اتهامات جزائرية لماكرون باستغلال ملف "الحركى" لدوافع انتخابية

اتهامات جزائرية لماكرون باستغلال ملف "الحركى" لدوافع انتخابية

20 سبتمبر 2021
توظيف سياسي لملف الذاكرة مع الجزائر (Getty)
+ الخط -

تنظر أوساط سياسية في الجزائر بريبة إلى الخطوة التي أقدم عليها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الاثنين، بتكريمه لـ"الحركى" (العملاء المتعاونون مع الاستعمار الفرنسي خلال ثورة الجزائر)، وتعتبر الخطوة ضمن مسعى لاستغلال ملف الذاكرة لأغراض انتخابية في الاستحقاق الرئاسي المقبل في فرنسا.

وقال عضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الجزائري، النائب عبد الوهاب يعقوبي، إن إقدام الرئيس ماكرون على تكريم "الحركى" في هذا التوقيت السياسي مرتبط بدوافع انتخابية بحتة، وقال "من الواضح أن ماكرون يشعر بوجود منافسه قوية ضده في الانتخابات الرئاسية التي باتت قريبة، خاصة من فاليري بيكراس، ولذلك يستخدم أوراق الحركى لاسترضاء جزء من اليمين الفرنسي والمتشددين من الأقدام السوداء الذين يحنون إلى الزمن الاستعماري، ومن جهة ثانية استمالة النخب ووسائل الإعلام اليمينية التي تدافع عن الطروحات نفسها"، وأضاف أنها "ليست المرة الأولى التي يحاول فيها المسؤولون في فرنسا معالجة مشكلاتهم السياسية والانتخابية على حساب الجزائر".

يستخدم ماكرون أوراق الحركى لاسترضاء جزء من اليمين الفرنسي والمتشددين من الأقدام السوداء الذين يحنون إلى الزمن الاستعماري

وكان عضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الجزائري يعلق على طلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الاثنين، الصفح والاعتذار من "الحركى"، معلنا، في خطاب ألقاه اليوم بقصر الإليزيه أمام مئات من الحركى، عن مشروع قانون لتعويضهم، وقال إن "الجمهورية الفرنسية لديها دين إزاء الحركى الذين خدمو فرنسا في حرب الجزائر".

وأضاف يعقوبي أن "الحركى في النهاية قضية فرنسية فرنسية، وهم مكون من مكونات المجتمع  الفرنسي، ولديهم وزارة في الحكومة الفرنسية، ووضعهم لا يهم الجزائر. هؤلاء حسموا موقفهم لصالح فرنسا وأصبحوا فرنسيين، وبالتالي الجزائر لم تعد معنية بهم بشكل أو بآخر، مع أن السلوك الفرنسي الرسمي إزاء الحركى يثير في الوقت نفسه المشاعر والحساسية في الجزائر، ويعقد أي معالجة موضوعية لملف الذاكرة "، مشيرا إلى أن "قطاعا واسعا من الفرنسيين لا يفهم طبيعة قضية الحركى. عندما يعرف الفرنسيون أن معانى كلمة حركى هي متعاون وخائن لبلده ستصبح للقضية تفسيرات سياسية أخرى، لأن الفرنسيين لن يقبلوا مثلا أن يؤسس الفرنسيون المتعاونون مع ألمانيا النازية جمعية في فرنسا".

 

وفي السياق نفسه، يذهب أستاذ التاريخ في جامعة خميس مليانة، غربي الجزائر، إلى أن "التوقيت السياسي بالنسبة للرئيس الفرنسي يجعله لا يبدي الكثير من الاهتمام لرد فعل الحكومة الجزائرية على الخطوات التي يتخذها بشأن القضايا المرتبطة إجمالا بملف الذاكرة، حتى وإن كنا نسمع منه أحيانا ما يمكن أن نصفها بالمجاملات السياسية والعبارات المدروسة عن علاقة التعاون مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لمعالجة ملف الذاكرة، لكن ما يهمه بشكل أساسي هو الرأي العام الفرنسي، خصوصا في هذه المرحلة التي يعمل فيها على تقوية حظوظه في الانتخابات الرئاسية القادمة"، خاصة بعد الخسارة الكبيرة التي مني بها حزبه في الانتخابات البلدية الأخيرة.

ولم يصدر أي موقف رسمي حتى الآن من طرف الحكومة الجزائرية إزاء الخطوة الفرنسية التي تأتي في سياق تكريس فرنسا للاحتفال باليوم الوطني لتكريم "الحركى" (يتم الاحتفال به في الـ25 من سبتمبر/أيلول من كل عام، منذ إقراره عام 2003)، لكن يتوقع أن تصدر لاحقا مواقف منددة من قبل المنظمات الثورية في الجزائر، إذ بعد ستة عقود من الاستقلال، ما زال ملف "الحركى" أحد التابوهات السياسية الحساسة في العلاقة بين الجزائر وفرنسا، خاصة في السنوات الأخيرة التي بادرت فيها الحكومة الفرنسية إلى إقامة نصب تذكاري وتكريم "الحركى" الذين خدموا مع الجيش الفرنسي، ما أثار حساسية بالغة لدى السلطات والنخب السياسية والمدنية في الجزائر، وخاصة أن باريس تدرج مطلب تسامح الجزائر مع "الحركى" وأبنائهم والسماح لهم بالدخول إلى البلاد لزيارة أهاليهم وقراهم، ضمن مطالبها في سياق المعالجات السياسية القائمة لملف الذاكرة.

وضَمّن المؤرخ الفرنسي بن يامين ستورا ملف "الحركى" في تقرير أعده حول تصور سياسي لكيفيات معالجة مختلف ملفات الذاكرة والعلاقات الجزائرية الفرنسية، قدمه قبل أشهر إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، طالب فيه بإضفاء معالجة إنسانية لملف "الحركى". لكن السلطات الجزائرية عبرت عن رفضها لمضمونه واعتبرته تقريرا يتجاوز الوقائع التاريخية ويسمح لفرنسا بالتنصل من مسؤولياتها التاريخية.

المساهمون