اتفاقية الهدنة اللبنانية الإسرائيلية إلى الواجهة: إطارها وأهميتها

27 فبراير 2025   |  آخر تحديث: 15:27 (توقيت القدس)
دورية لقوات اليونيفيل في بلدة الوزاني جنوبي لبنان، 19 فبراير 2025 (ربيع ضاهر/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تجديد أهمية اتفاقية الهدنة اللبنانية الإسرائيلية لعام 1949 يأتي بسبب استمرار الاعتداءات الإسرائيلية والخروقات، حيث تظل الاتفاقية أساسًا لوقف إطلاق نار دائم رغم محاولات إسرائيل التملص منها.

- تسعى الحكومة اللبنانية بقيادة نواف سلام لتحقيق الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي اللبنانية، وتقوم بحملة دبلوماسية لكسب التأييد الدولي والعربي لإلزام إسرائيل بوقف انتهاكاتها وتنفيذ القرار 1701.

- وُقّعت الاتفاقية في 1949 تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، مما يعطيها أهمية قانونية في حفظ الأمن والسلام، وتبقى ضرورية لضمان احترام الحدود اللبنانية المعترف بها دوليًا.

عادت اتفاقية الهدنة اللبنانية الإسرائيلية لعام 1949 إلى الواجهة من جديد، على ضوء استمرار الاعتداءات والخروقات الإسرائيلية لقرار وقف إطلاق النار الأخير بين الجانبين، والذي دخل حيّز التنفيذ في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وبقاء جيش الاحتلال في خمسة تلال حدودية استراتيجية، رغم انقضاء المهلتين اللتين حُدّدتا له للانسحاب الكامل.

وترى أوساط سياسية أنّ اتفاقية الهدنة أساس لتثبيت وقف إطلاق نار دائم، ولوضع حدٍّ للعمليات العدائية التي تنفذها إسرائيل يومياً، وللحفاظ على الأمن والسلم، ولو أنّ التجارب مع إسرائيل، تترك دائماً الباب مفتوحاً أمام ضربها كل القوانين بعرض الحائط.

وخلال كلمته في الجلسة البرلمانية المسائية، أمس الأربعاء، لمنح الحكومة الثقة، جدّد رئيس الوزراء نواف سلام التأكيد أن "تحقيق الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي اللبنانية هو أولوية قصوى لحكومتنا"، مشدداً على أن "موقفنا واضح ولا لبس فيه، وسنطالب بتنفيذ الانسحاب وفق الحدود الدولية المنصوص عليها في اتفاقية الهدنة لعام 1949".

وأشار سلام إلى أنه "منذ تأليف هذه الحكومة، وقبل مثولنا أمامكم، بدأنا حملة دبلوماسية واسعة لشرح موقفنا وكسب التأييد الدولي والعربي لإلزام إسرائيل بوقف انتهاكاتها للسيادة اللبنانية، وتنفيذ القرار 1701، والانسحاب الكامل من أراضينا. كما أكدنا في البيان الوزاري على حق لبنان في الدفاع عن نفسه وفقاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة".

ويسلك لبنان كل المسارات الدبلوماسية القانونية من أجل مواجهة الاحتلال، متمسكاً بالخيار السلمي لا العسكري، لوقف جميع الانتهاكات، وتوجّه لأجل ذلك في 18 فبراير/ شباط الجاري، إلى مجلس الأمن الدولي الذي أقرّ القرار 1701، لمطالبته باتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة الخروقات وإلزام إسرائيل بالانسحاب الفوري حتى الحدود الدولية، علماً أنّ إسرائيل لا تزال متمركزة حتى الساعة في خمس نقاطٍ على حدود لبنان مع امتداد إلى مناطق سيطرة واسعة محيطة بتلك المراكز، ولا تزال تنفذ الاغتيالات وتشنّ الغارات بشكل شبه يومي جنوباً وحتى بقاعا شرقي لبنان، عدا عن خرقها المستمرّ للأجواء اللبنانية.

اتفاقية الهدنة اللبنانية الإسرائيلية: إطارها التاريخي والقانوني

في الإطار، يقول العميد المتقاعد والأستاذ الجامعي المتخصّص في القانون الدولي رياض شيّا في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "اتفاقية الهدنة اللبنانية الإسرائيلية وُقّعت في 23 مارس/آذار 1949، وأتت في إطار الاتفاقيات الإسرائيلية - العربية الأخرى، وتحديداً مع مصر والأردن وسورية، إلى جانب لبنان، لتوقف القتال الذي اندلع مع إعلان قيام إسرائيل، وبمساعٍ حثيثة من منظمة الأمم المتحدة، حيث إنه بعد أكثر من إعلان لوقف إطلاق النار، وبالاستناد إلى الفصل السابع، أمر مجلس الأمن في قراريه اللذين يحملان الرقمين 61 و62 الصادرين عام 1948، أطراف النزاع بإعلان هدنة عامة، تتضمن إقامة خطوط هدنة دائمة يمنع تجاوزها، وانسحاباً وتخفيضاً للقوى المسلحة من جانبَي هذه الخطوط ضماناً لها".

ويضيف العميد شيّا الذي نشر كتباً عدّة عن هذه الاتفاقية أن "هذه الاتفاقيات سقطت بعد الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967، وحلّ محلها قرار جديد عن مجلس الأمن يحمل الرقم 242، ويضع ترتيبات خاصة لوضع الدول الثلاث وإسرائيل، واعتبرت حينها إسرائيل أن الاتفاقية سقطت أيضاً مع لبنان بحجة أنه أعلن الحرب عليها، علماً أنّ هذه كانت حججاً وادعاءات كاذبة، فلبنان لم يعلن أو يشارك بالحرب عام 1967، وهذا بتأكيد أيضاً من لجنة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة".

ويلفت إلى أنّ "إسرائيل حاولت كثيراً التملص من الاتفاقية لأن فيها تقييداً لأهدافها وطموحاتها، لكن مع ذلك بقيت، وكانت جميع القرارات الأممية اللاحقة تدعو وتطلب بالعودة إليها، وضرورة الالتزام بها والتقيد بموجباتها". ويشير العميد المتقاعد إلى أنّ "هذه الاتفاقية لا تزال مهمة حتى يومنا هذا، والكل يطالب بالعودة إليها، وذلك لأسباب عدة، أبرزها أولاً أنها مندرجة تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يعطي كامل الصلاحيات لمجلس الأمن للتدخل لحفظ الأمن والسلام في العالم، ثانياً، أنه مصدَّق عليها من مجلس الأمن وليس فقط بين لبنان وإسرائيل، ثالثاً، أتت محايدة ومتوازنة ووفّرت ضمانات عدة للفريقين، بالتالي لم تكن منحازة لفريق دون الآخر، بعكس ما هو حاصل اليوم".

أمّا رابعاً، يضيف شيّا، فقد أنشأت هيئة دولية لمراقبة الهدنة على الحدود، ولا تزال موجودة، لكن تحت مسمى اللجنة اللبنانية الإسرائيلية لمراقبة الهدنة على الحدود، وتعمل اليوم ضمن وحدات اليونيفيل الموجودة في جنوب لبنان، لكنها هيئة مستقلة. ويلفت شيّا إلى أنّ "هذه الاتفاقية هي الوحيدة بين لبنان وإسرائيل، رغم كل المحاولات التي حصلت، بما فيها ترسيم الحدود البحرية، الذي لا تزال اتفاقيته سرية وغير معلنة، كما أنها تلزم باحترام حدود لبنان المعترف فيها دولياً، وأتت استجابة لإلزام قانوني من مجلس الأمن، أي إنها تجاوزت الإطار التعاقدي الثنائي، وأصبحت ذات طابع دولي، وفيها اعتراف إسرائيلي واضح وخطي وصريح بسيادة لبنان على كامل إقليمه حتى حدوده الدولية القانونية".

ولحظت الاتفاقية، بحسب شيّا، عدم اللجوء إلى القوة العسكرية، وعدم القيام بأي عمل عدواني ضد الفريق الآخر، خاصة عدم التعرّض للمدنيين، وقيام لجنة دولية لمراقبة الهدنة، أما الحدود المعترف بها دولياً، فهي تلك المرسّمة منذ عام 1922، وخرج اعتراف رسمي بها من قبل عصبة الأمم المتحدة عام 1923، ثم أصبحت إحدى وثائق الأمم المتحدة عام 1945.

وفي هذه النقطة بالذات، يوضح شيّا أنّه مع انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من الجنوب عام 2000، رُسم الخط الأزرق، أي خط الانسحاب، وحاولت الأمم المتحدة قدر الإمكان أن يكون متطابقاً مع الحدود الدولية، لكن تبين أن هناك فروقات كبيرة عن خط الهدنة، وخروقات للحدود وصلت إلى 13 نقطة، وكانت هناك مفاوضات غير مباشرة حولها قبل اندلاع الحرب الأخيرة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ونضيف إليها اليوم التلال الحاكمة الخمسة التي تتمركز فيها إسرائيل، إلى جانب تعزيز احتلالها لمرتفعات كفرشوبا، ومزارع شبعا، وشمال قرية الغجر، ومناطق أخرى.

ويلفت شيّا إلى أنّ "اتفاقية الهدنة اللبنانية الإسرائيلية كانت مستمرة منذ توقيعها وحتى عام 1967، وشكلت نظاماً فعّالاً لمراقبة الأمن في المنطقة الحدودية، لكن حرب الخامس من يونيو/ حزيران 1967، دفعت بإسرائيل إلى إعلان تخليها عنها، وحصلت بعدها العديد من الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، وربطاً بذلك، بدأ مجلس الأمن يصدر القرارات تباعاً، منها القرار الأول 262 عام 1968، الذي أدان فيه الاعتداء على مطار بيروت، داعياً إلى الالتزام باتفاقية الهدنة، لتكرّ بعدها السبحة، وصولاً إلى القرار 1701 الذي صدر إبان حرب يوليو/ تموز 2006، علماً أن هذا القرار يدعو أيضاً للعودة إلى اتفاقية الهدنة، ما يؤكد أن هذه الأخيرة هي الأداة الوحيدة الصالحة لإدارة الوضع على الحدود".

كذلك، يوضح شيّا الذي كان مستشاراً لرئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي خلال المحادثات التي أوصلت إلى قرار وقف إطلاق النار، وقادها الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين، أنّ الفرق الأساسي بين اتفاقية الهدنة اللبنانية الإسرائيلية والقرار 1701، هو في حجم القوى التي يجب أن تتمركز على الحدود اللبنانية الفلسطينية، والذي تبعاً للاتفاقية لم يكن يتجاوز 1500 جندي من الجهتين، إلا أنّ تطور الأوضاع، وحجم العمليات العسكرية التي حصلت منذ توقيع الاتفاقية حتى عام 2006، بيّنت أن العدد محدود وغير كافٍ، فكان أن أرسلت الأمم المتحدة قوات اليونيفيل إلى الجنوب وعززتها بـ15 ألف جندي، فيما تم تعزيز عدد الجيش اللبناني برقم مماثل، ما يعني انتشار 30 ألفاً على الحدود.