اتفاق التهدئة في منبج يقطع الطريق على عودة النظام السوري

اتفاق التهدئة في منبج يقطع الطريق على عودة النظام السوري

03 يونيو 2021
تمددت الاحتجاجات ضد "قسد" إلى خارج منبج (الأناضول)
+ الخط -

خرج وجهاء العشائر في منطقة منبج في ريف حلب الشمالي الشرقي في سورية، وممثلون عن "الإدارة الذاتية" ذات الطابع الكردي التي تدير المنطقة، باتفاق، أمس الأربعاء، من المتوقع أن ينزع فتيل أزمة عصفت بالمدينة في الأيام الماضية، على خلفية حملة التجنيد الإجباري التي قامت بها "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، وما رافقها من قمع وسقوط قتلى وجرحى. وأدت الأحداث إلى محاولة النظام السوري العودة مجدداً إلى هذه المدينة الاستراتيجية. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، أمس، أن الاتفاق ينص على إيقاف العمل بحملة التجنيد في منبج وريفها وإحالتها للدراسة والنقاش، وإطلاق سراح كافة المعتقلين في الأحداث الأخيرة، وتشكيل لجنة للتحقيق بالحيثيات التي تم فيها إطلاق النار وأدت إلى مقتل سبعة محتجين ومحاسبة كل من كان متورطاً بذلك. ومن الواضح أن "الإدارة الذاتية" رضخت لمطالب أهالي مدينة منبج لتطويق الاضطرابات، التي سارع عقبها النظام وروسيا للتحرك في محاولة يبدو أنها لم تنجح لإقناع "قسد" بتسليم المنطقة للنظام.


"الإدارة الذاتية" رضخت لمطالب أهالي مدينة منبج

 

ويظهر أن هذه المساعي سرّعت إبرام الاتفاق بين وجهاء منبج و"الإدارة الذاتية"، حيث يسود المدينة رفض لأي محاولة يمكن أن تؤدي إلى عودة النظام وأجهزته الأمنية إليها. وكانت التظاهرات والاحتجاجات قد اندلعت في منبج ومحيطها يوم الإثنين الماضي، بسبب الأوضاع المعيشية المتردية في المنطقة، ولكن سياسة التجنيد الإجباري أو ما تسمّيه "قسد" بـ"واجب الدفاع الذاتي"، كانت الشرارة الأولى للاحتجاجات. ووفق مصادر محلية، قُتل سبعة متظاهرين بالرصاص من قبل عناصر الأمن الداخلي (الأسايش) التابعة لـ"الإدارة الذاتية"، يومي الإثنين والثلاثاء الماضيين، مؤكدة أن هناك مفقودين. وتشير إلى أن منبج "باتت مقطّعة الأوصال"، موضحة أن 700 ألف شخص في مدينة منبج وريفها "يرفضون بالمطلق عودة قوات النظام إلى المنطقة"، قبل أن تضيف "لكننا نصرّ على نيل مطالبنا التي خرجنا بتظاهرات من أجلها، وأبرزها إلغاء التجنيد الإجباري وتحسين الظروف المعيشية الصعبة التي نمرّ بها". بدورها، تشير مصادر مطلعة، تحدثت لـ"العربي الجديد"، إلى أن النظام السوري وبدعم من الجانب الروسي "يريد مربعاً أمنياً داخل مدينة منبج، على شاكلة المربعين الأمنيين في مدينتي القامشلي والحسكة، شمال شرقي سورية، في خطوة واسعة للاستحواذ على منبج". أما الكاتب قحطان الشرقي، وهو من أبناء منبج، فيطالب في حديث لـ"العربي الجديد"، بـ"تدخل من قبل الولايات المتحدة وتركيا في ملف منبج لحماية الأهالي"، داعياً إلى تطبيق ما تم التوصل إليه من تفاهمات بين أنقرة وواشنطن في عام 2018 حول منبج. وأبرم الأتراك والأميركيون اتفاقات عدة خلال عام 2018 حول منبج، تضمنت بنوداً تنصّ على انسحاب "قسد" من المدينة، إلا أن ذلك لم يجد طريقه إلى التنفيذ بسبب التعقيدات الموجودة على الأرض. وحاولت الفصائل المعارضة المدعومة من الجانب التركي، والمتمركزة على الحدود الشمالية لمنطقة منبج، التقدم جنوباً خلال عامي 2018 و2019، لكن القوات الأميركية الموجودة في محيط منبج حالت دون ذلك. وتشير المعطيات إلى أن "قسد" لا تنوي تسليم منبج لأي طرف، سواء للنظام أو للروس أو فصائل المعارضة السورية، لأنها ستقفد الصلة تماماً مع مناطق تسيطر عليها في ريف حلب، أبرزها مدينة تل رفعت، التي تضمّ آلافاً من النازحين الأكراد من منطقة عفرين، منذ بدايات عام 2018. كما أن الانسحاب من منبج سيُغري أهالي مناطق أخرى ذات غالبية عربية من السكان للمطالبة بانسحاب "قسد"، وهو ما يؤثر على نفوذ هذه القوات في مشهد الصراع على سورية. مع العلم أنه سبق لـ"قسد" أن قاومت ضغوطاً تركية وروسية، أواخر العام الماضي، لتسليم بلدة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي إلى قوات النظام أو لفصائل المعارضة. وتبعد منبج، التي تسيطر عليها قوات "قسد" منذ منتصف عام 2016، عن مدينة حلب نحو 90 كيلومتراً، وعن الحدود السورية التركية نحو 35 كيلومتراً، ويشكل العرب غالبية سكانها، مع وجود سكاني محدود من الأكراد والتركمان والشركس في المدينة وريفها. في سياق متصل، لا يزال "مجلس منبج العسكري" يحاول التنصل من مسؤولية الأحداث التي عصفت بالمدينة، ويظهر ذلك من خلال قول القيادي في المجلس شرفان درويش، في تسجيل مرئي، إن "هناك من يحاول إدخال المنطقة في حالة فوضى"، مشيراً إلى أن سياسة التجنيد مطبّقة منذ سبع سنوات، وفي منبج منذ أكثر من أربع سنوات "ولم تحدث مشاكل".


النظام، وبدعم من الروس، يريد مربعاً أمنياً داخل منبج

 

وبرأيه، هناك من يحاول استغلال هذا الأمر لإثارة الفتنة والفوضى، لكن المجلس "سيتخذ التدابير كافة لضمان الأمن والاستقرار"، مشدّداً على أن "لدى الأهالي مطالب محقة". من جانبه، يلفت المحلل حسن النيفي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن منبج "تقع ضمن مناطق نفوذ الولايات المتحدة في سورية"، مشدّداً على أن لا أحد يستطيع أن يتحكم بمصير منبج من دون ضوء أخضر أميركي، "لأن قسد في النهاية أداة تنفيذية تابعة للتحالف الدولي". ويشير إلى "أن لدى النظام رغبة كبيرة بالعودة إلى مدينة منبج"، معتبراً أن غاية الجانب الروسي هي تمكين النظام من انتزاع السيطرة على المدينة وريفها. ويحذّر من أن دخول قوات النظام إلى مدينة منبج سيكون كارثة بكل المقاييس. ويوضح أن الإدارة الأميركية حتى اللحظة "نائية بنفسها عما يحدث في منبج، وأنها لم تولِ المنطقة أي اهتمام رغم مسؤوليتها الأخلاقية عنها، محمّلاً مسؤولية الأحداث في المدينة للأميركيين. من جانبه، يتابع "الائتلاف الوطني السوري" تطورات الأوضاع في منبج، حيث عقدت اللجنة السياسية اجتماعاً وُصف بـ"الطارئ" لمناقشة الأوضاع في المنطقة. وكان الائتلاف قد أكد في بيان له، أول من أمس الثلاثاء، وقوفه "إلى جانب الانتفاضة الشعبية في منطقة منبج وريفها"، مطالباً الجهات الدولية التي تدعم "قسد" بـ"رفع الغطاء والدعم عنها، والتحرك الفوري لوقف انتهاكاتها وممارساتها الإجرامية ضد أهلنا في منبج وشرق الفرات".

قضايا وناس
التحديثات الحية