يقيم فيها جزئياً، وكانت عملياً العاصمة الجنوبية ومركزاً رئيسياً للنشاط الحكومي، الثقافي، التعليمي والتجاري".

وبحسبه، فإن المدينة نمت بالخصوص بعد اتفاقيات أوسلو، إذ شُيّدت فيها العديد من الأبراج، ووصل إليها شباب من مخيمات اللاجئين ومدن أخرى في القطاع. وحتى السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، كانت تعمل فيها ثلاث جامعات على الأقل، من بينها الجامعة الإسلامية التي اعتبرت "مقراً لسيطرة حماس، وشكلت معقلاً مهماً لنشاطاتها"، وقد دمّرها الاحتلال كلياً. ويتابع أن المدينة "كانت مركزاً رئيسياً لنشاط حركة حماس، بما في ذلك المؤتمرات والتصريحات الهامة، ولذلك كانت أيضاً هدفاً متكرراً لمحاولات اغتيال قادة بارزين في الحركة".

من بين القادة البارزين الذين عملوا في المدينة يظهر اسم عز الدين الحداد، الذي يُعد أرفع قائد عسكري في حماس ما زال على قيد الحياة، ويُعتبر اليوم القائد الفعلي للحركة في القطاع. ومؤخراً، زعم جيش الاحتلال أنه "غيّر مظهره ليتوارى عن أنظار القوات"، فيما أفادت صحيفة "نيويورك تايمز" بأنه، بحسب تقديرات استخبارية، "لا يزال حداد موجوداً في المدينة، بعد أن بدأ الحرب قائداً للواء غزة".

إلى جانب القائد الكبير، تشير تقديرات إسرائيلية - حسب الموقع - إلى أن "لحماس ثمة العديد من الخلايا التي تعمل بنموذج حرب العصابات منتشرة في أنحاء مدينة غزة، حيث لا تزال بعض الأبراج قائمة، والتي يقوم الجيش الإسرائيلي بتدميرها منهجياً طوال فترة الحرب". ومع ذلك، فإن احتلال المدينة يشكل تحدياً معقداً ليس بسبب الوجود الكبير لحماس فيها فحسب؛ إذ كما يوضح تسوريف، فإنه "في داخل المدينة لا يتركز حوالي 500 ألف نسمة فقط، بل العديد من الذين نزحوا إليها خلال الحرب من المدن الجنوبية أيضاً. وبالمجمل، يعيش في المدينة حالياً نحو مليون شخص".

وعلى خلفية ما سبق، فإن احتلال المدينة - بحسبه - قد يواجه معارضة دولية شديدة، ليس بسبب الأنشطة العسكرية الهجومية على الأرض فقط، إنما لما تتمتع به المدينة من مكانة رمزية تنسب إليها أيضاً. وعلى هذا الأساس، يشير الموقع إلى أن المناقشات داخل جيش الاحتلال ستركز على تفاصيل طبيعة العمليات وأساليب المناورة قبل استعراضها أمام الكابينت والشروع في المناورة البرية المقدَّر أن تستمر حتى وقت متأخر من عام 2026.

خديعة إسرائيلية

قد تشير الوقائع على الأرض، وتحديداً التي انطلقت بالمجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال بحق ستة صحافيين وعلى رأسهم أنس الشريف، فضلاً عن مهاجمته بعد ذلك أحياء الزيتون وصبرا، وتنفيذه عمليات قصف تمهيدي ضخمة بنيران المدفعية، والغارات الجوية، وتفجير مبانٍ بروبوتات مفخخة، أسفرت عن وقوع شهداء وجرحى، ونجمت عنها حركة نزوح جماعية غرب مدينة غزة نحو مناطق مكتظة بالفعل بمئات آلاف الفلسطينيين، إلى أن التمهيد لاحتلال المدينة قد بدأ بالفعل.

وسط ما تقدم، وبينما كانت تُستكمل الاستعدادات والمداولات حول خطة احتلال المدينة، غُمرت وسائل الإعلام العبرية - التي هي جزء من ماكنة الدعاية الإسرائيلية ولا يمر من خلالها حرف إلا بعد مقص الرقابة العسكرية - بأخبار تهدف لتشتيت الانتباه عما يحصل على الأرض. بين هذه الأخبار الخلافات بين المستويين السياسي والعسكري، وخصوصاً بين وزير الأمن يسرائيل كاتس ورئيس الأركان أيال زمير.

بموازاة ذلك، بدأت محاولات لإعادة إحياء المفاوضات على خطين متوازيين بين الدوحة والقاهرة، فهل تفشل إسرائيل هذه المفاوضات كعادتها، وتتهم حماس بأنها السبب وراء انهيارها؟ بعد أن تكون قد مهّدت بهدوء الأرضية للشروع في احتلال المدينة وبدء المناورة البرية فيها؟ ما قد تسفر عنه المفاوضات سيُحدد على الأرجح نتيجة العملية برمتها.

المساهمون