استمع إلى الملخص
- الأسواق الإيرانية تعكس مزيجاً من التراث والحداثة، حيث يتجاور السجاد العريق مع الأزياء الغربية، مما يعكس قدرة الإيرانيين على المزج بين الإرث الثقافي والانفتاح على العالم.
- النقاشات العامة أصبحت أكثر جرأة وصراحة، مما يشير إلى تحولات في العلاقة بين المواطن والسلطة، وسط مخاوف أمنية وسياسية من عودة الصراعات الخارجية.
مرّت الأسبوع الماضي، الذكرى الثالثة لاحتجاجات "مهسا أميني" في إيران؛ تلك الاحتجاجات التي تمحورت حول قضية الحجاب، التي تتعلق باقتياد أميني عام 2022، من شرطة الآداب بتهمة خرق قواعده، لكنّها نُقلت إلى المستشفى بعد ساعات، لتلفظ أنفاسها الأخيرة فيه. فجّر الحادث سلسلة تحولات متسارعة في المجتمع الإيراني، تجاوزت الأطر السياسية التقليدية، واتّسعت لتطاول أنماط الحياة اليومية، وأسلوب التخاطب في الفضاء العام.
قضية الحجاب لم تعد شأناً فردياً يُدار على استحياء أو في فضاءات مغلقة، بل تحوّلت إلى مشهد يومي تتقاطع فيه أشكال اللباس، ومنها ما كان محظوراً سابقاً، وتتنوع فيه درجات الالتزام والتحدي. وباتت مظاهر التفلّت من الحجاب، التي تجاوزت مجرّد خلع غطاء الرأس سمة لافتة في شوارع المدن الكبرى، بل في بعض المدن الصغيرة، في انعكاس لرغبة قطاع واسع من المواطنين لإعادة تعريف ملامح اللباس والتعبير عن الذات خارج الأطر الرسمية المألوفة. إلى ذلك، اختفت دوريات شرطة الآداب من الشوارع، بعدما أوقف الرئيس الإصلاحي مسعود بزشكيان، في مارس/ آذار الماضي، تنفيذ قانون جديد لـ"الحجاب والعفّة"، كان المحافظون في البرلمان قد أعدّوه، ومنح ذلك القرار متنفساً جديداً يسرّع التحوّلات الاجتماعية.
في الأسواق، يتجاور السجاد العريق مع الأزياء ذات النمط الغربي، من سراويل الجينز الممزّقة التي ترتديها فتيات وكأنهنّ يخططن على القماش عبارة "العصر تغيّر"، إلى الألوان والصيحات التي تحاكي أحدث الموضات العالمية. هذا التنوّع البصري في البازارات يعكس عمق التحوّل الاجتماعي وقدرة الإيرانيين على المزج بين الإرث والحداثة؛ فالسجاد رمز الفن الإيراني الأصيل والتاريخ الممتد، يقف جنباً إلى جنب مع مخرجات صناعة الأزياء العابرة للقارات، ليرسما معاً لوحة مجتمع متمسّك بجذوره ومنفتح في الوقت ذاته على العالم. وبموازاة ذلك، يتّسع هامش الجُرأة في النقاشات العامة، إذ لم تعد الانتقادات تُهمس في المجالس الخاصة أو وراء الشاشات، بل تُسمع واضحة في عربات المترو وحافلات النقل، وفي جلسات العائلات الممتدة، إذ يصبح النقاش السياسي والاجتماعي جزءاً طبيعياً من أحاديث المائدة. هذه الصراحة المستجدّة تحمل في طياتها مؤشراً على تحوّلات طرأت على العلاقة بين المواطن والسلطة.
أمنياً وسياسياً، ما زالت ظلال الحرب الأخيرة (الإسرائيلية الأميركية في يونيو/حزيران الماضي) تخيّم على الأذهان، بين من يتوجّس من عودتها في أيّ لحظة، ومن يرى أن الحكمة تقتضي الحفاظ على الهدوء. تتوزع المواقف بين ضرورة مقاومة العدو وحذر يخشى المجهول، ورغبة في التغيير مهما بلغت الكلفة. هذه الازدواجية تكشف مزيجاً من الصمود والخوف والأمل، ومن توق إلى التجديد مقابل الحرص على الاستقرار. وفي قلب هذا المشهد المتشابك، يقف المجتمع الإيراني عند مفترق طرق: من جانب؛ يعلو صوت الفرد وإرادته في تحديد مصيره الشخصي والاجتماعي، ومن جانب آخر؛ يظلّ ثقل السياسة والضغوط والحروب الخارجية حاضراً ليؤطر خياراته اليومية.