"إنفورماسيون" الدنماركية: إسرائيل تعيد إنتاج سياسة العملاء في غزة
استمع إلى الملخص
- ياسر أبو شباب، مجرم سابق وزعيم مليشيا مدعومة من إسرائيل، متهم بسرقة المساعدات الإنسانية ويُعتبر متعاوناً مع الاحتلال، مما يجعله رمزاً للفوضى في غزة.
- تحذر الصحيفة من تكرار تجربة "روابط القرى" الفاشلة في الضفة الغربية، مشيرة إلى مخاطر تسليح مليشيات محلية وضرورة البحث عن حل سياسي.
كشفت صحيفة إنفورماسيون الدنماركية في تقرير موسّع، في عددها الصادر اليوم الجمعة، عن تفاصيل اعتبرتها "مقلقة"، تتعلق باستراتيجية إسرائيلية جديدة في قطاع غزة، تقوم على تسليح مجموعات محلية وزعامات عشائرية لمواجهة حركة حماس. وفي قلب هذه الاستراتيجية، يبرز اسم العميل ياسر أبو شباب، المتهم بسرقة المساعدات الإنسانية وبحماية الاحتلال الإسرائيلي، والذي تصفه الصحيفة بأنه "أمير حرب جديد في غزة".
الصحيفة، التي تنفرد بين نظيراتها الدنماركيات بتناول هذا الملف، تتهم إسرائيل صراحةً بالتعاون مع عصابات وقطّاع طرق، بهدف اختراق المجتمع الغزي عبر توفير الحماية لتلك الجماعات، وغض الطرف عن جرائمها، مشددة على أن الاحتلال "يكرر تجاربه الفاشلة في الصفة الغربية"، مثلما راهن على روابط القرى العميلة.
مليشيا محلية برعاية إسرائيلية
وفق التقرير، بدأت إسرائيل منذ أشهر في تمويل وتسليح جماعات مسلحة داخل غزة، ضمن ما وصفه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو صراحة في تسجيل مصوّر، بـ"حشد العشائر ضد حماس"، قائلاً: "ما العيب في ذلك؟ إنه ينقذ أرواح جنود جيش الدفاع الإسرائيلي". ورغم أن إسرائيل لم تذكر أسماء هذه الجماعات علناً، إلا أن صوراً نشرتها صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، وأكّدتها صور أقمار صناعية، أظهرت مسلحين يتبعون لياسر أبو شباب يسيرون جنباً إلى جنب مع جنود إسرائيليين في جنوب القطاع، كما ذهبت الصحيفة الدنماركية.
قاطع طريق بمرتبة عميل
تُقدّم "إنفورماسيون" شخصية أبو شباب بوصفه مجرماً سابقاً تحوّل إلى زعيم مليشيا عميلة. يبلغ من العمر 31 عاماً، وكان مسجونا بتهم تتعلق بتهريب السلاح والمخدرات. ومع بداية الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، فرّ من السجن، ليظهر لاحقاً بصفة قائد مليشيا ترفع شعارات "مكافحة الإرهاب"، في استعراض وصفته الصحيفة بـ"المسرحي"، حيث ارتدى هو وعناصره زياً يحمل العلم الفلسطيني وكتب عليه: "جهاز مكافحة الإرهاب"، باللغتين العربية والإنكليزية.
لكن خلف هذا الاستعراض المسرحي، وفقاً للصحيفة، تُوجَّه إلى أبو شباب اتهامات أممية ومحلية بالضلوع في عمليات نهب واسعة للمساعدات الإنسانية، بحسب مذكرة سرية للأمم المتحدة (بحوزة واشنطن بوست)، وصفته بأنه "الطرف الأكثر أهمية وتأثيراً وراء النهب المنهجي الواسع لقوافل المساعدات"، خاصة في محيط معبر كرم أبو سالم. وقالت الصحيفة إنه "في خريف عام 2024، أفادت وسائل إعلام دولية عن قيام مسلحين بضرب واختطاف وقتل سائقي شاحنات يعملون على توصيل المساعدات إلى السكان المحتاجين"، رغم نفي أبو شباب، زاعماً أن هذه الأخبار "دعاية حمساوية"، في مقابلة له مع "نيويورك تايمز"، وفق ما أفادت الصحيفة الدنماركية، التي نقلت بتهكم قوله "لم أسرق لبيعها، بل لإطعام أسرتي".
وأوضحت الصحيفة أنه "وفقاً للعديد من وسائل الإعلام الإسرائيلية، يُزعم أن جماعة أبو شباب كانت لها صلات بجماعات إرهابية خارج غزة. لكن في الأشهر الأخيرة، صوّر أبو شباب نفسه على مواقع التواصل الاجتماعي باعتباره معارضاً شرساً للإرهاب، ونأى بنفسه عن هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وانتقد حماس علناً".
لا يمثل قبيلته.. ولا غزة
رغم محاولات أبو شباب لترويج نفسه بصفته قائداً عشائرياً، تنقل "إنفورماسيون" عن عادل الترابين، زعيم قبيلة الترابين التي ينتمي إليها أبو شباب، تأكيده أن الأخير لا يمثل القبيلة، بل نفسه فقط. وفي غزة، "يُنظر إليه باعتباره متعاوناً مع الاحتلال، يعتاش على معاناة الناس، ويستغل الجوع والفوضى لصالحه، لا يحظى بأي شرعية اجتماعية، بل يُعتبر أحد رموز الانهيار والفوضى في جنوب القطاع"، وفق الصحيفة، التي نقلت تأكيد العشائر والعوائل رفضها التعاون مع الاحتلال في غزة.
وأشارت أيضاً إلى أن الغزيين ينظرون إليه باعتباره متعاوناً مع الاحتلال، يستغل حالة الفوضى والجوع لصالحه، دون أن يحظى بأي شرعية اجتماعية أو سياسية.
روابط القرى العميلة.. التجربة الفاشلة إلى غزة
ترى "إنفورماسيون" أن ما يجري حالياً في غزة يُعيد إلى الأذهان تجربة "روابط القرى" العميلة التي أنشأتها دولة الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية بين عامي 1978 و1984، حين دعمت زعامات عشائرية لتقويض منظمة التحرير الفلسطينية. تلك التجربة، كما تشير، فشلت فشلاً ذريعاً، وهو ما أكّده المؤرخ الأميركي جيمس ل. جيلفين، الخبير في تاريخ الشرق الأوسط، الذي وصف أبو شباب بأنه "أمير حرب لا يؤمن بالسياسة، بل يتحرك وفق ميزانه الشخصي".
جيلفين اعتبر أن ما تفعله إسرائيل اليوم في غزة "خدعة قديمة وفاشلة"، تقوم على تسليح مليشيات محلية لا هدف سياسياً لها، سوى تسهيل السيطرة العسكرية على القطاع في حال انهيار سلطة "حماس".
تحذيرات من الانقلاب على الاحتلال
ويعرض التحقيق أيضاً تحذيرات من داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية. فمايكل ميلشتاين، الضابط السابق في الشؤون الفلسطينية في الاستخبارات العسكرية، الذي يرأس حالياً منتدى الدراسات الفلسطينية في جامعة تل أبيب، شبّه هذه السياسة بأخطاء الولايات المتحدة في أفغانستان، حين سلّحت المجاهدين الذين تحوّلوا لاحقاً إلى "طالبان".
وقال ميلشتاين: "نحن نُخاطر كثيراً. لا نعرف ما إذا كانت هذه الجماعات ستبقى موالية لنا. قد تتحوّل لاحقاً إلى مليشيات معادية ومدرّبة". وأضاف أن "القوات الشعبية" التابعة لأبو شباب لا تشكّل تهديداً حقيقياً لـ"حماس"، ولا تمثل بديلاً سياسياً يمكن الاعتماد عليه، وشدد على أن لا مفر من الذهاب إلى حل سياسي.
عميل مكروه
وتخلص الصحيفة إلى أن استراتيجية إسرائيل بتفتيت النسيج المجتمعي الفلسطيني وتسليح جماعات تفتقر للشرعية والمطالب السياسية، ليست سوى تكرار كارثي لممارسات الاحتلال في الضفة الغربية، ومن المرجّح أن تنقلب على إسرائيل لاحقاً. وبينما يحاول الإعلام الإسرائيلي تقديم أبو شباب بصفته "معارضاً لحماس"، فإن سكان غزة يرونه عميلاً مكروهاً، يمثل وجهاً جديداً للهيمنة الإسرائيلية، يرتدي الزي الفلسطيني، ويتغذّى على فوضى الحرب والجوع، كما ختمت "إنفورماسيون".