اجتماع نيوم: السيسي يراهن على الشق الاقتصادي

اجتماع نيوم: السيسي يراهن على الشق الاقتصادي

24 نوفمبر 2020
السيسي يتوقع ألا يشهد قطار التطبيع إبطاءً في عهد بايدن (ميشال تانتوسي/Getty)
+ الخط -

قال مصدر دبلوماسي مصري، لـ"العربي الجديد"، إن الرئاسة المصرية كانت محاطة علماً بقرب إجراء رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، زيارة إلى منطقة نيوم السعودية للقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وإن تنسيقاً مسبقاً بين نتنياهو والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يجري في إطار الاستعداد لشراكة ثلاثية بين دولة الاحتلال والسعودية ومصر، وربما تصبح رباعية بإشراك السودان في العديد من المشاريع التنموية والاستراتيجية، التي ترى الأطراف المختلفة أنه بات من الضروري البدء فيها لتحسين أوضاعها الاقتصادية، ارتباطاً بالتغيّرات التي حصلت في المنطقة جراء الأزمات المتواصلة في ليبيا وسورية واليمن وكذلك في العالم بسبب جائحة كورونا.

وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية أمس بأن نيوم استضافت أمس الأول الأحد، لقاءً جمع نتنياهو ورئيس "الموساد" يوسي كوهين، ببن سلمان، بحضور وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، وهو ما نفاه وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان. ولا يبدو اختيار نيوم لاستضافة اللقاء عشوائياً، فالمشروع الجديد وفقاً لخطته الاستراتيجية سيمثل أحد أوجه التعاون الرئيسية بين الحكومات الثلاث، كما أنه ارتكز أساساً عند إطلاقه على تنازل السيسي عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وما استتبع ذلك من إقامة علاقات أمنية وعسكرية بين الرياض ودولة الاحتلال للتنسيق في المنطقة البحرية الفاصلة بينهما والتي يشترك فيها كلٌّ من مصر والأردن أيضاً. يضاف إلى ذلك وجود تطلعات لنتنياهو لتوسيع الاستفادة من موجة التطبيع التي كرسها بمساعدة الرئيس الأميركي الخاسر دونالد ترامب والسيسي وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، لفتح آفاق تعاون استثماري مستدام مع المحيط العربي بالكامل.

ورداً على سؤال "العربي الجديد" عن دلالة وأهداف هذه الزيارة في هذا الموعد تحديداً فيما تقترب ولاية ترامب من نهايتها، قال المصدر المصري إن المعلومات المتداولة في الأوساط الدبلوماسية في المنطقة تشير إلى إصرار ترامب وبومبيو على تحقيق خطوة تطبيع العلاقات السعودية مع دولة الاحتلال، أو على الأقل رعاية توقيع بعض المعاهدات ذات الطبيعة الاقتصادية بينهما، قبل نهاية العام الحالي، لأسباب تتعلق برغبة ترامب في الاحتفاظ بعلاقات وطيدة بالدوائر الصهيونية الرئيسية في الولايات المتحدة، ورغبة بومبيو في تأمين دعم تلك الدوائر ودولة الاحتلال لمستقبله السياسي.
وأوضح المصدر أن السيسي يواكب هذه التطورات أولاً بأول، مستدركاً بأن المعلومات تصل بشكل متدفق إلى القاهرة من دولة الاحتلال وواشنطن أكثر من الرياض في الفترة الأخيرة، لكن لا توجد خلافات في هذا الشأن بين السيسي وبن سلمان.

ترامب وبومبيو يريدان تحقيق خطوة تطبيع العلاقات السعودية مع الاحتلال، أو على الأقل رعاية بعض المعاهدات الاقتصادية بينهما، قبل نهاية العام الحالي

أما أبرز العقبات التي تواجه الوصول إلى اتفاق تطبيع معلن، فهي أن بن سلمان كان يرى، عقب أسبقية توصّل الإمارات إلى هذا الاتفاق، أن الوقت غير ملائم تماماً على المستوى الشعبي لاتخاذ خطوة تعادلها، ولذلك كان دفعه بالبحرين لاتخاذ الخطوة برهاناً لتأكيد جديته. ويرى بعض مستشاري بن سلمان حتى الآن أن الوقت ما زال غير مناسب، بحسب المصدر المصري، الذي قال أيضاً إن بعض أصدقاء بن سلمان في المنطقة وأوروبا نصحوه بالعمل على تسريع تطبيع سلطنة عمان قبل الإقدام على الخطوة المرتقبة، ولذلك فإن استجابة بن سلمان لجهود إدارة ترامب مرهونة في الأساس بمدى رغبته بتقديم هذه الخطوة كهدية تاريخية لترامب أو عدمها.

وبحسب المصدر ذاته، فإن السيسي يتوقع ألا يشهد قطار التطبيع المتسارع إبطاءً يُذكَر من الإدارة الأميركية الديمقراطية الجديدة، وأنه ما زال مؤمناً بأن مشاركته في تلك الخطوات "مهمة وحيوية" للحفاظ على دوره في المنطقة، إلى جانب مشاريع الطاقة في شرق المتوسط. ويأتي ذلك على وقع تراجع دور القاهرة إقليمياً في القضايا البارزة محل الاهتمام الأميركي، وعزوف واشنطن عن المشاركة الفعالة في عدد آخر من القضايا، خصوصاً إذا ما قورن الدور المصري بأدوار الدول الخليجية وعلاقاتها القائمة مع واشنطن، والصراع المتصاعد بين السعودية والإمارات على مستوى، وبينهما وبين قطر وتركيا على مستوى آخر، حول مساحات التأثير في العالم العربي، والذي أدى إلى تراجع مكانة مصر ودورها في عهد السيسي.

وإلى جانب مشروع نيوم ذي الطبيعة السياحية والاستثمارية، فإن مشاريع تطوير البنية التحتية لدول الشرق الأوسط لتداول الغاز الطبيعي وإسالته، هي مدخل أساسي للمضي قدماً في مشاريع التسوية بين الأنظمة العربية والاحتلال الإسرائيلي، وتصفية القضية الفلسطينية، فالسعودية التي بحثت بالفعل شراء الغاز الطبيعي من إسرائيل، قريبة من الإسهام في تصورات لتدشين مشاريع مشتركة بين دول المنطقة في ساحة البحر الأحمر برعاية أميركية.
وبحسب مصادر دبلوماسية وحكومية مصرية، فإن من ضمن الأوراق التي تطرحها القاهرة أن تشارك السعودية في مشروع مستقبلي يجري الاتفاق على تفاصيله مع الحكومة الإسرائيلية لإقامة وحدة أو اثنتين لإسالة الغاز الطبيعي الذي يسيطر عليه الإسرائيليون، والمصري في البحر الأحمر، بهدف تصديره إلى الخليج ودول آسيا، لمزاحمة أكبر الدول المصدّرة للغاز إلى الدول الصناعية الكبرى في جنوب آسيا والمعروفة بأنها من الأكثر استهلاكاً للطاقة في العالم مثل الصين واليابان.
ومن الأفكار التي تطرح أيضاً لهذا المشروع، دخول السودان بعد التطبيع كشريك مقابل مساعدات كبيرة له لتوسيع إمكانياته التعدينية في البحر الأحمر، ومن دون الحاجة لترسيم الحدود البحرية مع السعودية أو مصر، وستبقى مسألة مثلث حلايب وشلاتين تلقي بظلالها على هذه النقطة.

من ضمن الأوراق التي تطرحها القاهرة أن تشارك السعودية في مشروع مستقبلي مع الحكومة الإسرائيلية لإقامة وحدة أو اثنتين لإسالة الغاز الطبيعي

ونوقشت هذه الأفكار المصرية الإسرائيلية بالفعل في اجتماعات منتدى شرق البحر المتوسط للغاز، مدعومة من بعض الشركات الناشطة في هذا المجال بالبلدين، في ضوء التعاون المتقدّم بين شركات "نوبل إينرجي" الأميركية، و"ديليك" الإسرائيلية، و"غاز الشرق" المصرية المملوكة حالياً من الدولة ممثلة في جهاز المخابرات العامة وهيئة البترول (تختلف عن شركة غاز شرق البحر المتوسط محل الصفقة ومالكة شبكة الأنابيب بين البلدين) وكذلك "دولفينوس" المملوكة من مستثمرين مصريين.
من جهتها، ستستفيد السعودية نظرياً من المشاركة في مثل هذه المشاريع، فهي في حاجة إلى الغاز من دولة الاحتلال الإسرائيلي، وهي بدورها في حاجة إلى وحدة لإسالة الغاز لضمان تحقيق قدر أكبر من الأرباح عند التصدير. أما مصر فقد أبدت للجانب الإسرائيلي استعدادها لإقامة وحدة الإسالة في منطقة صناعية جديدة على شاطئ البحر الأحمر كجزء من مساعي نظام السيسي لجذب الاستثمارات الأجنبية إلى منطقة الصحراء الشرقية وجنوب السويس وتوفير المزيد من فرص العمل المؤقتة والدائمة، كما حدث لدى إنشاء وحدتي الإسالة اللتين تتميز مصر بهما في هذه المنطقة، على شاطئ البحر المتوسط، في إدكو ودمياط.

وسبق أن قال مصدر مصري، العام الماضي، لـ"العربي الجديد" إنه في حال الاتفاق على تطوير مشروع كبير للطاقة في منطقة البحر الأحمر فسوف يتحتم على السعودية تمويل الجزء الأكبر منه، مقابل الحصول على حصتها من الغاز المسال بصفة دائمة والتشارك المصري والإسرائيلي في أرباح التصدير على المدى الطويل.
ولا يمكن النظر إلى هذا المشروع باعتباره الوحيد الذي يمكن تنفيذه في منطقة البحر الأحمر، فبعد إقرار اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، بدأت الدولتان البحث عن استغلال الغاز في المنطقة الاقتصادية لكل منهما، وفقاً لتصريحات الوزير السعودي خالد الفالح في مارس/آذار 2019، الذي تحدث عن أن الشركة المحلية "أرامكو" ستعمل على التنقيب خلال العامين المقبلين. وفي الشهر ذاته، أعلنت وزارة البترول المصرية من خلال شركة "جنوب الوادي" الحكومية عن طرح مزايدة عالمية للبحث والتنقيب والاستغلال في 10 قطاعات بالبحر الأحمر وانتهت قبل أيام مدة تلقي العروض.

ووفقاً للشق المالي من "صفقة القرن" الأميركية، والذي انفردت "العربي الجديد" بنشر تفاصيله عشية ورشة المنامة التي عقدت يومي 25 و26 يونيو/حزيران 2019، فإن دول الخليج العربي، وبالأخص السعودية والإمارات، ستموّل أكثر من 50 في المائة من المبالغ المخصصة لمصر وقيمتها 9.167 مليارات دولار، في شكل قروض. وتفرد الصفقة أولوية واضحة لمشاريع ربط الطاقة والاستثمار فيها بين مصر والاحتلال الإسرائيلي والدولة الفلسطينية لتوفير فرص العمل للفلسطينيين والمصريين وزيادة العوائد المالية على القاهرة. ومن المقرر أن يتم تخصيص مليار و500 مليون دولار لدعم الجهود المصرية المشتركة مع الإسرائيليين لإنشاء مركز إقليمي كبير للغاز الطبيعي في مصر، وتوظيف الإنتاج الكبير من الحقول المصرية وتحسين جودة شبكات نقل الغاز والغاز المسال، وذلك على مدار 5 سنوات، وتخصيص 5 مليارات دولار كاملة لدعم البنية التحتية للدولة المصرية بصفة عامة، نصفها في صورة قروض على مدار 10 سنوات، وتخصيص نصف مليار دولار لدعم الجهود المصرية لإنشاء وتطوير المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وزيادة المشاريع والمصانع والمناطق اللوجستية فيها، مع تخصيص نسبة من العمالة المؤقتة والدائمة فيها للفلسطينيين.

المساهمون