احتجاجات السليمانية: أربيل تقلّد بغداد في قمع الحراك الشعبي

احتجاجات السليمانية: أربيل تقلّد بغداد في قمع الحراك الشعبي

10 ديسمبر 2020
أحرق المتظاهرون بعض مقرات الأحزاب النافذة في الإقليم (فريق فرج محمود/الأناضول)
+ الخط -

لم تتوقف التظاهرات التي تشهدها مدينة السليمانية وضواحيها في إقليم كردستان العراق منذ أسبوع، على الرغم من كل الجهود السياسية، وحتى الأمنية، التي تبذلها الأحزاب الكردية الحاكمة في الإقليم لإنهاء الاحتجاجات ومنع تمددها إلى أربيل ودهوك المحتقنة أساساً.
ومع استمرار تظاهرات مدينة السليمانية وضواحيها، مخالفة كل التوقعات حول خمودها، لا سيما بعد امتدادها إلى مدن جمجمال، ورانيا، وسيد صادق، وبنجوين، وبلدات أخرى مجاورة لها، ازداد التوتر مع سقوط 7 قتلى، بينهم طفل، بنيران قوات الأمن، فيما بدا أن سلطات الإقليم تستورد تجربة قمع المتظاهرين من بغداد، مع توجيه اتهامات بوجود محاولات تخريبية تستهدف زعزعة استقرار الإقليم، قبل أن تُصدر مساء أمس الأربعاء قراراً بمنع تنظيم أي تظاهرات "غير مرخصة"، معلنة أن "للقوات الأمنية الصلاحية في توقيف المتظاهرين والتعامل معهم وفق القانون". وعلى غرار شعار "نريد وطن" في بغداد ومدن عراقية متظاهرة معها، فإن شعار "إسقاط حكم العوائل"، هو البارز في الإقليم، في إشارة إلى عائلتي البارزاني والطالباني، اللتين تتقاسمان السلطة في محافظات الإقليم الأربع (أربيل ودهوك والسليمانية وحلبجة)، إلى جانب شعارات أخرى تتعلق بإنهاء الفساد والمساواة بين المستقلين و"أهل الأحزاب".

وتفجرت الاحتجاجات أول مرة بخروج عدد من المعلمين والمدرسين المطالبين بمرتباتهم المتأخرة منذ ستة أشهر، تبعهم موظفو البلدية وشرائح أخرى، قبل أن تتحول تلك التجمعات إلى نقطة جذب لباقي المواطنين، منذ الأول من ديسمبر/كانون الأول الحالي وبشكل تصاعدي. ولجأت السلطات في إقليم كردستان، خلال الأيام الماضية، إلى حجب مواقع التواصل الاجتماعي. كما أعلنت فرض حظر التجوال الجزئي في السليمانية. وعلى الرغم من ذلك لم يتراجع الناشطون والموظفون. وتتركز التظاهرات في مناطق رانيا ودوكان وتكية وحاجى كلار وخورمال وحلبجة وسيد صادق وكفري، إضافة إلى مركز السليمانية. وتبع ذلك سقوط 7 قتلى من المتظاهرين وجرح نحو 70 آخرين بفعل القمع الذي واجهت به قوات الأمن الكردية المتظاهرين، فيما تم حرق مقرات لأحزاب "الديمقراطي الكردستاني"، و"الاتحاد الوطني"، و"التغيير"، وهي أبرز الأحزاب النافذة.

حصار قوات "الأسايش" يحول دون اتساع رقعة الاحتجاجات

ويتحدث ناشطون ومتظاهرون عراقيون أكراد من مواطني الإقليم عن أن مدناً في كردستان العراق تشهد احتقاناً بالغاً، وتسعى للانطلاق بموجة احتجاجات غاضبة، إلا أن الحصار الأمني الذي تطبقه قوات "الأسايش"، وهي الجهاز الأمني الخاص الأكثر حساسية في الإقليم، يحول دون اتساع رقعة الاحتجاجات. ولعل أخطر المناطق التي تخشى منها حكومة إقليم كردستان، هي حلبجة ورانيا، التي تعتبر تاريخياً منبع المعارضة السياسية الكردية ضد الأنظمة السابقة في العراق.

وتعليقاً على التظاهرات، قال الناشط الكردي سامان أمين، لـ"العربي الجديد"، إن "مساحة الفقر والجوع ازدادت في الإقليم، في وقت صارت طبقة الأغنياء هي أعضاء الأحزاب وقادة الأمن والبشمركة". وأضاف، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد" من ألمانيا حيث يقيم، إن "تظاهرات بغداد وجنوب العراق كانت محفزاً لتفجر تظاهرات كردستان، فالأسباب واحدة تقريباً". وتحدث عن معلومات يتداولها مواطنون في الإقليم، لم يتم التأكد منها بشكل كامل، حول عمليات إطلاق نار مباشر على المتظاهرين لإخافة الآخرين، وهذا يعني محاولة استنساخ تجربة حكومة بغداد مع أول أيام تفجر الاحتجاجات.

وأكدت مصادر كردية مطلعة، أن الموظفين في ملاك الدولة العراقية في إقليم كردستان، يطالبون الحكومة بأكثر من 23 راتباً شهرياً متراكمة منذ سنوات، بينما لا تسلّم الحكومة في كردستان أكثر من 5 مرتبات للموظفين في كل عام. ولا يعرف الموظفون أي جهة تستولي على حقوقهم، على الرغم من أن الحكومة الاتحادية في بغداد، تعلن في كل شهر عن إرسال الدفعات المالية كاملة عبر مصرفي "الرافدين" و"الرشيد" إلى أربيل، ما تسبب بتراكم الديون على حكومة كردستان للموظفين، ناهيك عن نظام الادخار الإجباري الذي عملت به أربيل لمدة 3 سنوات، والقاضي باستقطاع نحو 20 في المائة من رواتب الموظفين، والذي ألغي عام 2019.

وتتهم الأحزاب الكردية المعارضة في إقليم كردستان، حزبي البارزاني (الديمقراطي الكردستاني) والطالباني (الاتحاد الوطني) ببيع نحو 500 ألف برميل من النفط المستخرج من حقول الإقليم إلى تركيا يومياً، من دون إعلان صريح. ويقول المعارضون إن "عوائد الجزء الأكبر من مبيعات النفط بطريقة غير رسمية تذهب إلى حسابات سرية تتبع قادة الحزبين". كما تحصل حكومة الإقليم على ما يُعرف بالإيرادات غير النفطية، وهي الجباية مقابل الخدمات العامة والضرائب، إضافة إلى إيرادات المنافذ الحدودية مع تركيا وإيران، وهو ما يجعل الإقليم ثرياً بالنظر إلى مساحته وعدد سكانه. إلا أن الفساد، وفقاً لأعضاء في مجلس النواب العراقي، هو ما أسفر عن إفلاس الإقليم وعدم استطاعته توفير رواتب وحقوق موظفيه والأكراد عموماً.

وقال ناشط كردي في مجال حقوق الإنسان، يقيم في مدينة السليمانية، لـ"العربي الجديد"، إن "التوتر الأمني والقلق الشعبي من التطورات هو أكثر ما يدور حالياً، مع استمرار قوات الأمن الكردية باعتقال ناشطين ومتظاهرين وصحافيين يؤيدون الحراك الشعبي الرافض لاستمرار حكم العوائل في إقليم كردستان، مستغلة الشعارات القومية وطموحات الشعب الكردي". ولفت إلى أن "أعداد المتظاهرين في جمجمال وسيد صادق، تتراجع في النهار، لمنع حدوث عمليات اعتقال جماعي، ويعود المحتجون إلى الظهور مع بداية المساء". وأضاف الناشط، الذي فضل عدم ذكر اسمه لدواعٍ أمنية، أن "الاحتجاجات في إقليم كردستان لم تنطلق إلا بعد أن أهانت الحكومة الكردستانية شعبها، وتحولت إلى جماعات تُسيطر على كل منفذ ومورد من موارد الإقليم. وبالتالي فإن الاحتجاجات الحالية في السليمانية ما هي إلا بداية لاحتجاجات قد تشمل كل مناطق الإقليم، وستواجه السلطات مأزقاً كبيراً في التعامل مع الشعب، وقد تواجهه بالرصاص الحي، كما فعلت حكومة بغداد، لأنها لا تملك أي حلول". ولفت إلى أن "الناشطين والصحافيين والمتظاهرين، إضافة إلى الموظفين، يجتمعون في مجموعات على تطبيق "واتسآب"، وهم يديرون نشاطاتهم المستقبلية بطريقة حديثة، وتتمثل بتوزيع الأدوار".

وعلّقت الحكومة في إقليم كردستان أكثر من مرة، خلال الأيام الماضية بشأن التطورات الأخيرة. وطالبت المتظاهرين بضرورة الهدوء والمحافظة على الممتلكات العامة والخاصة، وعدم اللجوء إلى العنف. وعلى الرغم من ذلك أقدم المتظاهرون على حرق مقرات ومكاتب حزبية تتبع "الاتحاد الوطني الكردستاني" الحاكم في السليمانية. وامتدت التظاهرات إلى أكثر من خمس مناطق، مع ترجيحات قوية تفيد بأن الناشطين والأهالي في محافظتي أربيل ودهوك متجهزون للانطلاق باحتجاجات، لا تهدف فقط لنيل الرواتب الشهرية للموظفين بل لتطبيق إصلاحات جذرية في كردستان، من ضمنها إسقاط الأحزاب الحاكمة.

عماد باجلان: قوى اللادولة في بغداد تدعم خراب كردستان
 

وفي أول رد فعل رسمي على التظاهرات التي تشهدها مدن السليمانية، طالب رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور البارزاني، المواطنين بـ"عدم الوقوع تحت تأثيرات المساعي والرسائل التخريبية". وأضاف، البارزاني في بيان صادر عن مكتبه، مساء الثلاثاء، أن "حكومة إقليم كردستان تتفهم الوضع المعيشي الصعب للمواطنين، وتشكر صمودهم إزاء الأزمة الحالية، والتظاهرات السلميّة والحضاريّة حق مشروع، ولكن محاولات التخريب تختلف عن المطالب المشروعة". وأوضح أن حكومته تحاول جاهدة عبور الأزمة المالية الحالية ومستمرة بالحوار مع الحكومة الاتحادية (حكومة بغداد) لتأمين الحقوق والمستحقات المالية لإقليم كردستان. وطالب قوات الأمن بـ"حماية أرواح جميع المواطنين والمتظاهرين، ومنع الاضطرابات، وتخريب الأماكن العامة والخاصة"، في إشارة إلى مقرات الأحزاب التي أحرق المتظاهرون عدداً منها. ودعا البارزاني "المواطنين إلى ألا يقعوا تحت تأثيرات المساعي والرسائل التخريبية التي تهدف لتعقيد وتخريب الاستقرار في إقليم كردستان".

من جهته، قال عضو الحزب "الديمقراطي الكردستاني" عماد باجلان، إن "الحكومة في إقليم كردستان لا تقف ضد الاحتجاجات، بل إن كردستان على عكس بقية مناطق العراق، تتمتع بقدر كبير من الحرية. كما أن خيار التظاهر السلمي مضمون في كل الدساتير، بشرط عدم التجاوز على الممتلكات الخاصة والعامة، ولكن ما يحصل في السليمانية تدفعه مصالح داخلية وأخرى خارجية". وأضاف، في اتصال مع "العربي الجديد"، أن "الدفع من الجارة الشرقية للعراق (يقصد إيران) واضح في تظاهرات السليمانية، إضافة إلى أن قوى اللادولة في بغداد تدعم خراب كردستان، وهو ما لن يحصل. ولعل الدعم بات واضحاً بعد تعليق (زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق") قيس الخزعلي، الذي بارك الاحتجاجات، وسعى إلى التدخل أو ركوب الموجة".

أما القيادي في "الاتحاد الوطني الكردستاني" غياث السورجي فقد أشار إلى أن "لدى المتظاهرين الأكراد حقوقا لا يمكن أن يتنازلوا عنها، على الرغم من الأخطاء التي وقع فيها المحتجون في السليمانية من حرق للمقرات الحزبية والتجاوزات على بعض الموظفين الإداريين في دوائر حكومية. ولكن هذا لا يعني أن التظاهرات في كردستان ليست مطلبية واضحة، بل إنها تؤكد فشل القوى السياسية في احتواء الأزمات أو توفير ما يطالب به المحتجون". وأكد، لـ"العربي الجديد"، أن "هناك فرصة لدى الأحزاب في كردستان لحلحلة الأمور من خلال التعاطي مع بغداد، والتفاهم على حلول تخدم الشعب الكردي الذي يعاني منذ سنوات من اختطاف الحقوق بسبب التجاذبات السياسية".

أما عضو البرلمان العراقي عن تحالف "الفتح" عامر الفايز فاعتبر أن "بغداد لم تُقصر مع حكومة إقليم كردستان، بأي شيء، وتحديداً في مسألة توفير المرتبات، لأن الرواتب لا تخضع للصراعات السياسية. ولكن طريقة إدارة الدولة في حكومة الإقليم هي التي أدت إلى حدوث المشاكل. كما أن التعصب الحزبي أدى إلى خروج المتظاهرين في السليمانية". وأوضح، لـ"العربي الجديد"، أن "هناك بعض الأحزاب المتعصبة في كردستان لا تريد أن تصل إلى حلول مع بغداد، كما أنها تتعمد إلغاء كل التفاهمات والاتفاقيات، كونها تعتاش على الأزمات، ولا تعرف غير اختلاس الأموال. وبالتالي فإن انتفاض الشعب الكردي أمر طبيعي، في ظل طغمة من الفاسدين تسيطر على مقدرات 3 محافظات عراقية غنية بالموارد".

بدوره، اتهم الكاتب والمحلل السياسي كفاح محمود "حكومتي نوري المالكي وحيدر العبادي، بالتسبب بكل الأزمات التي يعاني منها إقليم كردستان". وأكد، لـ"العربي الجديد"، أن "مشكلة كردستان ليست كردية، بل افتعلتها بغداد حين فرضت حصاراً اقتصادياً على الإقليم، بدأ في يونيو/حزيران 2014 وانتهى عام 2018، حيث حرمت كردستان من أي حصة من ميزانية العراق، وأدى ذلك إلى تأزيم الأوضاع الاقتصادية". ولفت محمود، وهو مقرب من زعيم الحزب "الديمقراطي الكردستاني" مسعود البارزاني، إلى أن "حكومة مصطفى الكاظمي، تسعى حالياً إلى رأب الصدع في كل ما يجري على المستوى السياسي أو الاحتجاجي، ولكن المليشيات في بغداد تسعى إلى تخريب العلاقة بين الإقليم والمركز، لأسباب كثيرة، لعل أبرزها هو عدم تطبيق اتفاقية سنجار، التي تعمل على طرد المليشيات الموالية لإيران وحزب العمال الكردستاني من سنجار، إضافة إلى إضعاف حكومة أربيل، وإشغالها عن برنامجها الإصلاحي".