استمع إلى الملخص
- لتعزيز القدرات الدفاعية، قامت تايوان بتمديد الخدمة العسكرية الإلزامية وزيادة الإنفاق العسكري، مستلهمة من تجربة أوكرانيا. لكن المراقبون يحذرون من أن هذه التدابير قد لا تكون كافية لمواجهة التحديات الأمنية المتزايدة.
- تعاني تايوان من أزمات مالية بسبب التركيز على الدفاعات العسكرية، مع اقتراحات بتخفيض ميزانية الدفاع. يواجه الجيش تحديات ديموغرافية مع انخفاض معدل المواليد، مما يثير قلق صناع القرار بشأن استدامة القوى العاملة العسكرية.
يواجه الجيش التايواني نقصاً في عديد أفراده، إذ يختار عدد متزايد من الجنود والضباط المتطوعين التسريح المبكر على الرغم من الغرامات المالية المترتبة على ذلك، ما دفع مشرعين إلى التحذير من عواقب هذه الخطوة، داعين إلى إجراءات رادعة، فيما ذهب البعض إلى حد اقتراح تجنيد أجانب وإنشاء فيلق أجنبي. وتبرز أزمة التجنيد في تايوان من خلال أرقام وزارة الدفاع التايوانية التي تظهر أن عدداً متزايداً من المتطوعين على استعداد لدفع ثمن التسريح المبكر، إذ تقدم في عام 2020 أكثر من 400 موظف بطلب تسريح مبكر بعد موافقتهم على دفع الرسوم اللازمة للمغادرة. ليرتفع هذا الرقم، خلال العام الماضي، إلى أكثر من 1500 فرد.
وتتوقف قيمة الرسوم على الرتبة العسكرية ومدة الخدمة في الجيش، ولكن معدل رسوم التسريح حسب أرقام متداولة في وسائل الاعلام التايوانية هو مليون دولار تايواني أي ما يعادل 30 ألف دولار أميركي. في موازاة ذلك تكشف أرقام وزارة الدفاع التايوانية، أن نسبة التوظيف في الجيش تتراجع بشكل مطرد منذ سنوات. ووفقاً لأرقام الوزارة مطلع العام الحالي، انخفضت نسبة التوظيف داخل المؤسسات العسكرية من 88% في عام 2020 إلى 78% في عام 2024، أي انخفضت 10% خلال أربع سنوات نتيجة انخفاض أعداد المتقدمين لشغل الوظائف الشاغرة.
اقتراح تجنيد أجانب في تايوان مقابل الجنسية لا يزال في مراحله الأولى
وتشير الوزارة إلى أن هذه النسبة أصبحت الآن أقل بكثير من الحد الأدنى المقبول عموماً للعمليات وهو 85%، داعية إلى مراجعة ومعالجة قضية التسريح المبكر للموظفين بشكل عاجل، لضمان بقاء دفاعات الجزيرة سليمة في مواجهة التحديات الخارجية. وفي سياق أزمة التجنيد في تايوان وصفت النائبة عن حزب الكومينتانغ القومي المعارض في الجزيرة، وان مي لينغ، هذا الاتجاه لدى الجنود والضباط بأنه مثير للقلق، محذرة من أن النقص المستمر في أفراد الجيش يخاطر بتقويض دفاعات تايوان وسط تصاعد التهديدات العسكرية من الجيش الصيني. وأشارت وان، في تصريحات صحافية الثلاثاء الماضي، إلى أنه حين أصبح ويليام لاي تشينغ تي، من الحزب الديمقراطي التقدمي المعارض لفكرة التوحيد مع الصين، رئيساً لتايوان في مايو/ أيار من العام الماضي، أكد على الدفاع والأمن الوطنيين، وأنشأ لجنة الصمود الدفاعي للمجتمع بأكمله، وعمل على تحسين قدرات قوات الدفاع" في الجزيرة.
وكانت تايبيه بالفعل قد اتخذت خطوات لتعزيز قدراتها الدفاعية، مستلهمة من ردّ أوكرانيا على الغزو الروسي من خلال تعزيز تحالفاتها وزيادة الإنفاق العسكري. ومددت تايوان، في العام الماضي، مدة الخدمة العسكرية الإلزامية من أربعة أشهر إلى عام واحد. ومع ذلك، يحذّر مراقبون من أن هذه التدابير وحدها قد لا تكون كافية لمواكبة البيئة الأمنية المتطورة، خصوصاً مع استمرار بكين بتأكيد مطالبها بشأن تايوان باعتبارها جزءاً من أراضي الصين، والتصريح مراراً باللجوء إلى القوة العسكرية لاستعادة الجزيرة إذا لزم الأمر.
ويُنظر إلى الجنود المتطوعين في تايوان باعتبارهم القوة القتالية الرئيسية في أي صراع محتمل، لأنهم يتلقون تدريباً أكثر شمولاً مقارنة بأفراد الخدمة العسكرية الإلزامية، والتي لها فترة خدمة محددة تمتد لعام واحد فقط. وحسب تصنيف القوة العسكرية لعام 2025 الصادر عن موقع غلوبال فايرباور، احتلت تايوان المرتبة 22 عالمياً من حيث القوة العسكرية من بين 145 دولة، والمرتبة الثالثة عالمياً على مستوى قوات الاحتياط البالغ عددها 2.31 مليون شخص. مع العلم أن عدد الجنود في الخدمة الفعلية يبلغ 215 ألف جندي، فيما يبلغ عدد سكان الجزيرة 23.4 مليون شخص.
أزمة التجنيد في تايوان
في أعقاب تقارير حول أزمة التجنيد في تايوان والانخفاض الملحوظ في القوة التطوعية، يدرس مسؤولو الأمن إمكانية تجنيد مواطنين أجانب في القوات المسلحة في الوقت الذي تواجه فيه الجزيرة ضغوطاً متزايدة من الصين ونقصاً متزايداً في القوى العاملة. وتقول وسائل إعلام محلية، إن مشرعين وخبراء في الأمن يتباحثون بشأن إنشاء "فيلق أجنبي"، وهي فكرة مستوحاة من نماذج مماثلة في بلدان أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة.
شياو لونغ: هناك تحديات مرتبطة بمخاوف تايوان من ولاية ترامب الثانية
يأتي في هذا السياق اقتراح الأدميرال المتقاعد تشين يونغ، وهو عضو في الهيئة التشريعية من حزب الكومينتانغ، أن تعكس هذه الخطة النموذج الأميركي، إذ يمكن منح الأجانب الذين يخدمون لفترة محددة الجنسية عند الانتهاء من خدمتهم العسكرية. ومع ذلك، يلفت تشين إلى أن عملية التشاور الرسمية بشأن هذه الفكرة لم تبدأ بعد، ما يشير إلى أن الاقتراح لا يزال في مراحله الأولى. في الوقت الحاضر، لا يُسمح للأجانب بالانضمام إلى قوات الاحتياط في تايوان. وتكشف الإحصاءات الرسمية أن الجزيرة تضم حوالي 750 ألف عامل أجنبي من إجمالي 950 ألف مقيم أجنبي. وفي إطار أزمة التجنيد في تايوان فإنه بحسب رئاسة الوزراء في الجزيرة، تقلصت قوى الاحتياط بنحو 12 ألف فرد بين عامي 2022 و2024.
أزمات مالية
في تعليقه على أزمة التجنيد في تايوان، يقول الأستاذ في مركز الدراسات السياسية في جامعة جينان في الصين، شياو لونغ، لـ"العربي الجديد"، إن الجزيرة تعاني من أزمات مالية واقتصادية بسبب التركيز على تعزيز الدفاعات العسكرية على حساب حياة الناس ومشاغلهم اليومية، الأمر الذي أثار اقتراحات تتعلق بتخفيض ميزانية الدفاع الوطني، وهو ما تسبب لاحقاً في صدامات حادة بين المشرعين تحت قبة البرلمان".
ويضيف أن هناك تحديات مرتبطة بمخاوف الجزيرة من ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثانية، وذلك بعد تصريحاته السابقة بأن تايوان يجب أن تدفع مقابل الحماية الأميركية. يخلق ذلك وفق شياو لونغ "حالة من عدم اليقين قد تتحول مع مرور الوقت إلى أزمة ثقة". وينعكس ذلك بالضرورة، حسب قوله، على الشارع التايواني والرأي العام في الجزيرة، وكذلك على آراء وتوجهات الشباب بشأن العلاقة مع الصين، وجدوى الانخراط في تكتلات وتحالفات عسكرية غير مستقرة. لكنْ هناك بعد آخر يلفت شياو لونغ إليه، يتعلق بانخفاض معدل المواليد الجدد في الجزيرة، والذي يعد من أدنى المعدلات في العالم. (معدل الخصوبة في تايوان 1.11 في عام 2024)، وبالتالي من المتوقع أن "يؤدي التحول الديمغرافي إلى الحد بشكل كبير من عدد المجندين المتاحين في الجيش التايواني خلال السنوات المقبلة، ما يثير قلق صناع القرار".