كشفت تقارير إيطالية عن أنّ الاحتجاجات التي شهدتها العاصمة روما، السبت الماضي، كانت تستهدف اقتحام مبنيي الحكومة والنقابات، على طريقة مؤيدي الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، في اقتحامهم مبنى الكونغرس، في 6 يناير/كانون الثاني الماضي.
وأفادت صحيفة "كوريري ديلا سيرا" بأنّ نحو 10 آلاف متظاهر أرادوا استلهام طريقة الفاشية في عشرينيات القرن الماضي، بزعامة بيتينو موسوليني، لفرض نوع من الانقلاب.
ومن الواضح أنّ التوتر الذي شهده الشارع، بسبب فرض إجراءات تتعلق بإلزامية لقاح كورونا، والخضوع للفحص المتكرر لارتياد بعض الأماكن، بات مُستغلاً من قبل اليمين المتطرف، ولا سيما في صفوف حزب "فورزا نوفا"، المصنف على أنه من الفاشية الجديدة.
ودعا الحزب أنصاره، السبت الماضي، إلى "استلام روما"، وخطط مؤيدوه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولا سيما على تطبيق "تلغرام"، لأجل استخدام القوة في سبيل السيطرة على مبنى رئاسة الحكومة ومقر النقابات الإيطالية (الفدرالية العامة لعمال إيطاليا CGIL)، مؤكدين على استعادة طريقة الحركة الفاشية في عشرينيات القرن الماضي باقتحام روما والسيطرة عليها، والتي سميت "مسيرة الفاشيين" بزعامة موسوليني أيامها.
Grupos neofascistas destrozan la sede de la principal central sindical italiana, la #CGIL.
— Izquierda Web CR (@izquierdawebcr) October 13, 2021
Sucedió en medio de una marcha antivacunas en Roma. Convocan a una movilización antifascista y exigen la disolución de Forza Nova.
¡NO PASARÁN! #SiamoTuttiCGIL pic.twitter.com/7XF3uNmUN3
وذكرت التقارير، الصادرة أمس الثلاثاء واليوم الأربعاء، أنّ "مجموعات سارت نحو أماكن حيوية قريبة من البرلمان ورئاسة الحكومة للسيطرة عليها، قبل أن تكشف الشرطة مخططها وتتصدى لها بقوة".
وتؤكد تلك التقارير أنّ تكتيك الفاشية الجديدة اعتمد على المشاغبة العنيفة لاستلهام اقتحام المتظاهرين الأميركيين لمبنى الكونغرس بعد انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني الماضي وخسارة دونالد ترامب فيها. فتوجه بعض المتظاهرين العنيفين للسيطرة على فدرالية العمال وإحدى المستشفيات ذات الأهمية من حيث الموقع، والقيام بنشر فيديوهات على مواقع التواصل لاستدعاء المزيد من المحتجين وإطلاق عبارة "تم التحرير".
وتعرّض موظفون، بمن فيهم ممرضات، في المستشفى للضرب بقوة، حيث شبّهت الصحافة مجموعات الاعتداء بـ"مجموعات الموت" الفاشية التابعة لموسوليني، والتي يطلق عليها بالإيطالية "سكواردريستي Squadristi".
وذكر المؤرخ المختص بشؤون الحركة الفاشية، إميليو جينتيلي، أنّ عنف السبت "يتطابق مع الوسائل الفاشية". وأكد، لصحيفة "إل باييس" الإسبانية، أنّ الحركة الفاشية استخدمت بالضبط ما استخدمته مجموعات موسوليني، "سكواردريستي" "من خلال الهجوم على نقابات العمال ومحاولة تدميرها، وهم لا يخفون أنهم فاشيون، وتجب معاملتهم على أساس تعريفهم لأنفسهم".
الحكومة الإيطالية، التي أصيبت بصدمة من هجمة الفاشيين، وقد زار رئيسها ماريو دراغي مقر النقابات، تتجه بحسب، تصريحات للصحافة المحلية، أعقبت التحقيق في ما جرى، لاتخاذ خطوات حاسمة لمواجهة عنف الفاشيين. ويبدو أنها بعد الكشف عن أنّ المهاجمين كانوا أثناء الاعتداء يرفعون أذرعهم لأداء التحية الفاشية، تفكر بحظر حزب "فورزا نوفا" المتهم بالحشد لأعمال العنف والاعتداءات والتخطيط لاحتلال مبان حكومية والتحصن فيها.
ويمنح القانون الإيطالي منذ سنة 1954 فرصة لحكومة الليبرالي، ماريو دراغي، لحظر الفاشية، واعتبار حزب "فورزا نوفا"، وكل ما يتفرع عنه، غير شرعي من خلال مرسوم حكومي مباشر، دون العودة إلى المحاكم في حالات الضرورة.
ويؤيد الحزب "الاجتماعي الديمقراطي" (يسار الوسط) تطبيق دراغي لقانون الحظر للمرة الأولى منذ تبنيه لمنع أي نشاط للفاشية، وذلك بعد اعتقال عدد من قادة حزب "فورزا نوفا" في أثناء عمليات العنف والاعتداءات، السبت الماضي. وقد أكد دراغي، أمس الثلاثاء، أنه ماضٍ نحو حظر الحزب الفاشي.
ويعارض زعيم حزب "ليغا" القومي المتشدد، ووزير الداخلية السابق، ماتيو سالفيني، حظر حزب "فورزا نوفا". ولم يدنْ سالفيني ولا زعيمة الحركة الفاشية "إخوة إيطاليا" (فراتيلي ديتاليا)، جورجيا ميلوني، صراحة، عنف السبت الماضي. ورغم أنّ سالفيني عبّر عن رفضه للعنف وبشكل فضفاض، فإنه أبدى إعجابه بحشود المتظاهرين، وأبدى دعمه للمظاهرات "السلمية"، بل واتهم من سماهم "عناصر أشرار" بأنهم "يحاولون تشويه صورة اليمين".
ويلعب السياسيان السابقان على وتر الأوضاع الصعبة التي عاشتها روما في ظل جائحة كورونا، ويغازلان في الوقت نفسه حركة المشككين في الجائحة ورافضي اللقاح، لتحقيق المزيد من الشعبية في شارع يعاني من تراجع الأوضاع الاقتصادية، وينتقد على نطاق واسع سياسات تعاطي الحكومة مع فحص كورونا، على حساب المواطن، وإلزامية اللقاح في قطاع الصحة وغيره.
وبحسب الاستطلاعات الأخيرة في إيطاليا، فإنّ سالفيني وميلوني يحققان ما نسبته 40% بين الناخبين الإيطاليين. وتقلق شعبية اليمين الشعبوي والفاشيين الجدد ساسة إيطاليا التقليديين، من كلا معسكري اليمين واليسار.
ورغم تراجع تحالف "ليغا" و"إخوة إيطاليا" الفاشي في الانتخابات البلدية في إيطاليا، والتي تستكمل يومي الأحد والإثنين القادمين؛ فقد جرى انتخاب حفيدة الزعيم الفاشي موسوليني، راشيل موسوليني، في مجلس بلدية العاصمة، والتي لم تحسم بعد منصب عمدتها.
وتشهد روما، بدعوة من فدرالية العمال وأحزاب سياسية، تظاهرات حاشدة السبت المقبل، لإظهار معارضة الفاشية الإيطالية، مع خشية أن تتجه الأمور إلى صدام أكثر في الشارع، خصوصاً أنّ اليوم التالي، الأحد، سيشهد استمرار الانتخابات المحلية فيها وفي تورينو وعدد من المدن الأخرى.