اتفاقية السعودية وباكستان تحت أنظار أميركا والهند وإيران

20 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 04:03 (توقيت القدس)
محمد بن سلمان وشهباز شريف في الرياض، 17 سبتمبر 2025 (رويترز)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تم توقيع اتفاقية الدفاع الاستراتيجي بين السعودية وباكستان خلال زيارة رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف إلى الرياض، في ظل تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، مما يثير تساؤلات حول تأثيرها على العلاقات الإقليمية والدولية.

- أكد وزير الدفاع الباكستاني على استخدام القدرات النووية في إطار الاتفاقية، مشيراً إلى إمكانية انضمام دول عربية أخرى، وضرورة إنشاء تحالف إسلامي مشابه لحلف الناتو، مع التأكيد على أن الاتفاقية تهدف للدفاع المشترك.

- قد تحد الاتفاقية من النفوذ الإيراني وتؤثر على العلاقات الباكستانية مع إيران والهند، حيث تأمل باكستان في دعم السعودية لموقفها في نزاع كشمير، مما يعكس تعقيدات السياسة الخارجية الباكستانية.

تطرح "اتفاقية الدفاع الاستراتيجي المشترك" بين السعودية وباكستان، التي جرى التوقيع عليها يوم الأربعاء الماضي خلال زيارة رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف إلى الرياض، الكثير من التساؤلات حول أبعادها وتداعياتها في الإقليم ودولياً، ففي حين أن التعاون العسكري بين إسلام أباد والرياض قائم منذ زمن طويل، إلا أن اتفاقية السعودية وباكستان الجديدة تأتي في فترة حساسة للغاية، بالنظر إلى مجريات الأحداث في الشرق الأوسط التي أخذت منحى خطيراً بعد استهداف إسرائيل دولاً عربية عديدة، مثل لبنان واليمن وسورية وأخيراً قطر، وقبل كل ذلك استمرار الإبادة الجماعية في غزة. كذلك تبرز تساؤلات عمّا إذا كان لجوء السعودية إلى اتفاقية الدفاع المشترك مع باكستان هو سعي لإيجاد بديل للولايات المتحدة التي كانت الشريك الدفاعي الأول للرياض من خلال وجود قواعدها العسكرية على أراضيها، بالتالي ماذا سيكون موقف واشنطن من هذه الاتفاقية؟ كذلك يحضر سؤال عن تداعيات الاتفاقية على باكستان وعلاقتها مع طالبان الأفغانية، وكذلك مع الهند التي خاضت معها حرباً قبل نحو أربعة أشهر، مع ترقب أيضاً لموقف إيران، جارة باكستان التي يُتوقع ألّا تكون راضية عن هذا التطوّر بعدما بدا في الفترة الأخيرة أنها تحاول تعزيز علاقاتها مع إسلام أباد.

النووي في اتفاقية السعودية وباكستان

برز تأكيد وزير الدفاع الباكستاني خواجه آصف أن بلاده سوف تستخدم كل ما في يدها من أجل تطبيق الاتفاقية مع السعودية بما فيها القوة النووية، مضيفاً في حوار مع قناة جيو المحلية مساء الخميس، أن باكستان لديها قدرات عسكرية فائقة مع كونها دولة نووية، و"كل تلك القدرات ستكون خاضعة لاتفاقية الدفاع المشترك مع السعودية، ولكن آمل ألّا يقوم أحد باختبارنا". ونفى آصف علمه بوجود أي تنسيق مسبق مع الولايات المتحدة حيال الاتفاقية، مشيراً إلى أنه لا يوجد مبرّر لإطلاع أي دولة على الاتفاقية. من جهة ثانية أوضح أنها مفتوحة لانضمام دول عربية أخرى، مشدداً على ضرورة إيجاد تحالف إسلامي كما حلف شمال الأطلسي. وإذ لفت إلى أن علاقات بلاده مع السعودية في المجال العسكري موجودة منذ القدم، اعتبر أن "اتفاقية الدفاع المشترك مختلفة تماماً وبداية صفحة جديدة، يتوجب بموجبها الدفاع عن الأراضي السعودية وكذلك العكس، ما يعني أن السعودية ملزمة وفق الاتفاقية أن تقوم بالعمل بالمثل إذا تعرضت باكستان لأي اعتداء"، وخلص إلى القول إنّ الاتفاقية ليست ضدّ أي دولة وليست هي سعي للهيمنة بل هي اتفاقية دفاع مشترك، "ندافع عن الأراضي السعودية كما ندافع عن أراضينا، وستقوم السعودية بالمثل".

خواجه آصف: باكستان لديها قدرات عسكرية فائقة مع كونها دولة نووية، وكل تلك القدرات ستكون خاضعة لاتفاقية الدفاع المشترك مع السعودية

وعن ذلك، قال المحلل الأمني الباكستاني شفاعت علي خان، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ موقف واشنطن مهم جداً، وهي قد تنظر إلى الاتفاقية بأنها أبرمت بين شريكين استراتيجيين لها، وبإمكانها أن تحدّ من النفوذ الإيراني في المنطقة. وفي حين لم يستبعد أن تكون واشنطن على علم مسبق بالاتفاقية قبل توقيعها، غير أنه لفت إلى أن التطوّرات الأخيرة، خصوصاً ما يدور بين إسرائيل والدول العربية، تشي بأن واشنطن لن تكون راضية عن تلك الاتفاقية. واعتبر خان أن تلك الاتفاقية كانت ضرورية، وباكستان بحاجة إليها، كما هو حال السعودية، فإسلام أباد بحاجة إلى دعم في المجال الاقتصادي، ودعم مالي من أجل مواجهة الجماعات المسلّحة التي تنشط ضدّ المصالح الباكستانية.

ولم يصدر حتّى يوم أمس الجمعة أي ردة فعل عن حركة طالبان الأفغانية، ولا عن طالبان الباكستانية التي تنشط ضدّ الجيش والحكومة الباكستانية. لكن شفاعت علي خان اعتبر أن الاتفاقية ستعطي قوة ودفعة معنوية لباكستان مقابل كل التنظيمات المسلّحة، "لأن إسلام أباد لا تعتبر ذلك مجرد اتفاقية عسكرية، بل هي أعطت لها صبغة دينية، ونرى اليوم كل المسؤولين الباكستانيين يقولون إنه دفاع عن الأراضي المقدسة، وباكستان تفعل ذلك بحكم أنه واجب ديني أكثر من كونها مصلحة عسكرية أو سياسية أو اقتصادية. من هنا فإنّ الاتفاقية ستعطي قوة معنوية لباكستان مقابل تلك الجماعات"، لكنّه أضاف: "غير هذا لن يكون للاتفاقية أي تأثير على علاقات باكستان بالجماعات المسلّحة التي تشكل قلقاً دائماً لإسلام أباد، لأنّ السعودية ليس لها أي نفوذ على تلك الجماعات كي تقنعها بإلقاء السلاح أو المصالحة مع الجيش الباكستاني، كما أنها لا تستطيع أن تشارك في أي عمل ضدها، حتّى التعاون الاستخباراتي، لأنّ السعودية كانت خارجة عن المشهد في السنوات الأخيرة، كما أن الجماعات المسلحة لا تنظر إلى الحكومة السعودية بنظرة احترام بسبب مواقفها الأخيرة حيال الحرب على غزة، من هنا فالاتفاقية مع السعودية لن يكون لها تأثير إيجابي على تعامل الجماعات المسلّحة مع باكستان".

موقف إيران

في غضون ذلك، يبقى الترقب سيد الموقف لمعرفة موقف إيران بشأن اتفاقية السعودية وباكستان علماً أنه لم يصدر أي تعليق من الحكومة الإيرانية حتّى يوم أمس، لكن مراقبين يرون أن إيران لن تكون راضية عنها، رغم تحسن علاقاتها مع السعودية في الفترة الأخيرة. وقال الإعلامي الباكستاني زاهد محمود، لـ"العربي الجديد"، إنه "بعد الحرب الأخيرة بين إسرائيل وإيران (في يونيو/حزيران الماضي) كان هناك اهتمام كبير من الجانب الإيراني بالعلاقات مع باكستان، وكانت زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الأخيرة إلى باكستان (في الثاني من أغسطس/آب الماضي) مهمة للغاية، إذ اتفق الطرفان على العمل المشترك ضد الجماعات المسلحة، ووعدت إيران بأن تؤيد موقف باكستان حيال طالبان الباكستانية وحتى طالبان الأفغانية"، وأضاف: "ثمّة من رأى أنه كان هناك تنسيق بين طهران وإسلام أباد في قضية إخراج اللاجئين الأفغان من أجل الضغط على كابول كي ترضخ لمطالب الدولتين: باكستان كان مطلبها العمل ضد طالبان الباكستانية، في حين تمارس إيران الضغط على طالبان الأفغانية من أجل الحفاظ على عمقها الاستراتيجي من خلال إدخال الأحزاب والشخصيات المؤيدة لسياستها إلى الحكم تحت مسمى الحكومة الشاملة لكل الأطياف الأفغانية". وبحسب محمود، كانت باكستان تعتبر التطورات بعد زيارة بزشكيان إليها بداية صفحة جديدة في العلاقات بين الدولتين، لكن بعد الاتفاقية مع السعودية من الصعب جداً أن تحافظ إسلام أباد على تلك العلاقة مع طهران، ذلك سيكون تحدياً كبيراً.

زاهد محمود: بعد الاتفاقية مع الرياض من الصعب جداً أن تحافظ إسلام أباد على تطوير العلاقة مع طهران

لكن الإعلامي نادر بلوش رأى في حديث لـ"العربي الجديد" أن على باكستان أن تختار الأهم لها، والسعودية لها وزنها في العالم الإسلامي والعالم العربي، وعلى مرّ التاريخ كانت العلاقات مع السعودية لها الأولوية، أما مع إيران فقد مرت العلاقات بمراحل مختلفة، وبالتالي فالرياض كما كانت أولوية في الماضي لإسلام أباد هي الأولوية في المستقبل. أما عن التأثيرات على العلاقة مع الهند، فقال بلوش إنّ الهند لديها هاجس كبير من هذه الاتفاقية، لأنّ مثل هذه الخطوات تعطي باكستان السيادة في المنطقة، فالدول الإسلامية كلّها الآن تنظر نحو باكستان، لأن السعودية ليست دولة عادية في المنطقة فلها وزنها وعمقها، وهي عندما تراهن على باكستان في الدفاع فإنّ ذلك يشير إلى أن لباكستان قوة، وهذا ما لا تتحمله الهند. واعتبر أن الهند سوف تتأثر من هذه الاتفاقية أكثر، لأنّ السعودية كانت تراهن عليها في الكثير من المشاريع الاقتصادية، ولكن بعد الحرب الأخيرة بين باكستان والهند (في مايو/أيار الماضي) أضحت الرياض حذرة في تعاملها مع نيودلهي، وبعد الاتفاقية ستمضي علاقات الهند مع السعودية بمرحلة لا ترغب فيها نيودلهي.

وأعربت الهند أمس عن أملها في أن تراعي السعودية المصالح والحساسيات المتبادلة بين البلدين. وقال المتحدّث باسم وزارة الخارجية الهندية راندير جايسوال، خلال مؤتمر صحافي أمس: "تربط الهند والسعودية شراكة استراتيجية واسعة النطاق، تعمّقت بشكل كبير في السنوات القليلة الماضية". وأضاف: "نتوقع أن تُراعي هذه الشراكة الاستراتيجية المصالح والحساسيات المتبادلة".

من جهته، قال المحلّل الأمني الباكستاني حامد رحمن، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه سيكون للاتفاقية تأثيرات على السياسة الخارجية الباكستانية، وهي تشكل تحدياً كبيراً، خصوصاً أن إسلام أباد ستتولى مهمة كانت تتولاها واشنطن، وكذلك سيكون لها تأثيرات على العلاقة مع إيران. ولفت إلى أنّ "باكستان تتطلع إلى أن تقوّي السعودية موقفها حيال النزاع مع الهند بشأن كشمير، فكما أن باكستان تدافع عن أمن السعودية، الأخيرة أيضاً سوف تدافع عن مصالح باكستان وأبرزها قضية كشمير، وفي مواجهة التنظيمات المسلّحة".