استمع إلى الملخص
- التحديات والفرص للفصائل الفلسطينية: الاتفاق يوفر فرصة للفصائل الفلسطينية لإعادة ترتيب أوضاعها الداخلية، مع استمرار المقاومة في الحفاظ على ورقة الأسرى. الاتفاق يعكس فشل الاحتلال في تحقيق أهدافه، مما يعزز موقف المقاومة.
- التداعيات على المستوى الإسرائيلي والدولي: الاتفاق يواجه انتقادات داخلية في إسرائيل، خاصة من أحزاب اليمين. الإدارة الأميركية الجديدة قد تحد من قدرة نتنياهو على المناورة، مما قد يؤدي إلى تصدعات في المشهد السياسي الإسرائيلي وتأثيرات على مكانة إسرائيل عالمياً.
نجح الوسطاء القطريون والمصريون في الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بعد قرابة 16 شهراً من حرب الإبادة الإسرائيلية التي طاولت شتى القطاعات ومناحي الحياة، وبعد مماطلة متكررة من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. ورغم الإعلان عن الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة إلا أن الكثير من العوامل المحيطة ما تزال تشكك في إمكانية التنفيذ الكامل له، في ظل عدم ثقة الفلسطينيين بالاحتلال الإسرائيلي والخشية من عودة شبح الحرب. وشهدت بنود الاتفاق تعهدات واضحة من قبل الوسطاء بعدم عودة الاحتلال الإسرائيلي للحرب من جديد، لا سيما الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الذي يستعد لدخول البيت الأبيض، الاثنين المقبل، والذي قاد حراكاً سريعاً لوقف الحرب قبل وصوله للحكم. فلسطينياً، بحثت الفصائل، تحديداً حركة حماس، منذ بداية الحرب عن بضعة أهداف تتمثل في وقف الحرب والانسحاب الإسرائيلي الكامل وفتح المعابر وتحرير الأسرى والتعهد بعدم العودة للحرب وإعادة الإعمار، وهو ما تحقق لها كما قال خليل الحية في كلمته بعد الوصول إلى اتفاق. أما إسرائيلياً، فوضع الاحتلال سلسلة من الأهداف التي كان بعضها معلناً وواضحاً مثل إسقاط حكم حركة حماس والقضاء على كتائبها العسكرية وفرض واقع جديد للحكم في القطاع، إلا أن إنجاز هذا الاتفاق يعكس فشلاً إسرائيلياً في تحقيق هذه الأهداف والنجاح في عملية التدمير والقتل والإبادة وتحويل القطاع إلى منطقة غير قابلة للعيش.
محمد الأخرس: نتنياهو غير قادر على أن يفرض رؤية سياسية في التعاطي مع واقع القطاع
اتفاق وقف إطلاق النار في غزة
وتبدو بوادر الخلاف الإسرائيلي واضحة من خلال الهجوم المسبق الذي شنّه وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة ووصفه بأنه صفقة "استسلام وخنوع" لحركة حماس، ودعوته وزير المالية المتطرف بتسئليل سموتريتش لعرقلة الاتفاق والتلويح الواضح من الأخير بإسقاط الحكومة في حال لم يجرِ القضاء على "حماس" وإسقاط حكمها بعد المرحلة الأولى من الاتفاق. وتشكل بنود اتفاق وقف إطلاق النار في غزة الحالية فرصة بالنسبة للفصائل الفلسطينية لإعادة ترتيب أوضاعها الداخلية، لا سيما على المستوى السياسي وإيجاد صيغة توافقية لإدارة شؤون القطاع، في ظل رفض السلطة تشكيل لجنة مشتركة تتولى هذه المسؤولية، إلى جانب مسؤولية إعادة الإعمار وإزالة الركام وفتح المعابر الحدودية والإشراف عليها وتوزيع المساعدات بعد تدفقها. وتبدو المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حساسة للغاية بالنسبة لجميع الأطراف نظراً لعدم وجود ثقة متبادلة والاعتماد الأساسي على الوسطاء في عملية الرقابة والإشراف على التنفيذ طوال فترة عملية التبادل، التي ستتواصل على مدار مراحل الاتفاق الأولى والثانية والثالثة.
في الأثناء، اعتبر الباحث في الشأن السياسي محمد الأخرس، أن بنود اتفاق وقف إطلاق النار في غزة تشبه بدرجة كبيرة ما جرى التوافق عليه في يوليو/تموز الماضي، كما أن المقاومة تمكنت من تحسين بعض البنود لصالح تعزيز الربط بين المراحل من خلال دور أكبر للوسطاء في هذا الجانب، وتعهد علني ورسمي منهم بضمان استمرارية الهدوء طالما استمرت المفاوضات. وأوضح الأخرس في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن المقاومة حافظت على ورقة الأسرى بيدها، وبقي أكثر من 60 أسيراً لدى المقاومة للتفاوض بشأنهم، إلى جانب أن الصفقة بصيغتها الحالية تخلق واقعاً جديداً داخل القطاع، عبر ضمان انتقال السكان من الجنوب إلى الشمال وهو الأمر الذي يُفشل هدف اليمين المركزي داخل شمال القطاع، ويجعل استمرارية الحرب بلا طائل، سياسياً بالنسبة لهم.
وأشار الأخرس إلى أن النقطة المركزية في الوصول لهذه المرحلة من التفاوض، هي أن الحرب باتت عبثية بالمعنى السياسي والعسكري، فنتنياهو غير قادر على أن يفرض رؤية سياسية في التعاطي مع واقع القطاع، بعد فشل كل الخطط التي جرى الترويج لها من قبيل الفقاعات الإنسانية وخطة الجنرالات. أما على المستوى العسكري، فرأى الأخرس أن الحرب تحولت لاستنزاف لا يستطيع الجيش فيه الحسم، لذلك لم تعد الأطراف الدولية الداعمة للاحتلال قادرة على شرعنة حرب لا تُحقق أهدافها، كما أن الجمهور الإسرائيلي بأغلبيته لم يعد مقتنعاً بسردية النصر المطلق التي يقدّمها نتنياهو ويطالب بوقف الحرب مقابل استعادة الأسرى.
اليوم التالي للحرب
وبشأن شكل اليوم التالي للحرب وطبيعة الإدارة للقطاع، لفت الأخرس إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة يعكس عدم وجود رؤية بديلة للتعامل مع واقع القطاع الإداري والحكومي، لذلك ستواصل المقاومة تدبير أمور الشأن العامة، إلى حين انتهاء التشاور الوطني والإقليمي بشأن لجنة الإسناد المجتمعي التي لا تزال تواجه معارضة من قيادة السلطة الفلسطينية في رام الله. وبحسب البنود المعلنة للاتفاق فإن المرحلة الأولى له ستستمر قرابة 42 يوماً سيتم توزيع عملية تسليم الأسرى الإسرائيليين فيها على مدار هذه الأيام، في المقابل سيشهد القطاع عودة متدرجة للنازحين وتدفقا كبيرا للمساعدات الإنسانية والإغاثية. إلى ذلك، رأى مدير مركز رؤية للتنمية السياسية أحمد عطاونة، أن المقاومة نجحت في تحقيق أهداف عدة عبر هذا اتفاق وقف إطلاق النار في غزة في مقابل نتنياهو وحكومته المتطرفة، وتحديداً الأهداف الأساسية التي وضعها في بداية الحرب. وأضاف عطاونة في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن الاتفاق يحرم (نظرياً إلى حين تنفيذ بنوده) الاحتلال من تهجير الشعب الفلسطيني والذي كان هدفاً إستراتيجياً لهذه المعركة، ولم يتم القضاء على حركة حماس، بالإضافة للفشل في تحرير الأسرى الإسرائيليين بالقوة وجعلته يدفع ثمناً عبر الصفقة. ولفت إلى أن المقاومة أعادت التأكيد على مسارها، وأن الحل الوحيد للمواجهة هو الصمود، بالإضافة إلى إفشال خطط نتنياهو المتعلقة برسم الشرق الأوسط الجديد في المنطقة.
أحمد عطاونة: المقاومة خاضت المعركة منفردة من دون إسناد باستثناء جبهتي لبنان واليمن
وأبدى اعتقاده أن الاتفاق (في حال تم تنفيذه بالفعل) سيمنح المقاومة إنجازات كبيرة لصالحها وتراجعات كبيرة مماثلة للاحتلال الإسرائيلي، سيكون لها صداها على المستوى الداخلي الإسرائيلي خلال الفترة المقبلة التي ستلي عملية التنفيذ للاتفاق. ورأى عطاونة أن المقاومة خاضت المعركة منفردة من دون إسناد حقيقي وفاعل باستثناء الإسناد من جبهتي لبنان واليمن، وهو ما شكل تحدياً كبيراً للمقاومة التي لا تمتلك خطوط إسناد ودعماً عسكرياً كبيراً عند مقارنته مع الدعم الأميركي للاحتلال. ووفقاً لعطاونة فإن الاتفاق الحالي ووقف الحرب سيمنح قوى المقاومة الفلسطينية حضوراً أكبر في القرار الفلسطيني الداخلي، على حساب القوى الفلسطينية الأخرى وتحديداً السلطة الفلسطينية وقيادتها. وبحسب بنود الاتفاق فإن الأطراف ستبدأ عملية التفاوض حول شكل المرحلتين الثانية والثالثة من بداية الأسبوع الثالث للاتفاق، برعاية الوسطاء القطريين والأميركيين والمصريين من أجل تنفيذ جميع مراحل الاتفاق وتحقيق جميع بنوده.
التداعيات على المستوى الإسرائيلي
من جانبه، أبدى المختص في الشأن الإسرائيلي سليمان بشارات اعتقاده أن عوامل الخطر في الاتفاق محصورة في حالة تنفيذ الاحتلال الإسرائيلي ما تلزمه البنود بتنفيذه، لكن في ظل وجود الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة ترامب فإن هامش المناورة من قبل نتنياهو قد يكون ضيقا للغاية. وعزا بشارات أسباب ذلك في حديثٍ لـ"العربي الجديد" إلى أن ترامب سيشرع بسلسلة من الخطوات التي سيقوم بها والمتعلقة بمستقبل القطاع والقضية الفلسطينية، بالإضافة إلى أن المراحل المتبقية من الاتفاق لن تسمح باستثناء من تبقّى من الأسرى الإسرائيليين في يد المقاومة. وقال إن الحالة الإنسانية الموجودة في القطاع ستفرض نفسها في المشهد الإقليمي والدولي ولن يكون لإسرائيل القدرة على الذهاب مرة أخرى نحو الحرب، مع إمكانية وجود بعض الخروقات له في محاولة تسجيل بعض النقاط من قبل نتنياهو. ووفقاً لبشارات فإن هذا الاتفاق يمكن أن يعطي الإدارة الأميركية الجديدة مساحة أكبر للتحرك لمحاولة منع الكثير من القضايا المرفوعة ضد قادة الاحتلال الإسرائيلي والتحرك في هذا المجال من خلال الاتفاق المبرم.
ولم يستبعد بشارات أن تظهر الكثير من الخلافات والنقاشات على المستوى الداخلي الإسرائيلي لا سيما ما هو متعلق بأحزاب اليمين الإسرائيلي التي تتزعم هذه الحكومة، وهو ما ظهر من خلال الساعات الأولى للإعلان عن الاتفاق. ونبّه إلى أن الاتهامات وجهت لنتنياهو بأن بنود الاتفاق موجودة منذ شهر مايو/أيار الماضي، واتضح أن نتنياهو هو المعطل لها وذهب للاستمرارية في الحرب من دون أن يكون هناك مسؤولية واضحة في تبعاتها، وهو ما سيخلق مزيداً من الخلافات الإسرائيلية الداخلية. وأبدى توقعه في ظهور اتهامات متصاعدة من الأحزاب اليمينية تجاه الجيش وتحميله مسؤولية كل الإخفاقات التي جرت منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وعدم قدرته على حسم الحرب، وهو ما سيدفع بمؤسسة الجيش للدفاع عن نفسها وفضح الكثير من القرارات السياسية التي لم تعلن. وأكد بشارات أن المشهد يسير باتجاه مستقبل إسرائيلي يكتنفه الكثير من الخلافات والنقاشات، وهو ما سيحدث تصدعاً في المشهد السياسي الداخلي الإسرائيلي، وسيُقرأ على المدى الاستراتيجي في مكانة إسرائيل على المستوى العالمي.