استراتيجية "البديل" للوصول إلى السلطة: صراع ثقافي وتعميق الانقسامات السياسية

18 اغسطس 2025   |  آخر تحديث: 04:12 (توقيت القدس)
فايدل وشروبالا في البوندستاغ، 11 يوليو 2025 (أود أندرسون/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- حقق حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف نجاحاً كبيراً في انتخابات 2025، حيث حصل على 20.6% من الأصوات، مما جعله ثاني أكبر حزب في البرلمان، رغم رفض الأحزاب الكبرى التعامل معه.

- يركز الحزب على قضايا النمو الاقتصادي والهجرة والأمن الداخلي، ويسعى للتفوق على الاتحاد المسيحي في القضايا الاقتصادية، مع تجنب الصراعات الداخلية وتحقيق توازن في السياسة الخارجية.

- يواجه الحزب تحديات من المعارضة، وقد يتعرض الاقتصاد لأضرار في حال مشاركته في السلطة، مما يهدد مصالح المهاجرين ويدفع العمالة الماهرة للمغادرة.

حقّق حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف نجاحاً في الانتخابات البرلمانية العامة المبكرة التي أجريت في ألمانيا في 23 فبراير/ شباط 2025، وحلّ ثانياً بحصوله على نسبة 20.6% من الأصوات (تصدر الانتخابات الاتحاد الديمقراطي المسيحي وشريكه الاتحاد الاجتماعي المسيحي). وفي حال تمّ الأخذ في الاعتبار أنّ التحالف الحاكم يتألف فعلياً من حزبين اثنين، مع أنهما حزبان شقيقان، يصبح جائزاً القول إن "البديل" يُعدّ صاحب أكبر كتلة برلمانية في البوندستاغ (البرلمان الألماني)، وسبق الحزب الاشتراكي الديمقراطي العريق (الذي حلّ ثالثاً)، كما أصبح بلا منازع أقوى حزب في الولايات الشرقية. إلا أن استطلاعاً حديثاً للرأي وضعه في المرتبة الأولى، متخطياً حزب المستشار الألماني فريديريش ميرز، إذ وجد الاستطلاع الذي أجراه "معهد فورسا للبحث الاجتماعي والتحليل الإحصائي"، ونشرت نتائجه الأربعاء الماضي، أنه إذا أجريت انتخابات اليوم في ألمانيا، فإن 26% من الألمان سيصوتون لـ"البديل"، بينما سيصوت 24% لحزب ميرز الاتحاد الديمقراطي المسيحي. كما وجد استطلاع آخر لمعهد "إنسا"، نشرت نتائجه أمس الأحد، أن 68% من الألمان يتوقعون أن يتولى سياسي من حزب "البديل" رئاسة حكومة إحدى الولايات بحلول العام المقبل.

جدار حماية بوجه "البديل من أجل ألمانيا"

لكن تعنّت الأحزاب الكبرى الأخرى، وتحت شعار ما يسمى "جدار الحماية"، أي رفض التعامل مع "البديل"، لا يزال يقف حائلاً أمامه دون فرض نفسه في أي ائتلاف حكومي اتحادي. رغم ذلك، فإن التقدّم الملحوظ للحزب اليميني الشعبوي في استطلاعات الرأي، دفعه لتحديد استراتيجيته للمرحلة المقبلة، وقبل الانتخابات التشريعية المقبلة المقرّرة في عام 2029، ولإعادة رسم الخطوط العريضة في مقاربة الملفات والتعاطي مع الأحزاب المنافسة، بغية تمهيد الطريق لبناء القدرة التي تكرّسه شريكاً مستقبلياً في الحكم.

أندرياس كروغر: هناك أصوات متزايدة ترتفع داخل صفوف المسيحي الديمقراطي تدعو إلى التقارب من مواقف "البديل"

يُذكر أن جهاز الاستخبارات الداخلية الألماني أعلن في مايو/ أيار الماضي، تصنيف حزب "البديل" حزباً يمينياً متطرفاً، ما يتيح لأجهزة الاستخبارات تقليص القيود القانونية التي كانت تمنعها من استخدام أدوات لمراقبة هذا الحزب، مثل التنصت على المكالمات الهاتفية وتجنيد عملاء سرّيين داخل الحزب. وأكد جهاز الاستخبارات، في معرض تفسيره للقرار، أن الحزب "يهدف إلى استبعاد فئات سكّانية معينة من المشاركة المتساوية في المجتمع"، مشيراً إلى أن "البديل من أجل ألمانيا لا يعتبر الألمان من أصول مهاجرة من دول ذات أغلبية مسلمة أعضاء متساوين ضمن الشعب الألماني". ويوم الأربعاء الماضي، دعا وزير الدولة الألماني للشؤون الثقافية فولفرام فايمر إلى بناء جدار حماية ضد كل من "البديل" و"اليسار"، مضيفاً في تصريحات لصحف مجموعة "فونكه" الألمانية الإعلامية: "يجب أن نضمن إبعاد حزب اليسار وحزب البديل من أجل ألمانيا عن مراكز صنع القرار السياسي في الجمهورية بكل الوسائل الديمقراطية المتاحة لنا"، ولكنه أعرب عن رفضه اتخاذ إجراءات لحظر "البديل"، مبرراً ذلك بأنه "لن نتمكن من حظر حزب البديل من أجل ألمانيا، عندها سيعيد تأسيس نفسه تحت اسم مختلف. يجب أن نكافحه بفعالية من خلال إجراءات سياسية مُقنِعة".

سياسة "فرّق تَسُد"

أمام ما تقدّم، ومن ضمن الاستراتيجية التي يعمل عليها "البديل" والمفترض أن يتم تطوير بعض النقاط فيها خلال الأشهر المقبلة، جعل الانقسامات بين طرفي التحالف الحاكم، الاتحاد المسيحي والاشتراكي الديمقراطي، غير قابلة للتسوية، أي التركيز على لفت الانتباه إلى التناقضات، وبفشل الخيارات السياسية سينهار "جدار الحماية" وستكون الأحزاب التقليدية منفتحة على التعاون مع الحزب اليميني الشعبوي. ومن وجهة نظر "البديل"، يُرجّح أن يكون الشريك في الحكم هو الاتحاد المسيحي بعد أن يكون قد عزّز فصل المعسكر البرجوازي المحافظ عن المعسكر اليساري.

وفي خطوة أولى، يريد حزب "البديل من أجل ألمانيا" استخدام ما يمكن تسميته "الصراع الثقافي"، لدفع الاشتراكي نحو أقصى اليسار، ما يعمّق الخلاف مع المحافظين، ولا سيما أن الحزبين الكبيرين يتعارضان بشدّة، وبالأخص في القضايا الاجتماعية. وتتمثل الاختلافات مثلاً في ما يخص أسس الأسرة مقابل الجنس، والوطن مقابل الحدود المفتوحة، والحرّية مقابل الاشتراكية. وقد نُقل في هذا الإطار عن السياسية المنتمية إلى "البديل" بياتريكس فون ستورش قولها إن "هناك حرباً ثقافية مستعرة في العالم الغربي وسنتصرّف فيها (وفق ما نقلت عنها أخيراً صحيفة فرانكفورتر روندشاو)".

ومن الأمثلة على ذلك، ما حصل أخيراً بعدما سحب العديد من نواب الاتحاد المسيحي دعمهم المفاجئ لانتخاب مرشحة الاشتراكي الديمقراطي البروفيسورة فراوكه بروسيوس ـ غرسدورف للمحكمة الدستورية، رغم الاتفاق المسبق على ذلك. والسبب، وفق ما سُرّب بالتواتر، ترويج منصات إعلامية يمينية متطرفة والعديد من المسؤولين في "البديل" رواية مفادها أن بروسيوس ـ غرسدورف "متعصبة للإجهاض" وتريد السماح بالقضاء على الجنين حتى الشهر التاسع. خطوة الاتحاد المسيحي الصادمة أثارت استياء وغضب نواب داخل الاشتراكي، ووصفت المتحدثة باسم الأخير لشؤون الحماية القانونية كارمن فيغيه تعليق هذا الانتخاب بأنه نجاح جزئي للقوى اليمينية المتطرفة في البلاد.

أمام ما حصل، رأى الناشط السياسي أندرياس كروغر، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الاتحاد المسيحي جعل من هذا الأمر مسألة مبدأ بطريقة تضرب الديمقراطية بشكل واضح، ورفضُ نواب من الحزب المحافظ التصويت لمرشحة الاشتراكي الديمقراطي خدم حزب "البديل من أجل ألمانيا"، معرباً عن خشيته من فقدان الأمل تدريجياً بألا يحافظ الاتحاد المسيحي على "جدار الحماية" ضد الحزب اليميني الشعبوي على المدى الطويل، ولا سيما أن هناك أصواتاً متزايدة ترتفع داخل صفوف المسيحي الديمقراطي تدعو إلى الاقتراب من مواقف "البديل" في بعض القضايا، بينها الهجرة، أو ببساطة إلى التعاون معه، ما يثير التساؤلات حتى بجدوى "جدار الحماية" أصلاً، ويدفع إلى التوجس من جعل مشاركة "البديل" في الحكومة الفيدرالية بعد انتخابات عام 2029 احتمالاً واقعياً للغاية، وفق رأيه.

تبني قضايا المواطن

وبحكم أن قضية النمو الاقتصادي وما يرتبط بها من وعود الازدهار، ركيزة أخرى لـ"البديل" إلى جانب قضايا الهجرة والأمن الداخلي، يهدف هذا الحزب إلى التفوق على الاتحاد المسيحي في القضايا الاقتصادية والضريبية والمالية، بينها التسويق لمعدل ضريبي موحد بنسبة 25%، واتباع سياسة طاقة خالية من المحرمات، والتظهير بوضوح أنه لا يخشى التطرق إلى الإصلاحات الهيكلية التي يصعب تنفيذها مع الاشتراكي الديمقراطي في ما يخصّ دولة الرفاهية. يذكر أن استطلاع "فورسا" الذي وضع "البديل" في الصدارة، جاء مع تراجع ثقة المستثمرين في ألمانيا بأكثر من التوقعات خلال أغسطس/ آب الحالي، في ظلّ خيبة أمل واسعة حيال الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتباطؤ الاقتصاد الألماني في الربع الثاني من العام، وفقاً لمعهد "زي إي دبليو" للأبحاث الاقتصادية.

فضل الله العميري: إذا ما شارك "البديل" في السلطة، سيتعرض الاقتصاد الألماني لأضرار جسيمة نتيجة عدم الاستقرار السياسي

وفي مجال السياسة الخارجية، ووفق المداولات الحزبية، فإن مهمة "البديل" تتمثل في تحديد خطر الصراعات الداخلية المحتملة والآثار السلبية عليه ومنعها من خلال تموضع ذكي، وتواصل متسق ومنسق مع كتلته الحزبية في البرلمان الاتحادي. وفي خضم ذلك، يبدو "البديل" أكثر مرونة ومتيقظاً لما يحصل من متغيرات على الساحة الأوروبية، ويسعى إلى تجنب الصراعات بين فصائله الداخلية وحتى على مستوى القيادة، رغم التوجهات المختلفة بين الزعيمين المشاركين لحزبه، إذ تؤيد أليس فايدل العلاقات عبر الأطلسي، فيما زميلها تينو شروبالا يعد من أصدقاء روسيا.

وفي الملفات الداخلية، بينها التجنيد الإجباري، لم يبد حزب البديل من أجل ألمانيا موقفاً صريحاً، آخذاً في الاعتبار معارضة بعض الجمعيات الحزبية في الولايات الشرقية لإعادة تطبيقه. من جهة أخرى، لم يعد الحزب اليميني المتطرف يستخدم مصطلح "إعادة الهجرة" المرتبط بعمليات الترحيل الجماعي، والتي أثارت غضب الرأي العام، في ظلّ اليقين لدى الجميع أن ألمانيا بلد هجرة، حتى أن قيادة الحزب طلبت من النواب التوقف عن استخدام هذا المصطلح في البوندستاغ.

استعادة زمام المبادرة

وفي رد على ما يُطرح من قبل "البديل"، اعتبر الدكتور في علم الاجتماع السياسي في جامعة أولدنبورغ فضل الله العميري، والذي عايش تركيبة المجتمع الألماني على مدى العقود الماضية، في حديث مع "العربي الجديد"، أن اليمين الشعبوي يحتاج إلى جدل يجمع بين القضايا الاجتماعية المثيرة وصراعات السلطة السياسية المحتدمة، معرباً عن اعتقاده بأن مخططات "البديل من أجل ألمانيا" ستعاكسها رياح عاتية من قبل الطيف السياسي المعارض لتوجهاته، وبالأخص إذا ما استطاعت حكومة المستشار ميرز تحقيق نجاحات في ملف الهجرة، الذي كان يُعتبر رافعة للبديل اليميني الشعبوي.

وذكّر العميري بأن حكومة ميرز عمدت أخيراً إلى تطبيق سياسة حازمة وصارمة في هذا المجال، بينها منع وصول مهاجرين جدد إلى الحدود الألمانية، وتزخيم عمليات الترحيل، بينها إلى أفغانستان والعراق، وتخطط لعمليات إبعاد إلى سورية، ناهيك عن تعليق لمّ شمل الأسر من أصحاب الحماية الثانوية، فضلاً عن توجهات ملموسة في السياسة الخارجية والاقتصاد والدفاع. وإذا ما طُبّقت بفاعلية، وفق رأيه، فإن ذلك سيمثل مشكلة لـ"البديل"، وسينزع منه قضايا كانت تُعتبر محل استقطاب وتحشيد للناخبين في الفترة الماضية، ما سينعكس حتماً تراجعاً في النقاط في المرحلة المقبلة أمام الأحزاب التقليدية.

وفي الشق الاقتصادي، أشار العميري إلى أنه إذا ما شارك "البديل" في السلطة، وهذا سيناريو بعيد المنال، فإن المهاجرين والفئات الضعيفة في البلاد ستكون مصالحهم مهددة، وقد تدفع بالعمالة الماهرة الأجنبية إلى مغادرة ألمانيا بفعل تفشي العنصرية، وسيتعرض الاقتصاد الألماني لأضرار جسيمة نتيجة عدم الاستقرار السياسي، وهذا ما سيفرمل اندفاعة رجال الأعمال من شركات عالمية للاستثمار في ألمانيا، وستُفقد الوظائف. وهذا كلّه سينعكس تلقائياً على عائدات الضرائب، وبالتالي التقديمات الاجتماعية. وقدّم العميري مثالاً بأنه في ولاية تورينغن، حيث تسلّم "البديل" القيادة منذ عامين، أُفيد بأن عيادات ومدارس اضطرت إلى الإقفال نتيجة انتقال الكثيرين إلى ولايات أخرى، هذا إضافة إلى أن المؤشرات الاقتصادية العامة هناك تشير إلى التباطؤ، والميزانية تترنح، خاتماً بالقول إن "البديل" حزب هدّام يراهن على الاستفادة من الأزمات.

تقارير دولية
التحديثات الحية
المساهمون