اتفاقية السعودية وباكستان: كسر حصرية الاعتماد على الولايات المتحدة

18 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 22:36 (توقيت القدس)
بن سلمان وشهباز شريف في الرياض، 17 سبتمبر 2025 (وكالة الأنباء السعودية)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- وقعت السعودية وباكستان اتفاقية دفاع استراتيجي لتعزيز التعاون الدفاعي والردع المشترك، حيث تلتزم كل دولة بالدفاع عن الأخرى في حال تعرضها لهجوم، وتوفر باكستان مظلة نووية للسعودية.

- تهدف الاتفاقية إلى تنويع تحالفات السعودية بعد اعتمادها الطويل على الولايات المتحدة، وتعزز موقع باكستان الدولي بدعم أمني من دولة عربية كبرى، مما يوازن النفوذ الإقليمي خاصة مع إيران وإسرائيل.

- رغم التقارب السعودي الباكستاني، تظل العلاقات التجارية بين السعودية والهند قوية، حيث تراقب الهند تأثير الاتفاقية على أمنها واستقرار المنطقة.

في خضم التطورات المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط، منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، ومع استباحة تل أبيب سيادة بلدان عربية عديدة والاعتداء عليها، من سورية إلى لبنان واليمن وإيران، وصولاً إلى القصف الذي استهدف قادة حركة حماس في الدوحة الأسبوع الماضي، برز الإعلان عن توقيع السعودية وباكستان مساء أمس الأربعاء "اتفاقية الدفاع الاستراتيجي المشترك"، يلتزم بموجبها كل بلد بالدفاع عن الآخر في حال تعرضه لهجوم، كما توفّر مظلة نووية للسعودية من إسلام أباد التي تملك عشرات الصواريخ النووية. هذه الاتفاقية بين السعودية وباكستان تؤكد سعي الرياض لتنويع تحالفاتها، أكان السياسية أم العسكرية أم الاقتصادية، بعد عقود من الاعتماد الحصري على الولايات المتحدة عسكرياً، لكن انحياز الأخيرة الكامل لمصلحة إسرائيل خصوصاً مع وجود إدارة دونالد ترامب، يزيد قلق دول الخليج إزاء مدى إمكان الوثوق بواشنطن بوصفها ضامناً أمنياً طويل الأمد لها، وهو قلق زاده الهجوم الإسرائيلي على قطر الأسبوع الماضي، علماً أن الأخيرة حليف استراتيجي للولايات المتحدة وتضم قاعدة عسكرية أميركية من الأكبر في العالم. أما من جهة باكستان، التي خاضت قبل نحو أربعة أشهر أسوأ مواجهة عسكرية لها مع جارتها الهند منذ عقود، فإنها تسعى لتعزيز علاقاتها الخارجية، ومصالحها الاقتصادية والسياسية.

اتفاقية دفاع بين السعودية وباكستان

ووقّع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، في الرياض مساء أمس الأربعاء، "اتفاقية الدفاع الاستراتيجي المشترك"، التي تنص على أن "أي عدوان على أي من البلدين يعد عدواناً على كليهما". وقال بيان مشترك بشأن الزيارة التي قام بها شريف إلى الرياض إن "توقيع اتفاقية الدفاع الاستراتيجي المشترك بين الجانبين يأتي في إطار سعي البلدين لتعزيز أمنهما وتحقيق الأمن والسلام في المنطقة والعالم". وأضاف البيان أن الاتفاقية  بين السعودية وباكستان "تهدف إلى تطوير جوانب التعاون الدفاعي بين البلدين، وتعزيز الردع المشترك ضد أي اعتداء." كما جاء في بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الباكستاني: "تهدف هذه الاتفاقية، التي تعكس الالتزام المشترك لكلا البلدين بتعزيز أمنهما وتحقيق الأمن والسلام في المنطقة والعالم، إلى تطوير جوانب التعاون الدفاعي بين البلدين وتعزيز الردع المشترك ضد أي عدوان". وأكد شريف عبر منصة إكس اليوم أنه بعد توقيع الاتفاقية أصبحت باكستان شريكاً أمنياً مهماً للسعودية، وهي ستلعب دوراً محورياً في الدفاع عن السعودية، مشيراً إلى أنه وفق الاتفاقية فأي اعتداء على أي من الدولتين هو اعتداء على الأخرى، وبالتالي يتم ردع الاعتداء من جانب الدولتين على الفور وبشكل مشترك وفاعل.

مسؤول سعودي: الاتفاقية تتويج لمناقشات استمرت سنوات. إنها ليست رداً على دول أو أحداث محددة، وإنما هي إضفاء طابع مؤسسي على تعاون طويل الأمد وعميق بين بلدينا

ونقلت وكالة رويترز عن مسؤول سعودي كبير لم تسمه، قوله رداً على سؤال عما إذا ستكون باكستان ملزمة بتزويد السعودية بمظلة نووية بموجب الاتفاقية  بين السعودية وباكستان، "هذه اتفاقية دفاعية شاملة تشمل جميع الوسائل العسكرية". وعن توقيت الاتفاقية بين السعودية وباكستان، قال المسؤول السعودي: "الاتفاقية تتويج لمناقشات استمرت سنوات. إنها ليست رداً على دول أو أحداث محددة، وإنما هي إضفاء طابع مؤسسي على تعاون طويل الأمد وعميق بين بلدينا". وأقر المسؤول بضرورة التوازن في العلاقات مع الهند منافسة باكستان. وقال: "علاقتنا مع الهند أقوى من أي وقت مضى. سنواصل تنمية هذه العلاقة ونسعى للمساهمة في السلام بالمنطقة بكل السبل الممكنة".

وتمتلك باكستان نحو 170 رأساً نووياً، وبحسب موقع "غلوبال فاير باور" المتخصص في الشؤون العسكرية، فإن باكستان، وعدد سكانها نحو 252 مليوناً، تمتلك نحو 330 طائرة مقاتلة، فيما تبلغ ميزانيتها العسكرية نحو 7.7 مليارات دولار. علماً أن باكستان تنشر جنوداً في السعودية، يُقدر عددهم حالياً بما يتراوح بين 1500 و2000 جندي، يقدمون الدعم العملياتي والتقني والتدريبي للجيش السعودي.

تنويع الشركاء العسكريين

وحول ذلك، قال الصحافي السعودي أيمن الغبيوي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "السعودية غالباً ما اعتمدت على تحالفاتها مع الولايات المتحدة وغيرها من القوى، لكن بالاتفاق مع باكستان تظهر رغبة الرياض في تنويع شركائها الأمنيين وتحجيم الاعتماد الكامل على دول خارجية، خصوصاً مع زيادة حدة التوترات في الشرق الأوسط، في الوقت الذي استهدفت فيه إسرائيل الدوحة، وهو ما أدى إلى ردة فعل قوية من جانب دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية والإسلامية بانعقاد قمة الدوحة الطارئة، وهذه القمة باعتقادي لها ما بعدها إذ شهدنا اتفاقية التعاون المشترك بين السعودية وباكستان، وهناك بحسب علمي خطوة مماثلة للإمارات وقطر". ولفت الغبيوي إلى أنه "من جانب باكستان فإنها ستحصل على تأييد أمني من دولة عربية كبرى لها وزنها في العالم، وهذا ما يمنح إسلام أباد موقعاً أقوى على الساحة الدولية، خصوصاً في ظل الضغوط الاقتصادية والأمنية التي تواجهها"، مشيراً إلى أن الاتفاقية "قد يُنظر إليها كتحرك من السعودية لموازنة النفوذ في المنطقة، لا سيما مع إيران، وفي ظل العربدة التي تنتهجها تل أبيب، فوجود شريك نووي مثل باكستان يزيد من وزن الاتفاقية من ناحية القوة الردعية".

أيمن الغبيوي: بالاتفاق مع باكستان تظهر رغبة السعودية في تنويع شركائها الأمنيين

وأضاف: "رغم أن الاتفاقية لا تذكر الأسلحة النووية، إلا أن مجرد ارتباط السعودية بباكستان، وهي القوة النووية الإسلامية الوحيدة، يُعطي انطباعاً ضمنياً بأن السعودية قد تحصل على مظلة ردع نووي غير مباشرة". وتابع: "قبل هذه الاتفاقية التاريخيية يجب أن ندرك أن العلاقة بين السعودية وباكستان قوية تاريخياً ودينياً واجتماعياً، وهي تعود لأكثر من ثمانية عقود، وهذه الاتفاقية يُحوّل هذا الإرث إلى التزام أمني ملموس، ويعزز ثقة الدولتين ببعضهما البعض ويُظهِر وحدة سياسية وأمنية". ويُشبّه الغبيوي الاتفاقية الجديدة بين السعودية وباكستان "بمبدأ الأمن الجماعي الموجود في حلف ناتو في المادة 5، حيث تُعتبر مهاجمة عضو واحد بمثابة مهاجمة الجميع، ومجرد وجود هذا البند يرفع كلفة أي مغامرة عسكرية ضد أي من الطرفين، لأن الخصم سيحسب أن الرد لن يكون من بلد واحد، بل من البلدين معاً كما جاء في الاتفاقية".

من جهتها، تحدثت صحيفة "ديلي باكستان" عن "خصائص رئيسية" للاتفاقية، ناقلة عن مصادر أمنية قولها إن "هذه الاتفاقية التاريخية تمثل وسيلة لردع واحتواء الأعداء الذين قد يفكرون في شن عدوان غير مبرر على هذين البلدين الشقيقين، ولا سيما الأعداء الذين يتسمون بالغرور والغطرسة الاستراتيجية. ولهذا تُعدّ هذه الاتفاقية ضمانة للسلام والاستقرار في المنطقة والعالم"، مشيرة إلى أن "هذه الاتفاقية تعزز الوزن الاستراتيجي لكلا الشريكين، بما يمكّنهما من مواجهة التحديات والمخاطر في المجال الأمني، وهي تغطي كل الجوانب من الأمن الإنساني إلى الأمن الوطني". كما تحدثت عن جانب "استراتيجي" في الاتفاقية يتمثل "في أنها تشمل عدة محاور مهمة، منها العلاقات العسكرية، والتعاون الاقتصادي، والأمن الجغرافي والإقليمي، والعلاقات الشعبية".

وفي وقت تسعى الرياض إلى تنويع تحالفاتها، فإن هذا التقارب بينها وبين إسلام أباد التي خرجت قبل بضعة أشهر من مواجهة عسكرية مع نيودلهي، لا ينفي العلاقات التجارية الوثيقة التي تربط السعودية بالهند. وتستورد الهند أكثر من 85% من احتياجاتها النفطية، ولا سيّما من العراق والسعودية اللذين صدّرا إليها في 2024 ما نسبته 45% من إجمالي وارداتها من النفط الخام. وتعليقاً على الاتفاقية الباكستانية السعودية، قال المتحدث باسم وزارة الشؤون الخارجية الهندية راندهير جايسوال، في منشور على موقع إكس، اليوم الخميس، إن الهند على علم بالتطور، مضيفاً أنها ستدرس تداعياته على أمن نيودلهي والاستقرار الإقليمي.

المساهمون