اتصالات بين القاهرة وأنقرة بشأن القرن الأفريقي والبحر الأحمر

10 ابريل 2025   |  آخر تحديث: 04:09 (توقيت القدس)
فيدان وعبد العاطي في القاهرة، 10 سبتمبر 2024 (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- التنسيق المصري-التركي في القرن الأفريقي والبحر الأحمر يعكس اعترافًا بأهمية التعاون في ظل التنافس الإقليمي، خاصة مع إثيوبيا وسعيها لإعادة بناء قوتها البحرية.
- مصر تؤكد التزامها بدعم وحدة الصومال ورفض مشاركة دول غير مشاطئة في الترتيبات الأمنية للبحر الأحمر، مما يعكس قلقها من التغلغل الخارجي الذي يهدد أمنها القومي.
- التعاون المصري-التركي يعد ضرورة استراتيجية لمواجهة التحديات الإقليمية، حيث يمكن لتركيا لعب دور الوسيط في احتواء الطموح الإثيوبي وتعزيز استقرار المنطقة.

جاء الاتصال الهاتفي بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ونظيره التركي هاكان فيدان، السبت الماضي، الذي تناول المستجدات في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر، ليفتح الباب أمام تأويلات متعددة بشأن رسائله السياسية وتوقيت التنسيق الدبلوماسي بين القاهرة وأنقرة. وبعد أيام جاء إعلان انضمام مصر إلى البيان المشترك الصادر عن الشركاء الدوليين للصومال، أول من أمس الثلاثاء، والذي رحّب بالمبادرة التي أطلقها الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود لإنشاء منصة جامعة للقادة السياسيين والمجتمعيين في البلاد، بهدف توحيد الجهود في مواجهة الإرهاب وتعزيز الحكم الديمقراطي والفيدرالي.

وأكدت مصر، في هذا السياق، التزامها بدعم وحدة الصومال وسيادته، وتعزيز الحوار الوطني، وتفعيل المؤسسات الوطنية، انطلاقاً من الروابط التاريخية بين الشعبين. وبحسب خبراء، لا يأتي الالتزام المصري فقط في إطار الدعم السياسي، بل ينطوي أيضاً على رسائل استراتيجية أعمق، تعكس رؤيتها لدورها في أمن البحر الأحمر والقرن الأفريقي، ولا سيما في ظل المنافسة المحتدمة بين قوى إقليمية ودولية تسعى إلى تعزيز وجودها في تلك الساحة الحيوية.

مغزى الاتصال بين القاهرة وأنقرة

ويرى هؤلاء الخبراء أن الاتصال بين القاهرة وأنقرة في هذا السياق تحديداً يحمل مغزى مضاعفاً، لا سيما وأنه يتناول ملفاً لطالما شكّل ساحة تنافس إقليمي محتدم، هو القرن الأفريقي والبحر الأحمر، فالمنطقة باتت مسرحاً لتقاطعات مصالح دولية وإقليمية، وسط سباق على النفوذ والموانئ والممرات البحرية. ويُفهم من اختيار هذا الملف محوراً للنقاش بين القاهرة وأنقرة أن ثمة اعترافاً متبادلاً بأن توازنات القوة لم تعد تحتمل تجاهل التنسيق، حتى بين الخصوم السابقين.

عمار فايد: التطور الذي قلب التوازنات في المنطقة هو دخول إثيوبيا على الخط

ويلفت دبلوماسيون إلى أن تأكيد وزير الخارجية المصري في الاتصال الهاتفي على استمرار دعم بلاده الجهود الصومالية في مكافحة الإرهاب، وتعزيز قدرات الجيش الوطني الصومالي، يعكس سياسة مصرية واضحة تجاه وحدة الصومال واستقراره، باعتباره بوابة أمن البحر الأحمر الجنوبية. لكنه أيضاً يحمل رسالة مزدوجة، أن مصر تسعى إلى تحصين موطئ قدمها في الصومال في مواجهة محاولات قوى أخرى، إقليمية وغير مشاطئة، فرض وجودها الأمني أو العسكري هناك. وفي هذا الإطار، إعادة مصر التأكيد على "رفض مشاركة أي دولة غير مشاطئة في الترتيبات الأمنية وحوكمة البحر الأحمر" ليست مجرد موقف مبدئي، بل تعكس قلقاً متزايداً من التغلغل الخارجي، سواء عبر اتفاقيات عسكرية أو انتشار قواعد أجنبية، قد تمس بأمن مصر القومي المباشر.

ولا تبدو تركيا بعيدة عن هذه الرسائل، فأنقرة التي نسجت علاقات قوية مع الصومال منذ أكثر من عقد، ووسعت نفوذيها الاقتصادي والعسكري هناك، تبدو الآن أكثر ميلاً إلى التنسيق مع القاهرة، في ضوء تطورات إقليمية معقدة، من ليبيا إلى السودان، وحتى التوازنات داخل البحر الأحمر. والاتصال قد يعكس أيضاً محاولة لإيجاد تفاهمات غير معلنة حول تقاسم أدوار أو على الأقل منع الصدام في مناطق النفوذ.

تقارير عربية
التحديثات الحية

وتوضح القراءة الأوسع للاتصال الذي جرى بين الوزيرين المصري والتركي، بحسب خبراء، أن البحر الأحمر لم يعد مجرد ممر ملاحي حيوي، بل تحول إلى ساحة اختبارات حقيقية لعلاقات القوى الإقليمية، من الخليج إلى شمال أفريقيا، ومن تركيا إلى إثيوبيا وإسرائيل. وموقف مصر الرافض لوجود أطراف غير مشاطئة في ترتيبات الأمن البحري، يعيد التذكير بمبادرتها التي أُطلقت سابقاً لإنشاء آلية إقليمية تضم الدول المطلة فقط على الشاطئ، وتضع حداً للتدخلات الخارجية.

ويقول الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عمار فايد، لـ"العربي الجديد"، إن "الاستراتيجية المصرية الأساسية في القرن الأفريقي لطالما انطلقت من هدف واضح، إبعاد تركيا عن الساحة الصومالية"، موضحاً أن "القاهرة وأبوظبي عملتا خلال السنوات الماضية على إقناع الحكومة الصومالية بالتخلي عن شراكتها الأمنية مع أنقرة، مقابل تقديم دعم مالي وفني لقوات الأمن الصومالية من الدولتين". ويضيف: "كانت هناك بالفعل مقترحات مصرية قيد الدراسة لإقامة وجود عسكري دائم في الصومال، لكن عمق العلاقات بين مقديشو وأنقرة، وتدهور العلاقات بين الإمارات والصومال، عطل هذه الخطط وأضعف جدواها. وهكذا تمكّنت تركيا من ترسيخ وجودها عبر قاعدة دائمة وشراكة مستقرة".

جاهد طوز: مصر حريصة على الإبقاء على الطابع الإقليمي لمنظومة الأمن في البحر الأحمر

ويشير فايد إلى أن التطور الذي قلب التوازنات في المنطقة وزاد التقارب بين القاهرة وأنقرة هو دخول إثيوبيا على الخط، مدفوعة بطموحها لإعادة بناء قوتها البحرية التي كانت قد حلّتها بعد استقلال إريتريا مطلع التسعينيات. ومع الوقت، تقاطعت مصالح إثيوبيا مع الإمارات في ما يتعلق باستقلال إقليم صوماليلاند (أرض الصومال)، ضمن مشروع إماراتي أوسع لإنشاء شبكة لوجستية اقتصادية وأمنية تربط الخليج بالبحر المتوسط عبر باب المندب". ويقول: "مشروع الميناء في صوماليلاند تقاطع لاحقاً مع خطط إثيوبيا ومع مصالح إسرائيل. وأخيراً، بدأ يظهر توجه أميركي يدفع نحو الاعتراف باستقلال صوماليلاند مقابل إنشاء قاعدة عسكرية دائمة هناك، في محاولة لإعادة التوازن أمام النفوذ الصيني المتصاعد في جيبوتي".

وفي ما يخص الموقف المصري، يرى فايد أن "التحفظات التقليدية تجاه الدور التركي تراجعت لصالح التركيز على الخطر الإثيوبي المتزايد. فبعد أزمة سد النهضة، هناك الآن تهديد محتمل بأن تمتلك إثيوبيا قاعدة بحرية على البحر الأحمر، وهو ما يمثل خطراً مباشراً على أمن مصر المائي والملاحي، خصوصاً مع قرب قناة السويس" من المنطقة. ويضيف: "من هذا المنطلق، بات التعاون بين القاهرة وأنقرة خياراً عملياً لمصر في الصومال. أنقرة وقّعت مؤخراً اتفاقية مع مقديشو تضمن لها الدفاع عن المياه الإقليمية والثروات البحرية الصومالية، مقابل امتيازات اقتصادية. وبموجب هذه الاتفاقية، تؤكد تركيا دعمها لوحدة الأراضي الصومالية ورفضها انفصال صوماليلاند، وهو موقف يتقاطع بوضوح مع الرؤية المصرية".

ويلفت فايد إلى أن "أنقرة تمتلك علاقات متينة مع الحكومة الصومالية تجعل منها وسيطاً فاعلاً في احتواء الطموح الإثيوبي، وقد تجلى ذلك في نجاح الوساطة التركية حتى الآن في تهدئة التوتر بين مقديشو وهارجيسا". ويؤكد أن "التحدي الرئيسي الذي تواجهه مصر اليوم يتمثل في دخول قوى دولية جديدة، كالولايات المتحدة وبريطانيا والإمارات وإسرائيل، على خط ملف استقلال صوماليلاند، لأسباب متعددة تشمل حسابات جيوسياسية وتجارية. ورغم أن القاهرة لا تتحفظ بالضرورة على الوجود الأميركي في القرن الأفريقي، يكمن الخطر في تحوّل صوماليلاند إلى قاعدة إثيوبية-إسرائيلية تهدّد أمن مصر القومي وتُحكِم السيطرة على البحر الأحمر". ويضيف: "في ظل هذه التوازنات المعقدة، يبدو التعاون بين القاهرة وأنقرة ضرورة استراتيجية لمصر، حتى وإن لم يكن الخيار المثالي، لكنه حالياً الخيار الوحيد المتاح".

البحر الأحمر مهم لأمن كل المنطقة

ويقول جاهد طوز، المستشار السابق في رئاسة الوزراء التركية، لـ"العربي الجديد"، إن "البحر الأحمر يمثّل أهمية استراتيجية قصوى لأمن المنطقة بأكملها، وأي تحرك سلبي أو إيجابي فيه يُحدث أثراً مباشراً على المحيط الإقليمي"، مشدداً على أن "مصر، كدولة مشاطئة، تشعر بقلق مشروع من أي وجود عسكري لدول غير مطلة على البحر الأحمر، لأن ذلك يمس أمنها القومي بشكل مباشر".

ويضيف: "هذا القلق لا يخص مصر وحدها، بل تشاركه معظم دول المنطقة، نظراً إلى الطبيعة الأمنية والاستخباراتية التي يتسم بها الوجود العسكري الأجنبي، لا سيما إذا كان تابعاً لقوى كبرى خارج الإقليم". ويشدد على أن "مصر حريصة على الإبقاء على الطابع الإقليمي لمنظومة الأمن في البحر الأحمر، لأن أي تدخل خارجي قد يهدد التوازنات الهشة أصلًا". ويوضح طوز أن "العلاقات التركية مع الصومال لا تُفهم في سياق ثنائي فقط، فتركيا لديها علاقات ممتدة مع السودان ودول الخليج، وهي لا تعتبر نفسها غريبة عن المنطقة، بل جزءا منها، بحكم التاريخ والجغرافيا والروابط السياسية والدينية". ويتابع أن "تركيا ترى أن لها مسؤولية تاريخية في دعم الاستقرار في القرن الأفريقي، ولذلك تتعامل مع دول المنطقة على أسس شراكة استراتيجية، تشمل التعاون العسكري والاستخباراتي، إلى جانب الجوانب التنموية والاقتصادية"، لافتاً إلى أن "أمن الممرات التجارية، مثل البحر الأحمر وباب المندب، من أولويات تركيا، وهو ما يفسر تنامي دورها الإقليمي في السنوات الأخيرة".
ويشدد طوز على أن "الوجود التركي في المنطقة لا يهدف إلى تهديد أحد، بل يسعى إلى تحقيق الاستقرار، خاصة في ظل محاولات بعض القوى الخارجية -مثل الولايات المتحدة وإسرائيل- لفرض ترتيبات لا تخدم مصالح شعوب المنطقة"، مضيفاً: "هذه القوى غالباً ما تتدخل عبر أدوات غير مباشرة، مثل الجماعات المسلحة أو القوى الانفصالية، كما هو الحال في دعم استقلال صوماليلاند".

ويحذر طوز من أن "التدخلات الأجنبية، خصوصاً العسكرية، في دول مثل جيبوتي وإريتريا والسودان، تثير قلقاً مشروعاً لدى دول كبرى، مثل مصر، لأنها تشعر بأنها مُحاصرة استراتيجياً، وقد تضطر لاتخاذ خطوات ردعية، وللأسف، تحركات الإمارات في السنوات الماضية لم تصب في صالح استقرار المنطقة، وهو ما رأيناه في السودان، وليبيا، والصومال، واليمن"، مضيفاً: "هذه السياسة تخدم أجندات خارجية أكثر من مصالح الشعوب، وهو ما يفسر الدعوى القضائية المرفوعة أخيراً من السودان ضد الإمارات أمام المحكمة الجنائية الدولية".

المساهمون