اتفاق دمشق و"قسد" يتأرجح بين رؤيتين مختلفتين

05 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 04:12 (توقيت القدس)
قوات من "قسد"، حلب، 9 إبريل 2025 (محمد دبول/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- اتفاق العاشر من مارس بين الحكومة السورية و"قوات سوريا الديمقراطية" يهدف إلى دمج المؤسسات في شمال شرق سوريا، لكن تفسيرات الأطراف المختلفة تعرقل التنفيذ، حيث ترى دمشق الدمج كإلحاق "قسد" بالجيش السوري، بينما يراه الأكراد كتوحيد للإدارتين.
- تركيا تدعو "قسد" للاندماج في الجيش السوري، معتبرة أن عدم التزامها يهدد وحدة سوريا وأمنها القومي، وتربط بين "قسد" وحزب العمال الكردستاني، مهددة بعمليات عسكرية.
- تفسيرات الدمج تختلف؛ الحكومة السورية تراه كإلحاق، بينما يراه الأكراد كتوحيد للأهداف مع الحفاظ على خصوصية "قسد"، مع دعوات لدستور جديد يؤسس لدولة اتحادية تشاركية.

يتأرجح اتفاق العاشر من مارس/آذار الماضي بين الحكومة السورية، و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) والذي شكل بارقة أمل بحل الملف الكردي سلماً، ما بين فهمين لمضامينه، ما يعرقل تنفيذه على أرض الواقع، ويدفع نحو تأزيم للعلاقة ما بين دمشق و"قسد". ولا يزال الاتفاق القاضي بدمج المؤسسات المدنية والعسكرية شمال شرقي سورية ضمن إدارة الدولة، والذي وقعه الرئيس السوري أحمد الشرع

وقائد "قسد" مظلوم عبدي في العاشر من مارس، ووُصف حينها بـ"التاريخي"، محل جدل وأخذ ورد ما دمشق و"قسد". ويرى الجانب الكردي أن الاتفاق لا يعني "الاستسلام"، فقد قالت الرئيسة المشتركة للوفد الكردي المفاوض مع دمشق، فوزة اليوسف، في تصريحات صحافية قبل أيام، إن الدمج يعني دمج الإدارتين وليس الاستسلام. وذهبت إلى القول إنه ليس في سورية حالياً "حكومة وجيش نظامي"، مطالبة بأن تكون "قسد"، "شريكة حقيقية في مستقبل سورية الديمقراطية".

وكان الاتفاق بين دمشق و"قسد" والذي شكل بارقة أمل لدى السوريين بحل ملف "قوات سوريا الديمقراطية" المرتبط بالملف الكردي سلماً وتجنّب دورة عنف إضافية، على أسس عرقية، نصّ على "دمج جميع المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سورية ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز". وخاض الطرفان بالفعل جولات تفاوض في مدينتي دمشق والحسكة من أجل تطبيق مضامين الاتفاق، إلا أنهما لم يحققا أي اختراق مهم حتى اللحظة، بسبب تعقيدات أمنية وعسكرية وإدارية. ويتمسك كل جانب بفهمه للاتفاق وشروطه، فالجانب الكردي يريد الاحتفاظ بقوته العسكرية وإدارته الذاتية ويطالب بتعديل الإعلان الدستوري (وقّعه الشرع في 13 مارس الماضي)، وبوزارات ذات طابع سيادي في الحكومة، بينما تريد دمشق دمج "قسد" بشكل إفرادي في الجيش السوري وتسلّم الشمال الشرقي من سورية الغني بالثروات، مع إمكانية منح المناطق التي يشكل الأكراد غالبية سكانها لامركزية إدارية. ويوماً بعد يوم تتسع هوة الخلاف الذي يكاد يصل إلى حد التضاد، ما ينذر بصدام عسكري تحدد نتائجه مستقبل منطقتي الجزيرة والفرات التي تسيطر عليهما "قسد" منذ العام 2017.

موقف أنقرة

وبموازاة الجدل بين دمشق و"قسد" بشأن الاتفاق، برزت أمس الخميس، دعوة تركية لالتزام "قسد" بالاندماج في الجيش السوري. فقد اعتبرت وزارة الدفاع التركية، أن عدم التزام "قوات سوريا الديمقراطية" بتعهداتها بإلقاء السلاح والاندماج بالدولة السورية يهدد وحدة سورية وتكاملها وأمنها القومي. وقالت مصادر وزارة الدفاع التركية لوسائل الإعلام تعليقاً على التطورات في سورية، إن "عدم التزام قسد بالتعهدات التي قدمتها يهدد أمن سورية"، مضيفة أن "موقف أنقرة واضح بهذا الصدد، ولن تسمح بتخريب هذه المرحلة بتصرفاتها (قسد)". وأكدت أن "تركيا ستعمل بالتعاون مع الحكومة السورية بحزم في مكافحة الإرهاب، مشددة على ضرورة اندماج قوات سوريا الديمقراطية بالجيش السوري، والابتعاد عن أي أفعال تؤدي إلى الإضرار بوحدة سورية السياسية ووحدة أراضيها. ولفتت إلى أن "أنقرة ستواصل مراقبة هذه المرحلة، وعند الضرورة ستبذل كل جهد من أجل أمنها وأمن سورية وتقدم كل الدعم المطلوب". وتعتبر السلطات التركية أن عملية اندماج "قسد" بالجيش السوري مرحلة من مراحل "تركيا خالية من الإرهاب" التي تشمل حل حزب العمال الكردستاني نفسه وإلقاء سلاحه. وتربط تركيا بين "العمال الكردستاني" و"وحدات الحماية الكردية" عصب قوات "قسد"، وتهدد بين الفترة والأخرى بعمليات عسكرية في حال عدم تطبيق اتفاق 10 مارس.

رؤية الحكومة

وحول مفهوم الحكومة السورية للدمج الذي نص عليه اتفاق دمشق و"قسد" مارس الماضي، قال الباحث السياسي مؤيد غزلان، لـ"العربي الجديد"، إن الدمج "يعني إتباع أو إلحاق في اللغة العربية"، مشيراً إلى أن "قسد استغلت عمومية الكلمة وفسرتها وفقاً لمصالحها السياسية". وأضاف أن "الدمج بالنسبة لقسد توحيد الجبهتين بشكل متكافئ، لكن هذا لا يدخل في معنى الدمج"، موضحاً أن "المقصود التحاق هذه القوات بوزارة الدفاع شأنها شأن الفصائل الأخرى".

مؤيد غزلان: إصرار "قسد" على اللامركزية الإدارية يعني قيام دولة داخل دولة

وفي رأيه فإن إصرار "قسد" على الحفاظ على هيكليتها "يعني تكريس الفصائلية التي حققت وزارة الدفاع خطوات لإلغائها"، معتبراً أن "الدمج وفق مفهوم قسد يشكل خطراً على بنية وزارة الدفاع". وقال غزلان إن "قسد تريد البقاء كما هي تابعة للإدارة الذاتية التي تطالب باللامركزية السياسية، ما يعني قيام دولة داخل دولة"، مضيفاً أنها "تريد الاستفادة من دعم وزارة الدفاع ومن الدعم الخارجي، وتبقى مهيمنة على الشمال الشرقي من سورية". وتساءل غزلان: "كيف يمكن لدمشق الاندماج في تجربة الإدارة الذاتية التي تضع يدها على أكثر من 70% من مصادر الثروة الطاقة والزراعة في سورية، ورغم ذلك تعيش المناطق الخاضعة لسيطرتها في تخلف وفقر، حيث البنية التحتية متهالكة والجباية الضريبية قاسية والقمع واضح، إذ لا يوجد أي حزب يعارضها، والعرب مهمشون؟". وفي اعتقاده "قسد تعسكر المجتمع ولا تمدّن ولا تنمّي لأنها في قلق دائم، فكيف تندمج دمشق بتلك التجربة؟". بالمقابل أولت دمشق، وفق غزلان، "الاقتصاد أهمية كبرى"، معتبراً أن التجربتين "غير متكافئتين"، إذ تحاول دمشق "الارتقاء بمستوى المواطن والحد من العسكرة، في مقابل تجربة قسد التي تركز على العسكرة وتهمل الاقتصاد وحقوق المواطنين". وقال: "لا تسميات إلا الوطن، ولا قوميات إلا سورية، مع احترام الحقوق اللغوية والانتمائية والعرقية للمكون الكردي الذي سيكفل الدستور حقه".

تقارير عربية
التحديثات الحية

مقاربة مختلفة لاتفاق دمشق و"قسد"

أما في تفسير آخر للدمج الذي ينص عليه اتفاق دمشق و"قسد" فشرح سيهانوك ديبو، ممثل "الإدارة الذاتية" لشمال شرقي سورية إلى بلدان الخليج العربي، مفهوم الدمج لدى الجانب الكردي، قائلاً إنه "إنهاء حالة التشتت في المؤسسات"، وأن يكون "الأداء على الوتيرة نفسها"، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الدمج يعني توحيد الأهداف والغايات والاستراتيجيات". وساق ديبو مثالاً من خلال ملف التربية والتعليم، مشيراً إلى أن الغاية من الدمج في هذا الملف هي الوصول إلى "حالة تعليمية واحدة لا تخالف التنوع السوري وتنهي حالة التشتت والتفرقة". وأكد ديبو أن "مقاربة الإدارة الذاتية للتاريخ والاجتماع والسياسة والاقتصاد تختلف عن المقاربة خارج مناطق الإدارة"، مضيفاً أن "مفهوم الدمج في المؤسسات يعني التكامل ومراعاة الخصوصية".

سيهانوك ديبو: الأسباب والدوافع التي أدت إلى تأسيس "قسد" ما زالت موجودة

وبيّن أن هذا المفهوم ينسحب أيضاً على "قسد"، مشيراً إلى أنها "يجب أن تكون جزءاً من مؤسسة الجيش الوطني السوري". ولكن في رأيه "يجب ألا تتدخل مؤسسة الجيش في شؤون السياسة وأن تكون حيادية مع كل مكونات سورية ويقتصر عملها على حماية وحدة البلاد وسلامة ترابها، وإلا ستتحول إلى نمطية تسقط نفسها بنفسها". ديبو اعتبر أن "الأسباب والدوافع التي أدت إلى تأسيس هذه القوات (قسد) منذ عشر سنوات في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول 2015، ما زالت موجودة، فيما المخاوف والتحديات تتفاقم"، داعياً إلى "التوقف عند مقترح تحويل قوات قسد إلى فيلق - له خصوصيته- في الجيش السوري بحيث تتحول مجالسه العسكرية إلى فرق"، باعتباره "مدخلاً جيداً يعوّل عليه". وأكد ان الإدارة الذاتية "ترفض مبدأ وجود جيشين في بلد واحد"، داعياً إلى أن تكون عملية الدمج "متدرجة"، ومشيراً إلى أنه "نحتاج إلى وقت لتثبيت الحكم الرشيد". وشدد على رفض الإدارة للنظام المركزي الذي تدعو اليه دمشق، واستبداله بدولة واحدة وإدارات ذاتية لا مركزية.

رزكار قاسم: علينا التوجه نحو دستور جديد للتخلص من ضبابية المصطلحات

إلى ذلك رأى رزكار قاسم، ممثل "مجلس سوريا الديمقراطي" (الجناح السياسي لقسد) في ألمانيا، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الدمج "يعني الاتحاد لتشكيل كيان جديد موحد في المجال العسكري والمؤسسي والإداري وتشكيل جيش بقيادة تشاركية". وفي رأيه "لا يمكن فصل المسارات عن بعضها وهذا يفرض علينا التوجه نحو دستور جديد للتخلص من ضبابية المصطلحات"، مشيراً إلى ضرورة "تحويل سورية إلى دولة اتحادية شبيهة بدولة الإمارات العربية المتحدة". وذكر أن "الدمج يعني الاتحاد وليس كما تفكر الحكومة الانتقالية في دمشق التي تطالب قسد بتسليم سلاحها وحل الإدارة الذاتية"، قائلاً: "نحن مع التوجه الاتحادي التشاركي في كل الأصعدة".

المساهمون