احتجاجات الناصرية: دماء تنذر بتفجر الغضب الشعبي جنوبي العراق

احتجاجات الناصرية: دماء تنذر بتفجر الغضب الشعبي جنوبي العراق

28 فبراير 2021
يرفع المتظاهرون الشعارات ذاتها منذ أشهر طويلة (أسعد نيازي/فرانس برس)
+ الخط -

ارتفع عدد ضحايا الاحتجاجات في مدينة الناصرية، مركز محافظة ذي قار جنوبي العراق، إلى 10 قتلى خلال أقل من أسبوع، إضافة إلى نحو 200 جريح، وذلك بعد ليلة دامية شهدتها المدينة أول من أمس الجمعة، واستمرت حتى ساعات مبكرة من فجر أمس السبت. وانتهت هذه الليلة بإعلان حكومة مصطفى الكاظمي تسمية رئيس جهاز الأمن الوطني الفريق عبد الغني الأسدي محافظاً لذي قار، بعد استقالة المحافظ ناظم الوائلي. بالتوازي، تشهد مدينة الكوت، المركز الإداري لمحافظة واسط، احتجاجات مماثلة، في وقت تحبس فيه حكومات النجف والبصرة وميسان أنفاسها من تجدد التظاهرات احتجاجاً على القمع في الناصرية، التي ما زالت تخضع لإجراءات أمنية مشددة على الرغم من الإعلان عن استقالة المحافظ وفتح تحقيق في عمليات قتل المتظاهرين.

منظمة العفو: تعرضت الناصرية على مدى 5 أيام لـ"قمعٍ عنيفٍ للاحتجاجات"

وتحدّثت مصادر طبية في مستشفى الناصرية الحكومي العام عن وجود نحو 20 متظاهراً بحالة حرجة حتى أمس السبت، جرّاء إصابتهم بنيران مباشرة، ما يجعل حصيلة ضحايا ليل الجمعة – السبت الدامية قابلة للارتفاع. وبحسب طبيب في مستشفى المدينة العام تحدّث لـ"العربي الجديد"، فإن أربعة أشخاص قُتلوا، أحدهم في الـ16 من عمره، وجرح 147 آخرون، بينهم 20 أصيبوا بالرصاص الذي استخدمته قوات الأمن بكثافة أمام مبنى المحافظة وقرب جسر النصر وشارع البهو وسط المدينة. وأضاف المصدر أن عدد القتلى الكلّي ارتفع منذ مساء الأحد الماضي إلى 10 ضحايا، وما زال نحو 60 يرقدون في المستشفى من أصل قرابة 200 جريح وصلوا إلى المستشفى في أقل من أسبوع.

وتُوجّه أصابع الاتهام في ممارسة القمع المفرط إلى القوات الأمنية الجديدة التي تم استقدامها من بغداد منتصف شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي ضمن مساعي حكومة الكاظمي للسيطرة على الأوضاع في المدينة.
وأمس السبت، أشارت منظمة العفو الدولية إلى أن مدينة الناصرية تعرضت على مدى خمسة أيام لـ"قمعٍ عنيفٍ للاحتجاجات"، متحدثة عن توثيق "وفاة 8 أشخاص وإصابة أكثر من 250 آخرين". وأبدت المنظمة انزعاجها "بشكل لا يصدّق من القمع المتزايد والصمت من قبل الحكومة"، مؤكدة أن "قوات مكافحة الشغب والطوارئ في الناصرية تستخدم الرصاص الحيّ الموجه مباشرة إلى المتظاهرين، فضلاً عن الغاز المسيل للدموع"، فيما وجهت المنظمة انتقاداً إلى حكومة الكاظمي، معتبرة أنها فشلت مراراً وتكراراً في التصدي للإفلات من العقاب مقابل مقتل المتظاهرين.

في هذا الوقت، يُتوقع أن تشهد مدينة الكوت مركز محافظة واسط احتجاجات جديدة اليوم الأحد، تضامناً مع متظاهري الناصرية، مع رفع الشعارات ذاتها التي يرفعها متظاهرو العراق منذ نحو 15 شهراً، وهي الخدمات وتوفير فرص العمل وفتح ملفات الفساد، ومدنية الدولة وإنهاء المحاصصة الطائفية والحزبية، وأخيراً الكشف عن قتلة المتظاهرين ومحاسبتهم. وبالتزامن، يؤكد ناشطون وجود حراك في ميسان والنجف والبصرة لتنظيم تظاهرات تأييداً لمتظاهري الناصرية وتنديداً بالقمع الذي مارسته السلطات ضدهم وأسفر عن مقتل وجرح العشرات.

وتواصل "العربي الجديد" مع متظاهرين وناشطين من الناصرية، قالوا إن "الحراك الشعبي في ذي قار، يرفض حالياً أي حلول من الحكومة العراقية، كما أن المحتجين لم يطلبوا أن يكون المحافظ هو رئيس جهاز الأمن الوطني الفريق الركن عبد الغني الأسدي، بل إن الحراك المدني يطالب بالكشف عن الجهات التي تأمر بفتح النار على المتظاهرين واغتيالهم واختطافهم"، معتبرين أن القمع كان بهدف منعهم من الخروج وإيقاف كلّ شكل من أشكال الاحتجاج.

وكان بيان للكاظمي، فجر أمس السبت، قد أكّد أنه تمّ "تكليف محافظ جديد للمحافظة وتشكيل مجلس استشاري مرتبط برئيس مجلس الوزراء، وفتح تحقيق واسع للوقوف على المسؤولين عن الأحداث الأخيرة، ما يمثل مقدمة للشروع في حملة كبرى لإعمار المحافظة". وردّ متظاهرو المدينة ببيان أعلنوا فيه رفضهم ما وصفوه بالحلول الترقيعية من قبل الحكومة في بغداد، مؤكدين مواصلة التظاهر.

وحول ذلك، قال الناشط البارز من الناصرية وعضو "البيت الوطني" (كيان سياسي جديد) حسين الغرابي، إن "الحكومة الحالية متورطة بدماء المتظاهرين، الذين على الأغلب لن يتراجعوا من الساحات والشوارع، وإن الكاظمي لم يفِ بوعده بشأن حماية المحتجين، وبالتالي فإنه والحكومة الحالية باتا طرفاً متورطاً في قتل وملاحقة المحتجين".
وأوضح الغرابي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومة الحالية عليها أن تحقّق ما يطالب به المتظاهرون، وأن يتم الكشف عن قتلة المتظاهرين، وكشف مصير الناشط سجاد العراقي، إضافة إلى حصر السلاح بيد الدولة، ومنع انفلاته بين المليشيات". ولفت الناشط إلى أن "الأحداث الدامية التي حصلت في الناصرية أخيراً لم تساندها إلا القلة من القوى السياسية، وهو دليل على أن غالبية الكيانات السياسية التقليدية ضد أي حراك شعبي يطالب بالتغيير، كما أنها مشتركة، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، في هذا التعنيف تجاه المحتجين". وتابع أن "الاضطراب الأمني والتهديدات التي تلاحق المدنيين والمتظاهرين السلميين مؤشر خطر على احتمالية فشل إجراء الانتخابات المبكرة، إذ لا يمكن إجراؤها في ظلّ انتشار السلاح وزيادة حالات قتل الناشطين والمتظاهرين، وبالتالي على الحكومة أن تترك الهرب من خلال حلول لا تناسب المتظاهرين، واللجوء إلى تحقيق المطالب الشعبية".

ويُتوقع أن تعود التظاهرات إلى المحافظات التي هدأت فيها حدة الاحتجاجات خلال الأشهر الماضية بسبب تفشي فيروس كورونا، في ظلّ تمادي أنصار زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، واعتداءاتهم على المحتجين، بعد أحداث الناصرية. وشهدت مدن بابل وواسط والنجف ميسان والبصرة والديوانية، إضافة إلى العاصمة بغداد، حراكاً هو الأول من نوعه منذ أشهر، لمساندة المتظاهرين في ذي قار.

تحبس حكومات النجف والبصرة وميسان أنفاسها من تجدّد التظاهرات احتجاجاً على القمع في الناصرية

وفي السياق، قال الناشط بهاء السراي، وهو شقيق صفاء السراي، أحد أبرز رموز تظاهرات "تشرين" العراقية، إنّ "المتظاهرين في بغداد جاهزون للعودة إلى الساحات، على الرغم من التهديدات وإجراءات حظر التجول، ولكن استمرار العنف ضد المحتجين في الجنوب قد يدفع إلى تجديد الحراك الشعبي". وبيّن السراي لـ"العربي الجديد" أن "الناصرية باتت تمثل مركزاً احتجاجياً بارزاً في العراق، وتمثل الشعلة التي تتقد بوجه سلاح السلطة المنفلت، ولا يمكن القبول باستمرار هذا النهج الدموي الناصرية".

بدوره، رأى العضو المستقلّ في البرلمان العراقي، باسم خشان، أن "حكومة الكاظمي لم تستطع أن تلمس معاناة العراقيين، ولم تستطع تحقيق رغبة الحراك الشعبي والمتظاهرين، بل إنها باتت أخيراً، من وجهة نظر المتظاهرين، شبيهة بحكومة عادل عبد المهدي التي كانت خاضعة لسلطة الأحزاب". وأكد خشان في اتصالٍ مع "العربي الجديد" أن "الحكومة الحالية خاضعة هي الأخرى إلى الأحزاب والسلاح المنفلت، ولا تستطيع أن تنفذ أياً من قراراتها الجريئة، وبالتالي فإن فرض تجدد الاحتجاجات في مدن العراق لا تزال متوفرة".

واندلعت التظاهرات العراقية في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2019، عقب دعوات انطلقت عبر موقع "فيسبوك" إثر تردي الخدمات وتفاقم نسبة البطالة، قبل أن تتفجر بشكل واسع في بغداد ومدن جنوب ووسط العراق خلال ساعات قليلة. وطوال السنة الماضية، شهدت التظاهرات عمليات عنف غير مسبوقة، ولا سيما بعدما دخلت جماعات مسلحة من أتباع إيران، على خطّ قتل وقمع واختطاف المحتجين والناشطين. وأدت أعمال العنف إلى مقتل نحو 800 متظاهر، وإصابة أكثر من 27 ألفاً آخرين، في وقت لم تُحاسَب فيه أي جهة متورطة بهذه الأعمال.