استمع إلى الملخص
- شهدت السويداء اشتباكات عنيفة، وأعلن عن انضمام 700 عنصر من مقاتلي فصائل السويداء إلى قوات الأمن العام، مع توقعات بتشكيل لواء عسكري خاص، مع تأكيد وجهاء المحافظة على وحدة سوريا ورفض الفتن الطائفية.
- الاتفاق خطوة نحو تعزيز مؤسسات الدولة، لكنه يواجه تحديات تتعلق بتوازن القوى الداخلية، ويتطلب نجاحه إرادة سياسية مسؤولة وتحسين الوضع المعيشي للسكان.
في تطور يعتبر الأبرز منذ أشهر، أقرّ الشيخ حكمت الهجري، وهو أحد الرؤساء الروحيين الثلاثة لطائفة المسلمين الموحدين الدروز في سورية، السبت، بالتوصل إلى اتفاق يهدف إلى تخفيف التصعيد في محافظة السويداء ومناطق مجاورة، وذلك خلال اجتماع موسع ضم إضافة إليه، شيخي العقل يوسف جربوع وحمود الحناوي، والأميرين حسن الأطرش ويحيى عامر، وممثلين عن فصائل عسكرية وشخصيات مجتمعية.
وبحسب بيان لمشيخة العقل، تضمنت بنود الاتفاق تأكيد ما أُعلن الخميس الماضي، بشأن تفعيل قوى الأمن الداخلي (الشرطة) من أفراد سلك الأمن الداخلي سابقاً، وتفعيل الضابطة العدلية من كوادر أبناء محافظة السويداء حصراً، وبشكل فوري. كذلك نص على "بسط الأمن والأمان على الأراضي السورية كافة"، وأن تأمين طريق دمشق – السويداء "تحت مسؤولية السلطة".
ونفى البيان دخول الأمن العام التابع للحكومة السورية إلى السويداء، موضحاً أنّ تفعيل الضابطة العدلية مقتصر على أبناء محافظة السويداء فقط، بالتنسيق مع مشايخ العقل الثلاثة، ومحافظ السويداء، ووزارة الداخلية. كذلك نفى طرح موضوع تسليم السلاح للحكومة، قائلاً: "سلاحنا كرامتنا". ودعا البيان أهالي السويداء إلى "أن يكونوا على قدر من المسؤولية، وأن يحكّموا لغة العقل، ويتحرّوا الدقة في النشر، ولا يطلقوا عنان الألسنة إلا في ما يجمّل الكلمة، ويزيد الصف". وجاء هذا الاتفاق على خلفية تصاعد التوترات خلال الأيام الماضية، في السويداء جنوبي سورية، ومدينتي جرمانا وصحنايا في ريف دمشق.
وكان "تلفزيون سوريا" قد أورد، الجمعة، أنّ الأمن العام وافق على انضمام 700 عنصر من مقاتلي فصائل السويداء المحلية إلى قواته التي تستعد للانتشار تحت مظلة الأمن العام في المحافظة. وأوضح أن الانتشار سيكون في مدينة السويداء ومداخل المحافظة، بينما سيشرف أحد قادة الفصائل المحلية على انتشار عناصر الأمن العام من أبناء السويداء في ظل توقعات بتشكيل لواء عسكري خاص بالسويداء يتبع لوزارة الدفاع. وجاء ذلك في أعقاب اشتباكات عنيفة شهدتها منطقة أشرفية صحنايا في ريف دمشق ليل الثلاثاء وفجر الأربعاء، بين مجموعات تابعة لوزارتي الداخلية والدفاع من جهة، ومجموعات محلية وصفتها السلطات بأنها "خارجة عن القانون" من أبناء الطائفة الدرزية، من جهة أخرى. وأوقعت الاشتباكات قتلى من الطرفين، وانتهت بسيطرة القوات الأمنية على المنطقة.
ويوم الخميس، أعلن وجهاء ومرجعيات دينية بارزة في محافظة السويداء في بيان، تمسكهم بـ"سورية الموحدة" ورفضهم المطلق أي محاولات لتقسيم الوطن أو إشعال الفتن الطائفية. وجاء البيان محملاً بإشارات تاريخية، في محاولة لتعزيز خطاب الوحدة وسط تحديات أمنية واقتصادية تعصف بالمنطقة. وعقب اجتماع موسع في مقام عين الزمان بمدينة السويداء، اتفق الشيوخ والوجهاء على تسليم السلاح بشكل كامل. وضم الاجتماع يومها كلاً من شيوخ العقل الثلاثة، الهجري، وجربوع، والحناوي، وحسن الأطرش، وعاطف هنيدي، ويحيى عامر، ووسيم عز الدين، إلى جانب قادة الفصائل المعروفة في السويداء، يحيى الحجار، وليث البلعوس، وسليمان عبد الباقي، وشكيب عزام، وغيرهم من قادة الفصائل.
من جهته، أعلن محافظ السويداء مصطفى البكور، في تصريحات لوكالة الأنباء السورية "سانا"، السبت، إجراء تعديلات طفيفة على بنود الاتفاق الأمني الذي وُقِّع، مشدداً على أنّ الاتفاق "ما زال سارياً"، مشيراً إلى توجيه الجهات العامة برفع الاحتياجات العاجلة خلال 48 ساعة، بما فيها المستلزمات الطبية والتموينية. وأوضح أن التعديلات الطفيفة على البنود جاءت استجابة لبعض الأطراف "لتسريع عودة الاستقرار"، لافتاً إلى أن الطائفة الدرزية "جزء من النسيج السوري"، في إشارة إلى رفض التدخل الخارجي، وفق بيان مشايخ العقل.
ويعتبر الناشط المدني وسيم الحسن أن أي اتفاق يضمن مشاركة أهالي الجبل في إدارة شؤونهم "خطوة صحية"، مشدداً على ضرورة "وقف التعامل الخارجي" لصالح بناء دولة سورية موحدة، ولو بشكل لامركزي. ويتقاطع هذا الرأي مع تصريحات البكور حول "مساعي الدولة المستمرة"، لكنه يختلف مع تحليل الناشط الدمشقي سامر العلي، الذي يرى في الاتفاق "ترتيباً أمنياً هشاً"، هدفه إظهار سيطرة السلطة المركزية دون ضمانات حقيقية. وأوضح العلي أن "البند المعدل حول الإعلانات الأحادية" يظهر هشاشة الأرضية المشتركة، محذراً من أن الاتفاق قد "ينهار بأي لحظة".
وتعتبر السويداء نموذجاً مصغراً للتعقيدات السورية، حيث تتداخل الهويات الطائفية مع المطالب المحلية وتأثيرات الحرب. فمن ناحية، تظهر دراسات أكاديمية أن المجتمع الدرزي تمتع تاريخياً بدرجة من الحكم الذاتي، ما يفسر إصرار النخبة المحلية على إدارة الأمن بأنفسهم. ومن ناحية أخرى، تشير منشورات ناشطين في المحافظة على منصات التواصل الاجتماعي، إلى أن سيطرة الفصائل المسلحة، وإن كانت محلية، تعكس فقدان الثقة بالسلطة المركزية، خصوصاً بعد تدهور الخدمات وانتشار الفساد.
ويفسر هذا السياق لماذا ركز الاتفاق على تفعيل أجهزة أمنية محلية، ورفع الحصار عن السويداء، وهي مطالب كانت تتقدم المشهد الاحتجاجي، لكن الخبير الأمني أحمد الزعبي، يشكك في حديث لـ"العربي الجديد"، في إمكانية تطبيق البنود، قائلاً: "السلطة المركزية تريد إظهار سيادتها، لكنها تتنازل عن أدوات التنفيذ لأطراف قد تتحول ضدها لاحقاً".
ويبقى مصير الاتفاق رهناً بتوازنات القوى الداخلية. فمن المرجح أن تستغل دمشق التوقيت لتعزيز صورتها "ضامنةً للاستقرار"، خصوصاً مع الحديث عن "ثمار العمل الدؤوب"، كما يقول المحافظ، لكن الناشط هادي منذر، يعتقد أن "الهجري يلعب ورقة الزمن لتعزيز شرعيته التقليدية مقابل القوة الميدانية ليحيى الحجار"، فيما يرى سامر العلي أن السلطة "لا تمانع برؤية الجميع بزي الأمن العام، ما دامت هي القائد".
من جهته، يرى الإعلامي السوري منار عبد الرازق أن اتفاق السويداء يمثل "نافذة انفتاح مطلوبة" بين دمشق والمحافظة، في وقت يتطلع فيه السوريون إلى كسر حلقة الأزمات التي أنهكت البلاد. ويشير إلى أن أهمية الاتفاق لا تكمن فقط في بنوده العملية، بل في رمزيته بكونه خطوة نحو استعادة الثقة، وتعزيز مؤسسات الدولة باعتبارها مرجعية جامعة، عبر نبذ العنف وتغليب الحوار. ويؤكد أن الخروج من النفق الدامي يتطلب "إرادة سياسية مسؤولة" لتجنب إعادة إنتاج تشنجات الماضي، معتبراً أن "الاحتكام للجيش والقانون هو الضامن الوحيد لأي حل مستدام، عبر نزع السلاح غير النظامي، وإطلاق حوار وطني يعيد تعريف دور السلاح وحدوده".
ويشدّد عبد الرازق على أن استقرار سورية لن يكتمل دون "إدانة واضحة للتدخلات الخارجية"، ووقف لاستقطاب السيادة بين الفواعل الداخلية والخارجية. ويدعو إلى ادارة الخلافات عبر الأطر المؤسسية، سبيلاً وحيداً لطي صفحة الفوضى، معرباً عن أمله في ألا ينضم الاتفاق إلى قائمة "الاتفاقيات الورقية"، بل أن يترجم إلى فعل يعيد اللحمة للمجتمع.
ويعبر كثير من أهل السويداء عن أملهم بتحسين الوضع المعيشي أولاً، بينما يخشى آخرون من أن تكون البنود مجرد حبر على ورق، كما حدث في اتفاقات سابقة. ويقول مدرس من السويداء، فضل عدم ذكر اسمه: "نتائج الاتفاق تقاس بكمية الخبز في الأفران، لا بتصريحات المسؤولين". ويبدو أن اتفاق السويداء يحمل في طياته فرصة لإخماد نار التوتر، لكن شروط نجاحه تبقى معلقة على قدرة الأطراف على تجاوز مكاسبهم الضيقة، وهو تحد يعيد إنتاج إشكاليات الحرب السورية بأكملها.