استمع إلى الملخص
- موقف مصر من الضغوط: رفضت مصر مقترحات أميركية لحل أزمة السد مقابل تنازلات في ملف غزة، مؤكدة على حق الفلسطينيين في أرضهم ورفضها لأي ضغوط تمس الأمن القومي.
- إمكانية التوصل إلى اتفاق ملزم: قد تظهر إثيوبيا مرونة في توقيع اتفاق قانوني ملزم، لكن الأمر يعتمد على جدية الوساطة الأميركية، مع رفض مصر لأي إغراءات تمس أمنها القومي.
أعاد الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، السبت الماضي، قضية سد النهضة الإثيوبي إلى الواجهة. ورشحت معلومات تفيد بأن ترامب عرض على السيسي التوسط مرة أخرى لحل الأزمة مع إثيوبيا. وكان لافتاً في هذه المحادثة أن بيان البيت الأبيض أشار إلى أن الزعيمين ناقشا قضية السد، في حين لم يأتِ البيان الرئاسي المصري على ذكر هذه النقطة، ما أثار التساؤلات حول ما إذا كانت القضية قد طُرحت في سياق أوسع يشمل ضغوطاً أميركية على القاهرة في ما يتعلق بملف غزة.
إغراء مصر بوعود بحل أزمة سد النهضة
وتأتي هذه التطورات في ظل تلميحات من مراقبين بأن إدارة ترامب ربما تحاول إغراء مصر بوعود بحل أزمة سد النهضة مقابل تقديم تنازلات في ملف غزة، مثل استقبال الفلسطينيين النازحين جراء الحرب الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة. فقد سبق أن طرح ترامب هذا المقترح، وهو ما رفضه السيسي بشدة، معتبراً إياه "ظلماً لن تشارك فيه مصر". كما رفض وزراء الخارجية العرب هذا السيناريو خلال اجتماعهم في القاهرة، يوم الأحد الماضي، محذرين من أن أي محاولة لترحيل الفلسطينيين ستؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة.
رخا أحمد حسن: إثيوبيا قد تبدي مرونة في توقيع اتفاق قانوني ملزم يحفظ حقوق مصر والسودان المائية
وشدد البيان المصري الذي تلا الاتصال الهاتفي بين ترامب والسيسي على أهمية تنفيذ المرحلتين الأولى والثانية من وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، وكذلك تكثيف المساعدات الإنسانية إلى غزة، في حين لم يشر بيان البيت الأبيض إلى وقف إطلاق النار. كما لم يتضمن أي من البيانين إشارة إلى تصريحات ترامب الأخيرة حول نقل الفلسطينيين إلى مصر والأردن.
وكانت مصادر مصرية قد أسرّت، لـ"العربي الجديد" في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بأن القيادة السياسية المصرية تلقت إشارات إيجابية بشأن معاودة ترامب لعب دور في حسم وإنهاء أزمة سد النهضة عبر اتفاق مكتوب بين الأطراف الثلاثة، مصر والسودان وإثيوبيا، بالشكل الذي يراعي مخاوف واحتياجات الجميع. وأوضحت المصادر أن ملف أزمة السد يحظى بموقع متقدم على أجندة اهتمامات ترامب خلال الفترة المقبلة، مشيرة إلى أنه تم التطرق إلى هذا الملف أثناء اتصالات وتنسيق بشأن التحركات والوساطة المصرية في حرب غزة.
وعن الجديد المحتمل في ما يتعلق بسد النهضة، قال السفير رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، لـ"العربي الجديد"، إن إدارة ترامب الأولى (2017-2021)، سبق أن تولت الوساطة بين مصر والسودان من جهة، وإثيوبيا من جهة أخرى، لكنها لم تمارس أي ضغوط على أديس أبابا، خاصة عندما رفضت إثيوبيا التوقيع على مشروع الاتفاق الذي توصلت إليه الوساطة الأميركية ووافقت عليه مصر والسودان. وأوضح أن مصر أعادت إثارة موضوع سد النهضة مع ترامب لتذكيره بأن القضية التي توسطت فيها إدارته ما زالت عالقة بسبب عدم التزام إثيوبيا بالقانون المنظم للأنهار الدولية. وأضاف حسن أن إثيوبيا، بعد اقترابها من استكمال بناء السد وتركيب مولدات الكهرباء، قد تبدي مرونة في توقيع اتفاق قانوني ملزم يحفظ حقوق مصر والسودان المائية، لا سيما أن مصر تعتمد بنسبة 95% على مواردها المائية من نهر النيل. لكنه شدد على أن الأمر يعتمد على مدى استعداد ترامب لإعادة الوساطة الأميركية بجدية وحزم، وهو ما يبقى أمراً غير مؤكد.
مصر لن تقبل بأي ضغوط
وأعرب حسن عن اعتقاده بأنه لا يوجد رابط بين موقف مصر والأردن والفلسطينيين الرافض لمقترح ترامب بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة وبين موضوع سد النهضة. وأضاف أن مصر لن تقبل أي ضغوط في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، حيث تتمسك بحق الفلسطينيين في أرضهم وإقامة دولتهم المستقلة على حدود الرابع من يونيو/ حزيران 1967، معتبراً أن تحقيق هذا الشرط ضروري لضمان السلام في المنطقة.
عمرو هاشم ربيع: أي محاولات لإغراء القاهرة مرفوضة تماماً
ومن ناحيته، رأى الدكتور عمرو هاشم ربيع، المستشار بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن أي محاولات لإغراء القاهرة بعروض مثل السماح بضرب سد النهضة مقابل تقديم تنازلات في ملف غزة مرفوضة تماماً، لأن كلا القضيتين تمسان الأمن القومي المصري بشكل مباشر. وأعرب عن ثقته في قدرة الشعب المصري على دعم قيادته في التصدي لأي محاولات للمساس بالأمن القومي المصري.
لكن السفير السوداني السابق لدى واشنطن الخضر هارون لفت، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن نهج الصفقات والمقايضات هو أحد سمات ترامب الذي لطالما وصف نفسه بأنه "صانع الصفقات" (Dealmaker). وخلص إلى أن قضية سد النهضة لم يتبق منها الكثير للتفاوض حوله، حيث تم بالفعل الملء الخامس والأخير للسد، ولم تبقَ سوى المخاوف التي تتهدد السودان ومصر نتيجة عدم وجود اتفاق ملزم.