استمع إلى الملخص
- تواجه إيران انقسامات داخلية حول كيفية التعامل مع سياسات ترامب المحتملة، حيث يرى البعض إمكانية التفاوض بينما يخشى آخرون استمرار سياسة الضغوط القصوى.
- يتوقع الخبراء استمرار ترامب في الضغط على إيران لاحتواء نفوذها الإقليمي ومنع تطوير قدراتها النووية، مما يجعل المفاوضات المحتملة معقدة بسبب الخلافات حول القضايا النووية والصاروخية.
عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض قد تشكّل منعطفاً أساسياً بالنسبة إلى إيران لكونه صاحب استراتيجية "الضغط الأقصى" ضدها خلال ولايته الأولى (2017-2021)، وهي كانت وما زالت لها أصداؤها داخل إيران المثقلة بالأزمات، خصوصاً الاقتصادي منها، وخارجها المتصل بسياساتها ودورها الإقليمي.
أطلق ترامب هذه الاستراتيجية بالانسحاب من الاتفاق النووي عام 2018، وتخللت تنفيذها فصول توتر غير مسبوق بين إيران والولايات المتحدة كادت أن تشعل مواجهة عسكرية بين البلدين بعد اغتيال أكبر جنرالات إيران قاسم سليماني، قائد فيلق القدس السابق، في مطلع عام 2020 في بغداد بضربة جوية أميركية. كما أدت العقوبات القاسية التي أعاد ترامب فرضها على إيران إلى نشوء أزمات اقتصادية، ما أثر سلباً على الرصيد الاجتماعي للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وبرزت آثارها في احتجاجات خلال السنوات الأخيرة.
إيران تواجه أزمات متفاقمة
واليوم مع عودة ترامب إلى السلطة مرة أخرى، فإن إيران تواجه أزمات أكثر تفاقماً من قبل، ما جعل هذه الدولة الغنية بالنفط والغاز تعاني من نقص الوقود، ما أدى إلى جدولة الكهرباء في الشتاء لأول مرة، وذلك وسط المزيد من المخاوف من أن يعيد ترامب ممارسة الضغوط القصوى بنسخة أكثر تشدداً من قبل.
صلاح الدين هرسني: النخبة الإيرانية منقسمة في مقاربتها تجاه سياسات ترامب بنسختها الثانية
استبق الرئيس الإيراني الإصلاحي مسعود بزشكيان استلام ترامب السلطة بتوجيه عدة رسائل له، عبر قناة "إن بي سي" الأميركية أخيراً، تنوعت بين رسالة "مهادنة" عبر الإعلان عن الاستعداد للتفاوض معه وطمأنته بأن إيران لن تسعى إلى اغتياله، وأخرى رسالة "قوة" من خلال التأكيد أنها مستعدة للرد والدفاع عن نفسها إذا قررت أميركا أو إسرائيل، أو الاثنين معاً، مهاجمتها والقول إن إيران "لا تخشى الحرب"، فضلاً عن رسالة نقد وانتقاد عن طريق اتهام غير مباشر للإدارة الأميركية المقبلة بأنها تريد إسقاط النظام الإيراني "وليس حل المشكلات"، ومنتقداً خروج ترامب من الاتفاق النووي وعدم التزامه بالتعهدات الأميركية المنصوص عليها في الاتفاق بينما أكد أن بلاده "التزمت بجميع تعهداتها".
لكن تصريحات بزشكيان عن التفاوض لقيت انتقادات لاذعة من أوساط محافظة إيرانية، إذ اتهمه الإعلامي مهدي فضائلي، عضو مكتب نشر أعمال المرشد الإيراني علي خامنئي، بـ"الخيانة". ويقول إن التفاوض الإيراني مع أميركا "خيانة للعالم أجمع وأفول القوة الأميركية العظمى محل إجماع"، متسائلاً: "أليس إبداء الشغف بالتفاوض في هذه الظروف تعزيزاً لقناعة الحكام الأميركيين بأن لهم اليد العليا؟".
النخبة الإيرانية منقسمة
ويقول الخبير الإيراني صلاح الدين هرسني، لـ"العربي الجديد"، إن النخبة الإيرانية منقسمة في مقاربتها تجاه سياسات ترامب بنسختها الثانية تجاه إيران، قائلاً إن هناك رأيين بشأنها، الأول يقول إن ترامب تاجر وأهل للتسوية والصفقة، ويهمه التفاوض و"التقاط صورة مع مسؤولي الجمهورية الإسلامية الإيرانية كما حصل مع زعيم كوريا الشمالية" كيم جونغ أون. لكن أصحاب هذا الرأي يرون أن رغبة ترامب بالتفاوض مع طهران يجب أن تقابلها أيضاً إرادة إيرانية حازمة للتفاوض. أما الرأي الثاني، حسب هرسني، فهو القائل إن ترامب وحلفاء أميركا الأوروبيين والعرب وإسرائيل يريدون ممارسة سياسة الضغوط القصوى ضد إيران و"ربما الحرب"، مشيراً إلى أن الملكيين والمعارضة في الخارج والداخل يتبنون هذا الرأي.
ويتوقع الأكاديمي الإيراني أن يعود ترامب لممارسة استراتيجية الضغوط القصوى ضد إيران كما تشير إلى ذلك مواقفه أثناء حملته الانتخابية وتركيبة إدارته المنتمية إلى صقور الحزب الجمهوري، مضيفاً أن ترامب يهدف إلى "احتواء إيران وعزلها بشكل كامل"، فضلاً عن سحب الورقة النووية منها ومنعها من الوصول للقنبلة النووية لخلق توازن الرعب، وذلك من خلال الضغوط ودبلوماسية "الإجبار". ولم يستبعد هرسني مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية في عهد ترامب الثاني وإحداث حالة "اللامعيارية" في الفضاء الاجتماعي الإيراني عبر تصعيد العقوبات والضغوط، مستخلصاً أن دفع الوضع الداخلي الإيراني نحو الفوضى وزيادة الاحتقان العام يمثلان خياراً آخر يفكر فيه ترامب.
استبعاد توجه ترامب نحو تغيير النظام بإيران
في المقابل، يستبعد أستاذ الدراسات الإسرائيلية في جامعة طهران الأكاديمي الإيراني هادي برهاني، في حديث مع "العربي الجديد"، توجه ترامب نحو تغيير النظام في إيران، قائلاً إنه يهدف إلى "تغيير سلوك إيران وإملاء تسوية معها تحقق المصالح الأميركية في المنطقة بما يصور ترامب سياسياً قادراً على حل مشكلة عويصة وقديمة". ويضيف برهاني أن "تغيير النظام بمثابة صندوق باندورا لا أحد يمكنه توقع عواقبه وأبعاده"، مؤكداً أن ما يريده ترامب هو اتفاق بمعاييره، مع القول إن "ثمة عزيمة وإرادة قيد التشكل في إيران لحل المشكلات مع أميركا"، ولافتاً إلى أن رافضي العلاقة بين البلدين "بعد تطورات المنطقة وإخفاقات محور المقاومة أصبحوا تحت الضغط وفقدوا تأثيرهم السابق وأصبح موقفهم الداعي إلى التوجه نحو الشرق محل تساؤل وانتقاد فأصبحت التطورات الإقليمية تمهد الأرضية لخطاب مصالحة مع الغرب".
يستبعد هادي برهاني توجه ترامب نحو تغيير النظام في إيران
غير أن عقد صفقة بين إيران وترامب ليس سهلاً، كما يقول برهاني، الذي يشير إلى رفض إسرائيل ومحبيها الأميركيين ذلك مع تفضيلهم تبني سياسة تغيير النظام في إيران، كما حصل في العراق وسورية، "لكن أميركا وترامب لم يدعما قط خلال السنوات والعقود الأخيرة هذه السياسة"، مستبعداً "أن ترضخ أميركا لهذه الرغبة الصهيونية لتبعاتها ونتائجها الوخيمة على المصالح الأميركية وخسائرها في الأرواح والمال، فإيران ليست كالعراق من حيث عدد سكانها وسعتها وقدراتها وجغرافيتها والمواجهة معها ستخلق تحديات كبيرة للغاية أمام أميركا".
إلى ذلك، تحاول المؤسسة العسكرية الإيرانية من جهتها، توجيه رسائل معينة عبر إجراء مناورات متعددة ضخمة خلال هذا الشهر قبل عودة ترامب إلى السلطة، منها مناورات لحماية المنشآت النووية في وسط البلاد وأخرى في مضيق هرمز والخليج وتزويد البحرية الإيرانية بأسلحة جديدة. ويقول الرئيس السابق لتحرير صحيفة فرهيختغان الإيرانية المحافظة مسعود فروغي، لـ"العربي الجديد"، إن ما تفعله طهران هو أنها ستنتظر سلوك ترامب وسياساته، وهذا حسب ما بات مألوفاً من سلوك طهران خلال السنوات الأخيرة ومسارات اتخاذ القرار في السياسة الإيرانية، عازياً سبب هذا التريث إلى السعي الإيراني لمعرفة سياسة ترامب ليكون ردها عليها "مناسباً لا أقل ولا أكثر".
ويضيف فروغي أن إيران "ستحتفظ بأصولها الاستراتيجية" في المنطقة، واستراتيجيتها تعتمد التعاون مع الدول الجارة واحتواء التوترات معها، فعلى سبيل المثال فعلت ذلك مع تركيا وقطر بعد سقوط نظام بشار الأسد، مؤكداً أن إيران "لن تتخلى عن قوى المقاومة في المنطقة وستقوم بتعزيز قدراتهم"، لافتاً إلى أن الاقتصاد يشكل الأولوية لترامب و"هو ما يتطلب شرق أوسط هادئاً، وهذا ما يخلق فرصة كبيرة أمام إيران للتعاون والتقارب مع دول المنطقة وخصوصاً مع روسيا والصين".
أما بحال كانت إيران ستوافق هذه المرة على التفاوض المباشر مع إدارة ترامب، فيقول الإعلامي الإيراني إن هذا التفاوض "غير ممكن" بالنسبة لإيران، مضيفاً أن ثمة عوامل، مثل أولوية ترامب الرامية إلى الهدوء في المنطقة لأجل مشاريعه الكبرى ومواجهة الصين، تقيد قدرته في المناورة ضد إيران، موضحاً أن "التصور أن ترامب يملك قوة قاهرة تمكنه من فعل ما يشاء خاطئ".
وليست واضحة بعد أجندة التفاوض بين ترامب وإيران، إذا بدأ التفاوض فعلاً، ما إذا كان سيقتصر على الملف النووي أو سيشمل مواضيع أخرى أيضاً. ويقول الخبير الإيراني رحمان قهرمان بور، لـ"العربي الجديد"، إن إدارة ترامب ترغب في إنجاز "اتفاق شامل" مع إيران يشمل قضايا مثل الصواريخ والدور الإقليمي بالإضافة إلى البرنامج النووي.
ويؤكد قهرمان بور أن إيران "غير جاهزة للتفاوض بشأن قدرتها الصاروخية، وهو ما تم التأكيد عليه مراراً"، متوقعاً أن تقبل واشنطن بعدم التفاوض بشأن الملف الصاروخي "لكن ليس واضحاً إن كانت ستقبل أيضاً بعدم التفاوض حول القضايا الإقليمية" مع إيران. غير أن الملف النووي يشكل الأولوية العاجلة لإدارة ترامب، وفق الخبير الإيراني، الذي يؤكد أن أجندة التفاوض "لن تشكل عقبة كبيرة أمام بدء المفاوضات" وسيتم الاتفاق عليها مع بدء المفاوضات.
ويوضح قهرمان بور أن الواقع الإقليمي نتيجة التطورات التي شهدتها المنطقة خلال العام الأخير بلور رأيين في إيران، بين من يرى أنه في ظل هذه الظروف أيضاً يمكن التفاوض، ومن يقول إن موقع إيران في ظل هذه التطورات "لم يعد قوياً ويجب الانتظار لتحسن هذا الموقع للدخول في التفاوض"، مشيراً إلى أن هذا الخلاف في وجهات النظر لن يمنع بدء المفاوضات "لكنه سيفضي إلى مشكلات جادة على طريق التوصل للاتفاق في حال أطلقت المفاوضات"، مضيفاً أنه سيقلل فرص الاتفاق على مدى قصير. ويتوقع أن تكون المفاوضات القادمة بين إيران وأميركا "أصعب من قبل، وهو ما يجعل المراقبين أكثر حذراً تجاهها".