اتحاد الشغل التونسي يقدم قراءته لمشروع الدستور: مخاوف بالجملة

اتحاد الشغل التونسي يقدم قراءته لمشروع الدستور: مخاوف بالجملة

09 يوليو 2022
رأى الاتحاد أن مشروع الدستور يعطي الرئيس صلاحيات واسعة تكاد تكون غير محدودة (Getty)
+ الخط -

نشر الاتحاد العام التونسي للشغل، مساء يوم الجمعة، قراءة مطوّلة لمشروع الدستور المعروض على الاستفتاء. واعتبر الاتحاد في خلاصة قراءته أن "التوطئة لا تليق بدستور تونس، غاب فيها سجلّ مفاهيمي وقيمي ورمزي يحيل على مرجعيات حقوق الإنسان وسائر القيم الكونية".

واعتبر بيان الاتحاد أن "دستور 2014 النافذ إلى حدود هذا التاريخ؛ لا يخوّل رئيس الجمهورية عرض دستور جديد على الاستفتاء، خلافاً لما ورد في اطلاعات الأمر الرئاسي عدد 578 لسنة 2022 المؤرخ في 30 يونيو/حزيران 2022، أنّ رئيس الجمهورية، "بعد الاطلاع على الدستور،...".

واعتبر الاتحاد أن المشروع يكرس لـ"نظام رئاسوي واضح؛ رئيس الجمهورية تتركز لديه جميع الاختصاصات، وله جميع السلطة التنفيذية، بينما يمكنه حل المجلسين، وإقالة الحكومة، مع انتفاء كل مسؤولية سياسية له، إلى جانب تمتعه بصلاحيات غير محدودة في الحالة الاستثنائية".

واعتبر كذلك أن مشروع الدستور أخلّ بمبدأي الفصل والتوازن بين السلطات، بما هي أساس كل نظام وبناء ديمقراطي، ومكّن رئيس الجمهورية من التحكم في جميع السلطات، ومركّز بين يديه جميع الصلاحيات، وجعله فوق كل محاسبة ومراقبة، وحصّنه من كلّ مساءلة سياسية أو جزائية".

وأشارت القراءة إلى أن الدستور" أقصى مفهوم الدولة المدنية القائمة على الفصل بين الدين والدولة، وفتح مجالاً واسعاً للدين كعنصر أساسي في الحياة السياسية والقانونية، وغفل عن مفهوم المصلحة العامة ومبادئ الحوكمة الرشيدة وقيم الشفافية والنزاهة والحياد والجودة وغيرها، في تمثّل الإدارة العمومية ووظيفتها، وقلّص إلى حدّ خطير من الاستقلالية عن هيئات الدولة التي يُفترض توفّر شرط الاستقلالية فيها، كالبرلمان والقضاء والجماعات المحلية والهيئات الدستورية، مهمّشاً دورها أو نافياً وجودها".

وأشار الاتحاد إلى أن مشروع الدستور "أوجد مجلساً يمثّل الجهات والأقاليم، ومهّد لطريقة التصعيد سبيلاً للتمثيل فيه، بما يؤسّس لما يسمّى بالبناء القاعدي، وأشركه من حيث الدور والصلاحيات والقوّة التشريعية بمجلس النوّاب، ممّا قد يخلق تنازعاً ويعيد إنتاج الأزمات والتعطيل، ولم يحدّد أجل بعثه وهو المرهون ببعث المجالس الجهوية والمجالس الإقليمية".

وذكر بيان الاتحاد أن "التوطئة في مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء بلا مبادئ عامّة تحكمها وتنتظم من خلالها مفاصل الدستور ومحتوياته، فلم تقدّم بنية مبدئية على أساسها سترتكز فيما بعد أبواب الدستور وفصوله، ولذلك لا نجد أثراً كبيراً للتوطئة في متن الدستور ومضامينه؛ إسقاط لفظة الكرامة من شعار الجمهورية، إعفاء الرئيس من كلّ مساءلة أو محاسبة، تمكين المواطن من حقّه في الاختيار الحرّ ومن مساءلة من اختاره، غياب الفصل بين الوظائف واختلال التوازن بينها".

واعتبر أنه بدلاً من ذلك "انساقت وراء قوالب شعبوية جاهزة، وغرقت في الشروح والتفاسير والتكرار والإنشائية والتعابير الاستعراضية الخالية من معيار جودة التشريعات المتعارف عليها، خاصة بالنسبة للقواعد القانونية العليا كالدساتير".

وأكد أن "التوطئة غفلت عن القيم والمبادئ الكونية، باعتبارها مرجعية أساسية تعزّز المرجعيات الوطنية القيمية والثقافية والحضارية، وغاصت تقريباً في الخصوصية. كما تميّزت بقراءة انتقائية وذاتية للتاريخ، إذ حامت حول المنجز الخاص بالرئيس كمنقذ، وقفزت عن محطّات تاريخية كثيرة، وأرّخت لمواعيد جديدة غايتها محو جزء من الماضي، والتأسيس لتاريخ جديد، وعلاوة ذلك، فقد صمتت التوطئة، وهي تعدّد الدساتير السابقة في تونس، عن ذكر دستوريْ 1959 و2014. وقد تعالت عن تراكم نضالي طويل لتختزل النضال في يوم 17 ديسمبر/كانون الأول ونفي أهمّية 14 يناير/كانون الثاني في التحوّلات التي شهدتها بلادنا، واختزلت الحوارات التي دارت على امتداد عشرية كاملة في استشارة إلكترونية كانت فيها المشاركة ضعيفة جدّاً".

وفي قراءته لفصول الدستور؛ أشار الاتحاد إلى أنه "تم التخلي في مشروع الدستور الجديد عن عبارة الإسلام دين الدولة، الواردة في الفصل الأول من دستور 2014، وكذلك في دستور 1959، والتخلي كذلك عن الفصل الثاني من دستور 2014، والذي ينص على أن تونس دولة مدنية، تقوم على المواطنة وإرادة الشعب وعلوية القانون، وفي المقابل تم التنصيص في فصل خامس جديد على أن تونس جزء من الأمة الإسلاميّة، وعلى الدّولة وحدها أن تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النّفس والعرض والمال والدّين والحريّة، ونحن نعتقد أن عدم التنصيص في مشروع الدستور الجديد على الطابع المدني للدولة بما يحمله من رمزية اجتماعية وسياسية وفكرية... من شأنه أن يجعل العامل الديني عنصراً من عناصر الحياة السياسية والقانونية للدولة، وهو ما يشكل تهديداً جدياً وخطيراً لسيادة القانون ولمنظومة الحقوق والحريات وللمواطنة والمساواة وللطابع الوضعي للنصوص التشريعية".

واعتبر الاتحاد أن "مشروع الدستور فيه إضعاف للدور الرقابي للمجلس التشريعي على الحكومة، حيث لا يمكنها توجيه لائحة لوم ضدها إلاّ بأغلبية نصف أعضاء المجلسين معاً، ولا تتم استقالة الحكومة إلا إذا حازت لائحة اللوم موافقة ثلثي أعضاء المجلسين معاً، وهي بمثابة الاستحالة، وهو ما من شأنه أن يخلق حالة حصانة واقعية للحكومة".

وانتقد الاتحاد "عدم تنصيص مشروع الدستور على الانتخاب الحر والمباشر لنواب الشعب، وإغفال التنصيص على أداء اليمين للنواب، والتنصيص في الفصل 61 على سحب الوكالة من النائب، بما يخشى معه من أن يكون هذا تمهيداً لنظام البناء القاعدي الذي لا يتمّ وفق الانتخاب المباشر، خاصة مع السكوت عن تحديد مواعيد الانتخاب وبعث المجلسين".

وأشار كذلك إلى "عدم التنصيص على سلطة مجلس نواب الشعب في سحب الثقة من رئيس الجمهورية بسبب الخطأ الجسيم، ولا حتى بسبب الخيانة العظمى، وهو ما يمثل إخلالاً فادحاً بالتوازن بين السلط في الدولة".

وذكر البيان أنه تم "منح رئيس الدولة صلاحيات واسعة في ظروف يقررها بمفرده، وإلغاء القيود التي ينصص عليها الفصـل 80 من دستور 2014 من ضرورة بقاء مجلس النواب في حالة انعقاد والتسقيف الزمني للحالة الاستثنائية بشهر لا يتم تجديده إلا لمرة واحدة من قبل المحكمة الدستورية، وهو ما يخشى منه إمكانية الالتجاء لهذا الفصل عند الحاجة بدون ضمانات ولا قيود خارجة عن إرادة رئيس الجمهورية".

كما ذكر أن المشروع "منح الرئيس حسب الفصل 97 من المشروع، حق إجراء الاستفتاء التشريعي المباشر، وحتى الاستفتاء الدستوري، وبالتالي يمكنه تجاوز السلطة التشريعية تماماً، وهو يعين رئيس الحكومة كما يشاء بغض النظر عن نتائج الانتخابات والفائز بها. وكذلك يمنح الرئيس صلاحيات كبرى في كل الوظيفة التنفيذية، بالإضافة إلى تكفّله بتعيين أعضاء المحكمة الدستورية وأعضاء الهيئات والمؤسسات الدستورية، وهو ما يتناقض مع ما جاء في التوطئة حول الفصل بين السلطات".

وفيما يتعلق بالحكومة، قال الاتحاد إن "المشروع الحالي إذ يعوض النظام السياسي الهجين بنظام رئاسوي صريح؛ فإنه يعطي لرئيس الجمهورية سلطات وصلاحيات واسعة تكاد تكون غير محدودة، دون اعتبار نزعة الإفراط في السلطة. وحسب الفصل101 من المشروع، فإن رئيس الجمهورية يختار رئيس الحكومة، وهو في واقع الأمر رئيس الوزراء، أو وزير أول بما أنه ليس مسؤولاً أمام النواب ولا الشعب، بل أمام رئيس الجمهورية فقط، ويعين أعضاءها بالتنسيق معه، ويرأس مجالسها. وتسهر الحكومة على تنفيذ السياسة العامة للدولة وفق توجهات واختيارات رئيس الدولة حسب الفصل 111، وهي مسؤولة أمامه عن تصرفها حسب الفصل 112، وله أن ينهي مهامها أو مهام أحد أعضائها تلقائياً، أو باقتراح من رئيسها، وهو ما يتماهى مع روح المرسوم عدد 117 لسنة 2021".

 
وبخصوص القضاء، قال البيان إن مشروع الدستور تخلى "على وصف السلطة واستبدلها بالوظيفة في الباب الرابع منه، وهو ما يخشى منه إضعاف السلطة القضائية وإفقادها الاستقلالية. كذلك، تخلّى مشروع الدستور في الفصل 119 عن المجلس الأعلى للقضاء كهيكل دستوري مستقل يضمن وحدة القضاء وحسن سير عمله واحترام استقلاله، وتم استبداله بمجالس ثلاثة، واحتكر الرئيس سلطة تعيين القضاة في الفصل 120".

وأشار الاتحاد إلى أن "الفصل 139 من المشروع ينص على أن يدخل الدستور حيز التطبيق ابتداء من تاريخ الإعلان النهائي عن نتيجة الاستفتاء من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وهو نصّ لا يأخذ في اعتباره ماهية نتيجة الاستفتاء، وهل هي القبول بالدستور أم رفضه. وينصّ الفصل 141 من المشروع على الاستمرار في العمل بأحكام الأمر عدد 117 لسنة 2021 المؤرخ في 22 سبتمبر/أيلول 2021، المتعلق بتدابير استثنائية إلى حين تولي مجلس نوّاب الشعب وظائفه بعد تنظيم انتخابات أعضائه، دون أن يحدد أجلاً لإجراء تلك الانتخابات، وهو ما يخشى معه من إمكانية إطالة الحالة الاستثنائية إلى ما بعد الآجال المعلنة في أشكال غير رسمية".

المساهمون