ارتباك مصري حيال آثار المصالحة الخليجية: الأولوية لعودة الطيران

ارتباك مصري حيال آثار المصالحة الخليجية: الأولوية لعودة الطيران

07 يناير 2021
شارك سامح شكري في القمة (فايز نور الدين/فرانس برس)
+ الخط -

سادت حالة من الارتباك الأوساط الإعلامية والسياسية المصرية، أمس الأول الثلاثاء، في أعقاب توقيع وزير الخارجية المصري سامح شكري على "بيان العلا" للمصالحة بين السعودية والإمارات ومصر والبحرين وقطر، خلال القمة الخليجية التي لم يحضرها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ولم يصدر أي تعليق عليها في موقف لافت.

وتحدثت مصادر دبلوماسية مصرية عدة لـ"العربي الجديد" عن عدم رضا السلطة في القاهرة عن الظروف التي أحاطت بالتوصل إلى الاتفاق والاهتمام الأكبر بتصفية الأجواء بين الرياض والدوحة، وعدم البت في العديد من المطالب والشروط التي سبق أن وضعتها مصر لعودة العلاقات السياسية الكاملة بين البلدين، ويبدو أن الضغوط السعودية والأميركية تخطتها أو ساهمت في إرجاء حسمها، وعلى رأسها وقف ما تزعم القاهرة أنه هجوم إعلامي عليها من الدوحة ودعم جماعة "الإخوان المسلمين" التي تصنفها السلطات المصرية "جماعة إرهابية محظورة".

وعلى العكس مما حدث مساء الاثنين الماضي عشية القمة من صدور تعليمات لجميع وسائل الإعلام الموالية للنظام بشن هجوم على قطر والمصالحة قبل ساعات من عقد القمة، في إطار إعراب السيسي عن عدم رضاه على الصيغة التي سيخرج بها الاتفاق المبدئي والذي يحقق مكاسب أكبر لقطر، اتسمت المعالجة المصرية الرسمية وشبه الرسمية للقضية بمزيد من الهدوء الذي لا يخلو من التحفظ والترقب في أعقاب التوقيع على الاتفاق.

النظام كان يرغب في رفع سقف المطالبات قبل انعقاد القمة للخروج بأكبر قدر من المكاسب

وقال مصدران أحدهما إعلامي والآخر أمني، وكلاهما قريبان من دائرة اتخاذ القرار الإعلامي في المخابرات العامة وإصدار التعليمات لوسائل الإعلام، إن الهدوء الذي طرأ بعد التصعيد الكبير، يعود لسببين، أولهما أن النظام كان يرغب في رفع سقف المطالبات قبل انعقاد القمة للخروج بأكبر قدر من المكاسب، وثانيهما أن السيسي كان يتجه بالفعل لعدم إرسال ممثل لحضور القمة حتى ساعة مبكرة من صباح الثلاثاء. وتغير الموقف بسبب حضور ممثلين للرئيس الأميركي وبعد إبلاغه بحضور وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين للقاهرة، وتزامن ذلك مع التنسيق لزيارة وزير المالية القطري علي العمادي إلى القاهرة لافتتاح فندق سانت ريجيس المملوك لشركة الديار القطرية في أول فعالية من نوعها منذ عام 2013.

وأضاف المصدران أن التعليمات صدرت متأخرة بعد عصر أمس الأول إلى الصحف ومقدمي برامج التوك شو، بإمكانية نشر الأخبار عن زيارة الوزير القطري بعد وصوله بنحو أربع ساعات، وتحديداً بعد تأكد مشاركة وزير المالية المصري في الاحتفال بتعليمات من السيسي اتخذت خلال لقائه معه ومع منوتشين، وبالتزامن مع ذلك وجهت المخابرات والأمن الوطني مقدمي البرامج للحديث عن القضية بنبرة هادئة والابتعاد عن استضافة النواب والكتاب المبالغين في ردود فعلهم المعارضة للاتفاق، وإبراز آراء أكثر موضوعية وانفتاحاً. أما السمة الأساسية للمعالجة، فوجهت الأجهزة الإعلاميين بأن يجمعوا بين تأكيد الثقة في قرار القيادة وضرورة الاصطفاف خلفها أياً كانت الاتجاهات الشخصية، بالإضافة إلى التأكيد أن تفعيل الاتفاق معلق وليس مطلقاً، وأنه مشروط بالتزام قطر بالمطالب المختلفة ومنها عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأربع ووقف الهجوم الإعلامي.

في المقابل، أكد المصدران أن الحسابات الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي التي نشرت ادعاءات مفادها أن شكري رفض التوقيع على عدد من بنود البيان، وأن الموافقة المصرية مشروطة، وغيرها من الأمور غير الدقيقة، تتبع جهاز الأمن الوطني، مفسرة ذلك بأنها محاولة دعائية موجّهة إلى الداخل للتبرير المسبق للقرارات التي قد يتخذها النظام في الفترة المقبلة لعودة العلاقات مع قطر إلى طبيعتها، خصوصاً على الصعيد الاقتصادي.
وكشف المصدر الأمني أن الأمن الوطني كان قد أعد تقريراً الأسبوع الماضي حذر فيه من آثار سلبية على شعبية النظام ومصداقيته إذا أقرت مصر بالمصالحة من دون تقديم مبررات منطقية أو إعلان استجابة قطر لجميع المطالب المصرية.

لكن في المقابل، وبعيداً عن الضغوط الأميركية والسعودية، توجد داخل النظام المصري أصوات أخرى تطالب بإعادة ترتيب الأولويات وبمقاربة مختلفة للقضية ككل، انطلاقاً من مجموعة حقائق، منها أن استمرار المقاطعة ليس في مصلحة القاهرة على أي صعيد، فهناك الخسائر الاقتصادية التي تكبّدها قطاعا الطيران والسياحة وانعكست على سوق العمل ونشاط تحويل الأموال، إلى جانب تعطل مشاريع استثمارية كبيرة وصفقات كانت الدولة المصرية ترغب في إبرامها في مشاريع تشارك فيها قطر. وذكر المصدر أن هذا الخلاف كان له دور في إدارة الخطاب الإعلامي تجاه قطر خلال الشهرين الماضيين، وسيستمر، ويبرز تحديداً في التناقض بين تعامل مقدمي برامج التوك شو مع القضية، على حسب تبعية ودرجة قرب كل مقدّم من جهاز معين أو دائرة بعينها من دوائر النظام.

المهمة الأولى للاتصالات المصرية القطرية المقررة وفقاً للاتفاق هي تحديد موعد لفتح الأجواء أمام الرحلات العادية للمسافرين

وفي السياق نفسه، قال مصدر دبلوماسي مصري إن الدلالة الرمزية المهمة لزيارة وزير المالية القطري إلى القاهرة لا تعني بصفة مباشرة عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الخامس من يونيو/حزيران 2017، وأن المهمة الأولى العاجلة الآن للاتصالات المصرية القطرية المقررة وفقاً للاتفاق هي تحديد موعد لفتح الأجواء أمام الرحلات العادية للمسافرين، وفي المرتبة الثانية الاتفاق على السماح بسفر المصريين العاملين في قطر لبلادهم وعودتهم للدوحة من دون تعسف أو مضايقات أمنية. وأضاف المصدر أنه لم يتحدد بعد موعد لإعادة تسيير الرحلات لكن قطاع الطيران المصري يأمل في حسم ذلك قبل نهاية الشهر الحالي بتسيير رحلة أو اثنتين يوميا للاستفادة من موسم الإجازات وطول فترة التوقف الدراسي بسبب جائحة كورونا.
أما الملف التالي للسفر فهو التفاهمات الاقتصادية حول عدد من المشاريع المعطلة للشركات القطرية في مصر والتفاوض على جذب استثمارات قطرية جديدة، خصوصاً في ظل تراجع الاستثمارات السعودية والإماراتية في العام الماضي.

وأوضح المصدر أن إحراز تقدّم في الملف الاقتصادي قد يكون تعويضاً مناسباً عن بعض المطالب المصرية التي سبق أن طُرحت خلال مفاوضات حل الأزمة في عاميها الأولين، ومن بينها الحصول على تعويضات مالية جراء ما تعتبره مصر "مشاركة قطر في دعم وتمويل الأنشطة الإرهابية التي قامت بها مجموعات تابعة لجماعة الإخوان المسلمين تحديداً على مدار السنوات الثلاث الماضية"، فضلاً عن طرد قيادات "الإخوان".

تقارير عربية
التحديثات الحية