إيران تدشن قاعدة سرية تحت الأرض للمسيرات: هذه دلالات ورسائل الخطوة

إيران تدشن قاعدة سرية تحت الأرض للمسيرات: هذه دلالات ورسائل الخطوة

28 مايو 2022
الباقري خلال زيارته القاعدة السرية "313" تحت الأرض (التلفزيون الرسمي)
+ الخط -

تفقّد رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية، اللواء محمد باقري، اليوم السبت، القاعدة السرية "313" تحت الأرض، للجيش الإيراني لصنع الطائرات المسيّرة.

وتأتي الخطوة، في وقت عادت فيه لغة التهديد والوعيد بين إيران والاحتلال الإسرائيلي، مدفوعة بمناورات إسرائيلية لمحاكاة تنفيذ ضربات على المنشآت النووية الإيرانية، وتعثّر مفاوضات فيينا النووية لإحياء الاتفاق النووي، وعمليات اغتيال و"تخريب" داخل إيران، المتهم فيها الاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي يزيد من أهمية الكشف عن القاعدة العسكرية، ويمنح ذلك دلالات مشفوعة بالتطورات الراهنة.  

وفي تقرير مصور لمراسل التلفزيون الإيراني، الذي قادته مروحية للجيش إلى القاعدة وهو معصوب العينين، تظهر أنواع المسيرات الإيرانية، الهجومية والانتحارية، من مختلف الطرازات وبمديات (مدى الطائرات) متنوعة.

وسبق أن أزاح الحرس الثوري الإيراني عن قواعد للمسيرات تحت الأرض، لكن هذه هي المرة الأولى التي يدشن فيها الجيش الإيراني، الجناح الآخر للقوات المسلحة الإيرانية، قاعدة له تحت الأرض، وتحديداً غربي البلاد في منطقة كرمانشاه.

وبحسب التلفزيون الإيراني، فإنّ زيارة باقري كانت بهدف الاطلاع على آخر قدرات الجيش في مجال إنتاج المسيرات العسكرية والهجومية بعيدة المدى، مشيراً إلى أنّ القاعدة تقع تحت مئات الأمتار من الأرض.  

وخلال زيارته للقاعدة "313"، أزاح الجنرال باقري الستار عن صاروخ "كروز" بمدى 200 كيلومتر، وهو أول صاروخ محلي يحظى بقابلية إطلاقه من المسيرات. 

من جهته، قال قائد الجيش الإيراني، عبد الرحيم موسوي، في كلمة خلال حفل إزاحة الستار عن القاعدة، إنّ "أكبر إنجازنا هو عدم تبعيتنا لأي جهة، ونحن نصنع بأنفسنا كل ما نحتاج إليه في الدفاع عن البلاد وتنفيذ المهمات"، مشدداً على أنّ "تطوير قدراتنا القتالية، بما فيها الرقي بالقدرات في مجال المسيرات، لن يتوقف". 

وأضاف، وفق موقع الجيش الإيراني، أنّ "الحاجة إلى امتلاك المسيرات بعيدة المدى مع القدرة على التحليق العالي المستمر، وحمل الذخيرة لاستهداف الأهداف الاستراتيجية، دفعنا إلى تطوير قابليات المسيرات الموجودة، وتزويدها بأنواع الصواريخ والقنابل بمديات مختلفة". 

رسائل لجهات عدّة

وتحمل زيارات القادة العسكريين الإيرانيين إلى القواعد الصاروخية والمسيرات للحرس الثوري أو للجيش الإيراني وتدشين هذه القواعد "رسائل خاصة على المستويين الإقليمي والدولي"، كما يقول الخبير الإيراني رضا صدر الحسيني، الذي أضاف، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ الخطوة تؤكد "جهوزية الجمهورية الإسلامية على مختلف المستويات البرية والبحرية والجوية والصاروخية في الدفاع عن البلاد ومصالحها". 

وعن سبب بناء هذه القاعدة غربي إيران، وما إن كانت ثمة تهديدات موجهة إليها من الحدود الغربية، قال صدر الحسيني إنّ القوات المسلحة الإيرانية "في الدفاع عن أمن البلاد ومصالحها ومواجهة أي تهديدات من أي منطقة، تقوم بالاستعدادات اللازمة على جميع الحدود".  

وقلّل الخبير الإيراني من أهمية التهديدات الإسرائيلية ضد إيران، وقال إنّ "القدرات الإيرانية الدفاعية ترتقي إلى مستوى مواجهة التهديدات من القوى خارج المنطقة، والكيان الصهيوني ليس في مستوى قدراتنا العسكرية، بل في مستوى حماتها الدوليين". 

يشار إلى أنّ محافظة كرمانشاه الحدودية مع العراق، والتي يعتقد أنها تضم القاعدة الإيرانية الجديدة، تحتوي على مواقع ومنشآت إيرانية عسكرية حساسة، منها قواعد صاروخية وأخرى للمسيرات.  

وخلال فبراير/شباط الماضي، ذكرت وسائل الإعلام الإيرانية أنّ حريقاً قد اندلع في مقر إسناد للحرس الثوري الإيراني بمحافظة كرمانشاه، مشيرة إلى أنّ "الحريق اندلع في مخزن لزيت المحركات والمواد القابلة للاشتعال، في أحد مقرات الإسناد للحرس الثوري في منطقة ماهيدشت". 

لكن بعدما شنّ الحرس الثوري الإيراني، هجمات صاروخية على موقع بالقرب من القنصلية الأميركية في أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، خلال مارس/آذار الماضي، ذكرت "كتائب حزب الله" العراقية المدعومة من إيران، في بيان، أنّ الهجمات الإيرانية جاءت رداً على هجوم إسرائيلي بطائرات مسيرة على قاعدة عسكرية في كرمانشاه قبل أسابيع من الهجوم الإيراني على الموقع في أربيل، والذي أعلن الحرس الثوري أنّه لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد" ويستخدم ضد إيران، لكن السلطات العراقية نفت صحت الرواية.  

اقتراب من المواجهة المباشرة؟

ثمة مواجهة قديمة حديثة "جادة" بين إيران وإسرائيل على مختلف الجبهات، خلال العقود الأربعة الأخيرة، كما يقول الخبير العسكري الإيراني، أفشين غلامي، مشيراً، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ فصولاً من هذه المواجهة دارت داخل إيران وإسرائيل، لكن بعد التطورات التي شهدتها الساحتان العراقية والسورية خلال العقدين الأخيرين، بعد اقتراب "فيلق القدس" أكثر إلى الحدود مع إسرائيل، اتخذت هذه المواجهة "أبعاداً أكثر عملية، وإسرائيل وجهت حتى اليوم 300 هجوم ضد المواقع الإيرانية في سورية". 

ويشير الخبير الإيراني أيضاً إلى عمليات اغتيال متعددة للاحتلال الإسرائيلي في الداخل الإيراني، قائلاً إنه منذ شهرين بعد إطلاق "الحرس الثوري" الإيراني صواريخ تجاه موقع في أربيل، برزت "مؤشرات" على اقتراب المواجهة الإيرانية بالوكالة مع إسرائيل من مرحلة المواجهة المباشرة. 

ويضيف أنّ الكيان الإسرائيلي بات يتجه أكثر نحو "المواجهة المباشرة" ويصعّد هجماته على المواقع الإيرانية في سورية، بالتالي إيران تسعى إلى استهداف إسرائيل انطلاقاً من قواعدها العسكرية في غرب البلاد. 

وفي السياق، يؤكد غلامي أنّ أهمية تدشين القاعدة للمسيرات تحت الأرض غربي إيران، تكمن في قرب الحدود الغربية الإيرانية مع العراق وسورية، موضحاً أنه يمكن النظر إلى تدشين القاعدة على أنه "في سياق توجّه إيراني جديد للدخول في مرحلة الاحتداك المباشر مع إسرائيل". 

وفي الإطار، يمكن أيضاً الإشارة إلى تصريحات لقائد "فيلق القدس" الإيراني، الجنرال إسماعيل قاآني، يوم 29 إبريل/نيسان الماضي، عندما لمّح إلى إرسال بلاده قبل أشهر طائرتين مسيرتين إلى إسرائيل، من دون أن تعلن الأخيرة عن منشأ إرسالهما.

وأضاف قاآني، وفق التلفزيون الإيراني، أنّ "الكيان الصهيوني وظّف 41 طائرة حربية واستطلاع لاعتراض المسيرتين"، متسائلاً: "من أين جاءت هذه المسيرات؟".

وخاطب قائد "فيلق القدس" الإيراني، قادة الاحتلال الإسرائيلي بالقول "لماذا تكذبون؟ ولستم مستعدين للكشف عن حقيقة ما جرى" بشأن المسيرتين.  

تطورات ساخنة 

ومع تعثّر المفاوضات النووية في فيينا لإحياء الاتفاق النووي بما يعيد فرض القيود الدولية الصارمة على البرنامج النووي الإيراني، عادت إلى الواجهة مرة أخرى التهديدات الإسرائيلية باحتمال توجيه ضربات ضد المنشآت النووية الإيرانية، فضلاً عن تصعيد تل أبيب الهجمات على المواقع الإيرانية في سورية.

ويأتي ذلك فيما أطلق الجيش الإسرائيلي، منذ ثلاثة أسابيع، مناورات "عربات النار" التي تمتد لشهر كامل. معلناً، أمس الجمعة، أنه انتهى من الأسبوع الثالث من هذه المناورات التي أكدت إسرائيل أنها "تحاكي سيناريوهات قتالية متعددة الجبهات والأذرع".

وفي وقت سابق من الشهر، كشفت صحيفة "جيروزاليم بوست"، أنّ الجيش الإسرائيلي يحاكي، في هذه المناورات الضخمة، ضرب "أهداف بعيدة" بعدد كبير من الطائرات، في إشارة إلى إيران.

إلى ذلك أيضاً، ثمة تطورات أخرى وقعت خلال الأيام الماضية تشي بأنّ الصراع مع إيران بات مفتوحاً على احتمالات تصعيد كبير خلال الفترة المقبلة، وذلك بعد فترة هدوء على إثر تولي الرئيس الأميركي جو بايدن السلطة عام 2020، وبدء المفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن في فيينا والتي توقفت منذ شهرين ونصف الشهر، بعد دخولها حالة "انسداد" نتيجة صعوبة حل القضايا العالقة، في مقدمتها رفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية.  

ومن تلك المستجدات، تنفيذ عملية اغتيال شخصية عسكرية إيرانية كبيرة في "فيلق القدس" بالعاصمة طهران، الأحد الماضي، هو العقيد حسن صياد خدايي، فضلاً عن وقوع حادث غامض، الأربعاء الماضي، في مركز بحوث لوزارة الدفاع الإيرانية في منطقة بارشين شرقي طهران، تضم مجمعاً عسكرياً ضخماً، أدى إلى مقتل شخص وإصابة آخر.

فيما يتعلق باغتيال صياد خدايي، وجهت طهران أصابع الاتهام نحو إسرائيل، متوعدة بـ"الثار" لمقتله، لكن حول حادث بارشين التزمت السلطات الإيرانية الصمت، مع الإشارة إلى "مقتل العالم الشاب المهندس إحسان قد بيغي".

إلا أنّ صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية نقلت، أمس الجمعة، عن مسؤول أميركي قوله إنّ طائرات مسيرة هاجمت، مساء الأربعاء، موقع بارشين الدفاعي في إيران.

ومن التطورات الجديدة التي من شأنها تسخين الصراع مع إيران، مصادرة الولايات المتحدة الأميركية، شحنة نفطية إيرانية في اليونان بعد احتجاز ناقلة نفط كانت تحملها، وذلك بعد أن منحت واشنطن الضوء الأخضر لإيران خلال الشهور الأخيرة لبيع نفطها مع بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، عبر عدم متابعة تطبيق العقوبات في هذا القطاع كما في السابق، وذلك على ما يبدو لمنع ارتفاع مطرد لأسعار الطاقة.

لكن مصادرة الشحنة الإيرانية مع عودة الحديث الغربي مرة أخرى عن "نفاد" الوقت لإحياء الاتفاق النووي، واستمرار تعثر المفاوضات النووية، تشي بأنّ واشنطن بصدد سحب الضوء الأخضر لبيع النفط الإيراني.

وأدركت إيران سريعاً خطورة الخطوة في الوقت الراهن التي تواجه فيه أزمة اقتصادية باتت تشعل احتجاجات من حين لآخر، فردت على الخطوة اليونانية، أمس الجمعة، باحتجاز ناقلتي نفط يونانيتين وسحبهما إلى الشواطئ الإيرانية.  

المساهمون