ائتلاف "إدارة الدولة" في العراق: ولادة لم تحن بعد

ائتلاف "إدارة الدولة" في العراق: ولادة لم تحن بعد

27 سبتمبر 2022
من غير المتوقع الموافقة على طلب استقالة الحلبوسي (مرتضى السوداني/الأناضول)
+ الخط -

ازدحمت في الساعات الماضية الأحداث السياسية في العراق، وكان أبرزها إصدار رئاسة البرلمان، أمس الإثنين، وثيقة تظهر قراراً باستئناف جلسات مجلس النواب غداً الأربعاء، بعد توقيف دام لنحو شهرين، وعلى رأس جدول أعمال الجلسة التصويت على استقالة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي من منصبه، في خطوة تبدو مدروسة. إذ توقع البعض عدم قبول هذه الاستقالة، ووضعوا المسألة في إطار تجديد الثقة برئيس المجلس، وتأكيد شرعيته التي تشكك فيها بعض القوى، ولا سيما داخل "الإطار التنسيقي".

وتأتي خطوة استئناف عمل البرلمان على عكس ما يُنادي به زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي يطالب بحل هذه المؤسسة والذهاب لانتخابات مبكرة. ليس ذلك فحسب، بل إن خصوم الصدر يبدون في موقف المتقدم عليه، في ظل ما برز في الساعات الماضية من حديث عن تشكيل ائتلاف تحت اسم "إدارة الدولة"، يضم "الإطار التنسيقي"، وحلفاء الصدر قبل انسحابه من المشهد، على الرغم من أن الغموض لا يزال يلف هذا التحالف ولا معلومات رسمية بشأن تشكيله فعلاً.

وأصدرت رئاسة البرلمان العراقي، أمس الإثنين، وثيقة تُظهر قرار استئناف جلسات البرلمان غداً الأربعاء، إثر توقف دام لنحو شهرين. وبحسب الوثيقة التي نشرتها وكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع)، فإن جدول أعمال الجلسة سيكون التصويت على استقالة الحلبوسي من منصبه وانتخاب النائب الأول للرئيس، في الساعة الواحدة من ظهر الأربعاء، من دون ذكر أي تفاصيل أخرى.

شاخوان عبد الله: طلب استقالة الحلبوسي هو لتأكيد شرعيته

لكن مصادر في الدائرة القانونية بالبرلمان أبلغت "العربي الجديد"، بأن الوثيقة صدرت عن مكتب رئيس البرلمان الخاص ولا علم لها بأي تفاصيل. وأكدت المصادر ذاتها أن الحديث كان يدور حول تسمية النائب الأول لرئيس البرلمان بدلاً من حاكم الزاملي عن التيار الصدري، الذي استقال مع نواب كتلته في منتصف يونيو/حزيران الماضي.

وأكد الحلبوسي، خلال مشاركته أمس ضمن فعاليات ملتقى الرافدين للحوار، أنه لم يتداول قرار استقالته من رئاسة مجلس النواب مع قادة الكتل السياسية. ولفت إلى أنه "المناصب تكليف ويجب أن يعي الجميع حساسية المرحلة".

وفيما اعتبر أن الذهاب إلى انتخابات مبكرة سلاح ذو حدين وأنه يجب أن ينصب الجهد على تحقيق المصالحة، شدد على أنه يجب الاتفاق على قانون الانتخابات والحكومة التي تنظمها وآلية تحديد الكتلة الكبرى قبل إجراء الانتخابات. وأكد أنه لا بد من خفض السقوف للوصول إلى تفاهم.

استقالة الحلبوسي لتأكيد شرعيته

من جهته، قال نائب رئيس البرلمان العراقي شاخوان عبد الله، لمحطة تلفزيون "رووداو"، الناطقة بالكردية في إقليم كردستان، إنه "ليس من المتوقع أن تتم الموافقة على طلب استقالة الحلبوسي".

وهو ما أكده نائب عن تحالف "السيادة"، الذي ينتمي إليه الحلبوسي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، بقوله إن "طلب الاستقالة هو لتأكيد شرعية الحلبوسي التي شكك بها بعض قوى الإطار التنسيقي باعتبار أن انتخابه لم يكن بالإجماع".

وأضاف أن "جلسة انتخاب الحلبوسي التي عقدت في يناير/كانون الثاني الماضي، لم تشارك فيها أغلب قوى الإطار التنسيقي، وتغيير المعادلة اليوم يدفع إلى مثل هذا الإجراء، ولن تتم الموافقة على الطلب لعدم وجود أي بديل ولم يطرح أي بديل أيضاً".

من جهته، رجّح النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني ماجد شنكالي، في تصريحات صحافية، أن تقتصر استقالة الحلبوسي "على تجديد الثقة له وتصويت مَن لم يصوتوا له سابقاً".

حراك لتشكيل تحالف "إرادة الدولة"

في هذه الأثناء، تشهد العاصمة العراقية بغداد ومدينة أربيل منذ يومين، حراكاً واسعاً هو الأول من نوعه منذ أشهر، تشارك فيه أطراف سياسية مختلفة، ويحركها مشروع للقوى الحليفة لإيران المنضوية ضمن تحالف "الإطار التنسيقي"، يتضمن تشكيل ائتلاف سياسي واسع يجمع القوى والأحزاب الرئيسة في البلاد؛ العربية السنية والشيعية والقوى الكردية، تحت مسمى "ائتلاف إدارة الدولة"، يتولى مسألة تشكيل حكومة جديدة والتفاهم على خريطة طريق للخروج من الأزمة الحالية، بوصفها مرحلة انتقالية.

وحتى مساء أمس الإثنين، لم تتبن رسمياً أي من القوى السياسية ولادة التحالف أو حتى الانخراط فيه، باستثناء بيانات وتصريحات لقيادات سياسية مرتبطة بائتلاف "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، و"تيار الحكمة" بزعامة عمار الحكيم، إلى جانب تأكيدات لأعضاء في قوى كردية وعربية سنية بوجود الحراك واللقاءات للإعلان عن شكل هذا الائتلاف الجديد.

لكن مصادر في حزب "تقدم"، الذي يتزعمه الحلبوسي، أبلغت "العربي الجديد"، بأن "المفاوضات مع الإطار التنسيقي، مبنية على شروط مسبقة للقبول بالدخول في أي شراكة من نوعها لتشكيل الحكومة، من بينها إرضاء الصدر والحصول على مباركته".

وأكد أحد هذه المصادر في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أن المطالب الرئيسة للقوى العربية السنية "تتعلق بإعادة التوزان في مؤسسات الدولة، وإعلان برنامج حكومي واضح، وإنهاء صفحة النزوح، وإخراج المليشيات من المدن والبلدات التي تسيطر عليها وإعادة أهلها، وإخراج القوات غير المحلية من المدن الأخرى شمال وغرب البلاد"، في إشارة إلى الفصائل المسلحة.

وأضاف: "هذا فضلاً عن قضايا تتعلق بالكشف عن مصير آلاف المغيّبين، وتعديل قانون العفو العام، ومراجعة ملفات المعتقلين وتعويض المتضررين وغيرها من القضايا والمطالب الحقوقية".

وأشار المصدر إلى أن هذه المطالب لم يحصل حزبه "على أي ضمانات لتنفيذها، إذ سبق أن تعهدت القوى نفسها في تحالف البناء عام 2018، والتي توجد حالياً في تحالف الإطار التنسيقي، بتلبيتها، لكنها لم تفعل".

ولم يتلق الشارع العراقي أي توضيح بشأن برنامج أو خطة تحالف "إدارة الدولة"، باستثناء ما أُعلن عنه أو تسرب عبر منصات محدودة معروفة بقربها من نوري المالكي وعمار الحكيم، وسط صمت من باقي قوى "الإطار التنسيقي"، وأبرزهم زعيم تحالف "الفتح" هادي العامري.

وقال مدير مكتب المالكي، هشام الركابي، في تغريدة له على "تويتر"، عقب انتهاء اجتماع لقوى "الإطار التنسيقي"، عُقد في بغداد مساء أول من أمس الأحد، إن "سفينة تحالف إدارة الدولة قد أبحرت"، من دون ذكر مزيد من التفاصيل.

من جهته، تحدث القيادي في "تيار الحكمة" فادي الشمري، في تصريحات صحافية، عن "اتفاق نهائي على تشكيل تحالف إدارة الدولة بين الإطار التنسيقي والحزبين الكرديين (الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني)، وتحالف العزم (بزعامة خميس الخنجر)، وتحالف السيادة، وبابليون".

وأضاف أنه "تم توقيع ورقة الاتفاق السياسي، على أمل استكمال مشاورات تسمية مرشح رئاسة الجمهورية، وتحديد موعد استئناف مجلس النواب العراقي لمهامه الدستورية".

وتواصل "العربي الجديد"، مع أعضاء في قوى "الإطار التنسيقي"، أكدوا أن المباحثات ما زالت متواصلة، وأنه من المبكر الإعلان رسمياً عن ولادة أي اتفاق على ائتلاف جديد، كون الخطوة عملياً تعني أن الأزمة انفرجت.

انقسامات داخل التحالفات العراقية

وقال قيادي بارز في تحالف "الفتح"، طلب عدم ذكر اسمه، خلال اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "هناك انقسامات في المواقف داخل التحالف الواحد، وهذا يشمل الإطار التنسيقي، والقوى الكردية والسنية كذلك، وجميعها تتعلق بما تريد (هذه القوى) من جهة، ومن جهة أخرى ما يتعلق بالجزء الخاص بالتيار الصدري، وإمكانية ضرب التيار لأي حكومة مقبلة بتفجير احتجاجات جديدة".

وأوضح أن "هناك تحفظاً من العامري وزعيم ائتلاف النصر حيدر العبادي، على المضي بهذا المشروع من دون موافقة الصدر أو التفاهم معه بشكل مسبق، وهذا ما يرفضه المالكي والحكيم، إضافة الى زعيم حركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي".

وتابع أن "القوى السنية والكردية لديها تباينات داخلية أيضاً، أغلبها يتعلق بالضامن في تنفيذ أي اتفاق يتم التوصل إليه، إلى جانب وجود التزام يرونه أخلاقيا مع التيار الصدري، وأهمية التفاهم الشيعي ــ الشيعي، قبل التوجه لتشكيل أي حكومة".

من جهته، قال القيادي في ائتلاف "النصر"، عقيل الرديني، لـ"العربي الجديد"، إن "المباحثات ما زالت أولية بين القوى السياسية بشأن تشكيل ما اصطلح عليه (ائتلاف إدارة الدولة)، وحتى الساعة (ظهر أمس) هذه المباحثات لم ترتق إلى مستوى الاتفاق النهائي لإعلان هذا الائتلاف من خلال توقيع وثيقة ما بين القوى السياسية".

وبين الرديني أن "كل ما نُشر وسُرب في وسائل الإعلام غير صحيح، والإعلان عن هذا الائتلاف إذا ما تم الاتفاق عليه بشكل نهائي، سيكون من خلال مؤتمر صحافي رسمي وليس عبر تغريدات وتسريبات إعلامية".

واعتبر أن "الائتلاف المزمع إعلانه ليس موجهاً ضد الصدر أو محاولة لعزله سياسياً، خصوصاً أن هذا الاتفاق إذا ما حدث سيعرض على الصدر للموافقة عليه أو الترحيب به، ورفضه له ربما يدفع لتغيير مواقف بعض الأطراف السياسية".

من جهته، قال عضو تحالف "الإطار التنسيقي"، محمود الحياني، لـ"العربي الجديد"، إن "ائتلاف إدارة الدولة المرتقب تشكيله والإعلان عنه سيضم أكثر من 280 نائباً في البرلمان، لكن حتى الساعة لا تشكيل رسمياً لهذا الائتلاف، ولكن هناك تفاهمات واتفاق مبدئي".

وبيّن الحياني أن "الإعلان النهائي عن الائتلاف تم تأجيله إلى ما بعد حصول اجتماع مع الصدر، خلال الأيام المقبلة، فكل الأطراف لا تريد تجاوزه". وأضاف الحياني أن "أبرز مهام ائتلاف إدارة الدولة، هو إعادة عمل مجلس النواب وتشكيل حكومة جديدة لمدة عام واحد فقط، ثم الذهاب إلى انتخابات مبكرة".

بدورها، قالت رئيسة الكتلة البرلمانية للحزب الديمقراطي الكردستاني، فيان صبري، في تصريحات صحافية أمس، إن "الأطراف السياسية وصلت إلى تفاهمات جيدة حول تشكيل ائتلاف إدارة الدولة".

وأوضحت أن "الاتفاق يدور حول ثلاثة محاور؛ الأول ما يتوجب أن يفعله البرلمان، حيث توجد بعض القوانين المهمة التي يجب المصادقة عليها. والمحور الثاني يتعلق بمواضيع تخص العراق وما يتوجب على الحكومة فعله، وثالثاً، ما يتوجب على القوى السياسية فعله".