ارتياح حقوقي وسياسي لإعادة السيسي قانون الإجراءات الجنائية إلى البرلمان
استمع إلى الملخص
- تعديلات مقترحة ومشكلات القانون: تشمل التعديلات حوالي 20 مادة، مع التركيز على بدائل الحبس الاحتياطي وإزالة الغموض، وسط مخاوف من تمديد الحبس الاحتياطي للمعتقلين السياسيين.
- ردود فعل المجتمع المدني والإعلام: اعتُبر القرار انتصاراً لجهود المجتمع المدني، مع دعوات لحوار مجتمعي لضمان صياغة قانون يعكس العدالة الاجتماعية والدستور المصري.
قرر مجلس النواب المصري وضع تعديلات قانون الإجراءات الجنائية، التي أقرها في شهر إبريل/ نيسان الماضي، أمام اللجان التشريعية والدستورية وحقوق الإنسان الأسبوع المقبل، لإعادة المداولة على النصوص المصابة بعوار تشريعي حالت دون تطبيق القانون، ولاقت معارضة شديدة من نقابة المحامين ومنظمات حقوق الإنسان والأحزاب، دفعت مؤسسة الرئاسة إلى عدم تمريره. وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد رد مشروع قانون الإجراءات الجنائية إلى مجلس النواب يوم الأحد الماضي بعد خمسة أشهر من موافقة الأخير عليه، وحالة الجدل القانوني والمجتمعي الواسع بشأن التشريع، الذي يعتبره البعض بمثابة "الدستور الثاني" في البلاد، لكونه يختص بضمانات إرساء قواعد المحاكمة العادلة، وحقوق وحرية الأفراد، بما في ذلك إجراءات القبض والتفتيش، ومدد الحبس الاحتياطي.
ترحيب بإعادة قانون الإجراءات الجنائية للبرلمان
ولاقى قرار الرئاسة قبولاً في الأوساط الحقوقية والسياسية في مصر، إذ اعتبرته العديد من المؤسسات والشخصيات العامة انتصاراً لجهود المجتمع المدني، وخطوةً هامةً نحو ترسيخ مبادئ دولة القانون. وطلب السيسي من مجلس النواب إعادة النقاش حول عدد من مواد القانون، في ضوء المناشدات التي وردت إليه بعدم التصديق عليه قبل تعديلها، ما فرض على البرلمان الحالي بدء مناقشة القانون في اللجان المختصة والجلسات العامة في الفترة من 15 أكتوبر/ تشرين الأول إلى 25 ديسمبر/ كانون الأول المقبلين، على أن ينتهي من التعديلات قبل نهاية الدورة البرلمانية الحالية في الأسبوع الثاني من يناير/ كانون الثاني 2026.
تعلقت المواد المعترض عليها من السيسي باعتبارات "الحوكمة والوضوح والواقعية"، بما يوجب إعادة دراستها لتحقيق مزيد من الضمانات المقرّرة لحرمة المسكن، ولحقوق المتهم أمام جهات التحقيق والمحاكمة، وزيادة بدائل الحبس الاحتياطي للحد من اللجوء إليه، وإزالة أي غموض في الصياغة يؤدي إلى تعدد التفسيرات أو مشاكل عند التطبيق.
واللافت أن رئيس مجلس النواب حنفي جبالي، الذي قال عقب الموافقة النهائية على قانون الإجراءات الجنائية في 29 إبريل/ نيسان الماضي، إن "البرلمان أصدر تشريعاً حديثاً يليق بمكانة بمصر، وطموحات شعبها"، عاد وقال في أعقاب اعتراض السيسي على القانون، إن قرار الرئيس المصري "يعكس الحرص على أن يكون التشريع قائماً على أسس متينة من الوضوح والإحكام، من دون أن تتغلب مقتضيات العدالة الناجزة على ضمانات الحرية". ودعا المجلس أعضاءه للانعقاد يوم الأربعاء الأول من أكتوبر المقبل، لبحث اعتراضات السيسي على القانون، مع دعوة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي لحضور الجلسة، والإدلاء ببيان رسمي حول الاعتراض وأسبابه.
فريدي البياضي: التعديل قد يطاول 20 مادة من القانون
وقال عضو اللجنة التشريعية في البرلمان النائب ضياء الدين داوود، لـ"العربي الجديد"، إن مجلس النواب سيحيل اعتراض رئيس الجمهورية، والبيانات المتعلقة به، إلى اللجنة العامة، التي تضم رؤساء اللجان النوعية وهيئات الأحزاب، لدراسة المبادئ والنصوص محل الاعتراض في القانون، تمهيداً لإعدادها تقريراً للعرض على الجلسة العامة على وجه الاستعجال. وأضاف داوود أن إقرار القانون المعترض عليه يستلزم موافقة ثلثي عدد أعضاء مجلس النواب، ولكن بعد تشكيل لجنة خاصة لإعادة دراسته وتعديل نصوصه، مبيناً أن القانون بمثابة "الدستور الأصغر" لأنه يمثل الترجمة العملية لأحكام الدستور في مجال الحقوق والحريات، وقد تتضمّن صياغات "مطاطية" تفتح الباب للاستثناء من القواعد القانونية، مثل استجواب المتهم في غياب محاميه تحت ذريعة "الضرورة والاستعجال".
من جهته، قال نائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي، النائب فريدي البياضي، لـ"العربي الجديد"، إن التعديل قد يطاول 20 مادة من القانون، من أهمها مواد تحريك الدعوى الجنائية، ودخول المنازل وتفتيشها وتفتيش الأشخاص، والتحقيق بمعرفة النيابة العامة، والمعاينة وضبط الأشياء المتعلقة بالجريمة، واستئناف الأوامر الصادرة من قاضي التحقيق، والإجراءات المتّبعة في محاكم الجنايات بحق المتهمين الغائبين، وإجراءات التحقيق والمحاكمة عن بعد. وأضاف البياضي أن قانون الإجراءات الجنائية "صدر بصورة لا ترضي طموحات المصريين في تحقيق العدالة، وبالتالي يجب إعادة طرحه للحوار المجتمعي بمشاركة ممثلي الأحزاب، والنقابات المهنية، ومنظمات المجتمع المدني، بهدف التوصل إلى صياغة ترسي منظومة عدالة جنائية تليق بالدولة المصرية، وترسخ قيم العدالة الاجتماعية". وأشار إلى أن اعتراض السيسي على مواد قانون الإجراءات الجنائية مثّل "استجابةً لأحزاب المعارضة، وقوى المجتمع المدني، التي طالبته بعدم التصديق على القانون".
مشكلات القانون
واعتبر المحامي الحقوقي نجاد البرعي في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن القرار بمثابة "انتصار حقيقي لعمل دؤوب للمجتمع المدني". وسبق أن نشر البرعي، بالتعاون مع المحاميين أحمد راغب ومحمد الباقر، ورقة قانونية بعنوان "مشروع قانون ضد العدالة"، كشفت عن المشكلات الدستورية والقانونية في المشروع، واعتمدتها نقابة المحامين رؤيةً لها. وبيّنت الورقة أن مشروع القانون خفض إجراءات الحماية القانونية للخصوصية والحرية الشخصية وممتلكات المواطنين، وسمح بدخول وتفتيش المنازل والأشخاص بناءً على سلطة تقديرية شخصية وليس إذن قضائي، فضلاً عن وضع حماية استثنائية للجرائم والمخالفات الصادرة من الموظف والمستخدم العام ورجال الضبط، ووضع تدابير تحفظية بالمنع من السفر والتحفظ على الأموال من دون حد أقصى، وبرقابة قضائية لاحقة.
اعتُبر القانون مدخلاً خلفياً لاستمرار تمديد الحبس الاحتياطي للمعتقلين السياسيين بلا سقف زمني
كما أثار القانون مخاوف بشأن وضع الحريات والعدالة في مصر، إذ اعتُبر مدخلاً خلفياً لاستمرار تمديد الحبس الاحتياطي للمعتقلين السياسيين بلا سقف زمني، بدلاً من عامين حداً أقصى في القانون الحالي. وكان للمجلس القومي لحقوق الإنسان موقف واضح من القانون، حيث رحب في بيان رسمي بتوجيه الرئيس برد المشروع إلى البرلمان. وأكد أنها خطوة "تعكس احترام الدستور المصري والاتفاقيات الدولية التي التزمت بها الدولة، وعلى رأسها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت عليه مصر عام 1982، لا سيما المادة 14 منه المتعلقة بضمانات المحاكمة العادلة".
بدوره، قال نقيب الصحافيين خالد البلشي، في بيان، إن "النقابة كانت من أبرز المؤسسات التي أبدت تحفظاتها على المشروع، خصوصاً ما يتعلق بضرورة مراجعة المواد التي تؤثر سلباً على العمل الصحافي مثل المادتين 15 و266". وشدد البلشي على أهمية إجراء حوار مجتمعي واسع حول التشريع. وبحسب المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة في بيان، أغفل قانون الإجراءات الجنائية ضمانات أساسية في إجراءات تفتيش المنازل والأشخاص، والتنصت على الرسائل والمحادثات الخاصة.