إلى أي حد يؤثر التقارب الأميركي الروسي على الصين؟

17 مارس 2025   |  آخر تحديث: 04:06 (توقيت القدس)
بوتين وشي في قمة "بريكس" بقازان، 24 أكتوبر 2024 (ماكسيم شيميتوف/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يشهد العالم تحسناً في العلاقات بين موسكو وواشنطن، مما يثير تساؤلات حول تأثير هذا التقارب على الصين، حيث تسعى إدارة ترامب لتهدئة الأوضاع في أوروبا والشرق الأوسط للتركيز على مواجهة الصين.

- خلال فترة ولاية ترامب الأولى، اقترح هنري كيسنجر تحالفاً أميركياً روسياً لمواجهة الصين، مما أثار تساؤلات حول احتمال تحالف القوتين ضد بكين، بينما استمرت التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة.

- بالرغم من الإشارات الإيجابية في العلاقات بين واشنطن وبكين، تبقى قضايا استراتيجية عالقة، وتظل هناك هوة كبيرة وأزمة ثقة بين موسكو وواشنطن، مما يصعب تصور تحالف دولي ضد الصين.

تثار تساؤلات حول التأثير الذي قد يخلّفه التحسن المفاجئ في العلاقات بين موسكو وواشنطن على بكين، في ظل المحادثات الأميركية الروسية، سواءً حول إنهاء الحرب في أوكرانيا أو تعزيز العلاقات الثنائية بينهما، والمتمثلة خصوصاً في محادثات الرياض، الشهر الماضي. مثل هذا التقارب الأميركي الروسي وهذه المحدثات، يرافقها افتراض دائم بأن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ترغب في تهدئة الأوضاع في أوروبا والشرق الأوسط، من أجل نقل تركيزها وثقلها الاستراتيجي إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والتفرغ لمقارعة الصين، ما من شأنه أن يرفع الضغط بطبيعة الحال عن حليفتها روسيا. إلا أن المواجهة بين الصين والولايات المتحدة ليست حتمية، إذ تحدثت وسائل إعلام صينية عقب اجتماعات البرلمان الصيني، الأسبوع الماضي، بتفاؤل بشأن العلاقات الثنائية بين بكين وواشنطن.

خلال فترة ولاية ترامب الأولى بين 2017 و2021، أوردت تقارير غربية أن وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر اقترح أن تتحالف الولايات المتحدة مع روسيا لمواجهة الصين. عاد هذا الاقتراح إلى الواجهة أخيراً في الصين، إذ أثار تساؤلات في الأوساط الإعلامية حول ما إذا كان التقارب الأميركي الروسي قد يدفع باتجاه احتمال تحالف القوتين الكبيرتين ضد البلاد، علماً أنه لم يتغير الإجماع داخل الولايات المتحدة على أن الصين هي المنافس الرئيسي خلال الإدارات الأميركية المتعاقبة. وبالرغم من الإخفاق في تسجيل اختراقات ملموسة في العلاقات الصينية الأميركية في عهد الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، أشادت وسائل إعلام صينية باستقرار العلاقات وعدم خروجها عن نطاق السيطرة في عهده.

مسار العلاقات بين واشنطن وبكين

واعتبرت أن الدولتين اتبعتا إرشادات دبلوماسية من المستوى القيادي، وركزتا على تنفيذ رؤية سان فرانسيسكو (الاجتماع بين الرئيس الصيني شي جين بينغ وبايدن في سان فرانسيسكو خلال نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، اتفقا خلاله على ضرورة ضمان عدم تحول المنافسة بين الدولتين إلى صراع)، وعقدتا جولتين من الاتصالات الاستراتيجية وخمسة اجتماعات لمجموعة العمل المشتركة، كما تقدم الجانبان بالتعاون العملي في مجالات مثل مكافحة المخدرات وإنفاذ القانون وتغير المناخ. كانت تكهنات قد انتشرت قبل عودة ترامب إلى البيت الأبيض حول كيفية تعامله مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بعد أن هدّد بفرض رسوم جمركية إضافية على بكين، ما طرح تساؤلات كثيرة بشأن مسار العلاقات المستقبلية بين البلدين، وذكرت وسائل إعلام صينية رسمية أن مستقبل العلاقات الصينية الأميركية لا ينبغي أن يكون مجرد تكرار لنماذج الماضي للعلاقات بين القوى الكبرى، بل ينبغي لها أن تركز على استكشاف الطريق الصحيح للتعايش بين الدولتين.

منذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني الماضي، فرض ترامب رسوماً جمركية شاملة بنسبة 10% على جميع السلع الصينية، في أوائل فبراير الماضي، فيما رفع النسبة إلى 20% الأسبوع الماضي. في المقابل، أعلنت بكين عن تدابير جديدة من جانبها دخلت حيز التنفيذ، يوم 10 مارس/ آذار الحالي، وتنص على فرض رسوم بنسبة 10 و15%على العديد من المنتجات الزراعية الغذائية الأميركية. وفي السياق ذكرت شبكة سي أن أن الأميركية أخيراً أن لدى الصين رسالة لترامب مفادها بأن الولايات المتحدة لن توقف صعودها، ولفتت إلى أنه على رأس أوليات شي تعزيز الطلب الاستهلاكي لضمان عدم حاجة الصين إلى الاعتماد على الصادرات، ثم تحويل البلاد إلى قوة تكنولوجية عظمى. مع العلم أن الصين اختتمت الثلاثاء الماضي، اجتماعات "المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني" و"الجمعية الوطنية الشعبية" (الهيئة التشريعية)، إذ صادقت بحضور الرئيس الصيني شي جين بينغ على خطط وقرارات تتعلق بعمل الحكومة والميزانية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

بالمقابل، كان لافتاً خلال هذه الاجتماعات، أن الصين لم تهاجم الولايات المتحدة، كما دأبت في دورات سابقة، ولم تطلق سيلاً من الوعيد والتهديد، في ظل التقارب الأميركي الروسي الأخير. في هذا الصدد، ذكرت صحيفة ساوث تشاينا مورنينغ بوست، أمس الأحد، أن فكرة أن تصادم القوة المهيمنة قد تفضي بالضرورة إلى حرب، ليست مسلّمة وليست نهاية حتمية بأي حال من الأحوال. وأضافت أن هناك توقّعاً خاطئاً غالباً ما يُصوّر التوترات والصراعات بين الصين والولايات المتحدة على أنها حتمية. ومع ذلك، النتيجة لا تُحدد بالقدر، بل بالاختيار.

صحيفة صينية: ما يميّز ترامب تركيزه على المصالح الخاصة بدلاً من الخلافات الأيديولوجية التي تعززت في ظل إدارة جو بايدن

ولفتت الصحيفة الصينية إلى أن عودة ترامب إلى السلطة تطلق ديناميكية جديدة في التعامل بين البلدين، موضحة أنه بينما 80% من الأميركيين ينظرون إلى الصين نظرة سلبية، أشاد ترامب أخيراً بقيادة الرئيس الصيني، سواء بعد العودة إلى البيت الأبيض، أو خلال حملته الانتخابية. وأضافت أن ما يميّز ترامب، تركيزه على المصالح الخاصة بدلاً من الخلافات الأيديولوجية التي تعززت في ظل إدارة جو بايدن السابقة. وحول زيارة محتملة لشي لواشنطن، قالت وسائل إعلام صينية إنّ من المرجح إلى حد كبير أن يقوم شي بزيارة للولايات المتحدة "لأن من مصلحة بكين تطوير علاقة شخصية مع ترامب الذي قدّم العرض (عرض الزيارة) مرتين في غضون شهر واحد فقط".

وكان الرئيس الأميركي قد صرّح في وقت سابق من الشهر الماضي، بأن التوصل إلى اتفاق تجاري مع الصين أمر ممكن، واصفاً علاقته بنظيره الصيني، شي جين بينغ، بـ"العظيمة"، لكنه أكد أن كليهما يحب بلده، في إشارة إلى العلاقة التنافسية التي تجمع أكبر اقتصادين في العالم. وتوقّع أن يزور شي واشنطن في موعد ليس ببعيد، مشيداً بمتانة العلاقة بين الزعيمين وسط جهود البلدين لتذليل العقبات بينهما. في المقابل، أكدت الصين أنها على استعداد للعمل مع الولايات المتحدة لتعزيز التنمية المستقرة والصحية والمستدامة للعلاقات بينهما، على أساس مبادئ الاحترام المتبادل والتعايش السلمي والتعاون المربح للجانبين.

وبالرغم من الإشارات الإيجابية بشأن مسار العلاقات بين البلدين، بالتوازي مع التقارب الأميركي الروسي تبقى مسائل استراتيجية عالقة بينهما، تشمل التجارة والسياسة والتفاهمات المأمولة حول كيفية التعامل مع ملفات استراتيجية في منطقة المحيطين، الهادئ والهندي. فيما تبرز أزمتا تايوان وبحر الصين الجنوبي، أكثر المسائل تعقيداً، التي تحول دون بناء جسر من الثقة بين واشنطن وبكين. ويبدو أن ترامب، وفريقه، يؤجلان حتى اللحظة الكشف عن أوراقهما الكاملة الخاصة بكيفية التعامل مع الملف الصيني، الذي لم ينجح سلفه جو بايدن، إلا في إضفاء مزيد من التوتر حوله. يضاف ذلك إلى التقارب الأميركي الروسي وتأثيراته التي لا تزال ضبابية في عدد من الملفات، من بينها العلاقة بين موسكو وبكين.

ذروة التقارب الأميركي الروسي

بلغ التقارب الأميركي الروسي ذروته بالمحادثات حول أوكرانيا، في الرياض، بعد أول اتصال مباشر معلن بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع رئيس أميركي منذ فبراير 2022، إذ ناقش، الشهر الماضي، مع ترامب ملفات أوكرانيا والشرق الأوسط والطاقة والذكاء الاصطناعي وغيرها من الملفات. وأعلنت الخارجية الأميركية أن اللقاء بين وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو ونظيره الروسي سيرغي لافروف في الرياض، في 18 فبراير/ شباط الماضي، كان جيداً، مضيفة أن الجانبين اتفقا على وضع أسس للتعاون المستقبلي بين واشنطن وموسكو، وآلية لتطبيع العلاقات بين البلدين، فيما وصف مساعد الرئيس الروسي يوري أوشاكوف، في تصريحات صحافية، المحادثات بأنها كانت "جيدة". تبع ذلك مباحثات أميركية روسية، في إسطنبول يوم 27 فبراير الماضي، لتطبيع عمل البعثات الدبلوماسية.

تعكس خطوات التقارب الأميركي الروسي والابتعاد عن الحلفاء الأوروبيين، تحديداً في مسألة الدفاع والاقتصاد، تغييراً دراماتيكياً في سياسة الولايات المتحدة الخارجية، بقيت فيها موسكو على مدى ثمانية عقود، المنافس والخصم الرئيسي الذي يمثل كل تناقضات السياسة الأميركية. ولعل بعض تصريحات فريق ترامب تعكس أهداف هذا التغير. فقد كان روبيو، قد قال في مقابلة صحافية، الشهر الماضي، إن الإدارة الأميركية تطمح إلى تقويض العلاقات الروسية الصينية. ورأى أن "بقاء روسيا في مركز الشريك الثانوي دائماً للصين، واضطرارها لتنفيذ أي شي تقوله لها الصين بسبب اعتمادها عليها، ليس بالمآل الجيد لروسيا، ولا لأميركا أو لأوروبا أو حتى للعالم أجمع"، وأشار إلى أن هذا الوضع سيكون خطيراً على الولايات المتحدة، لأن "الأمر يتعلق بقوتين نوويتين متحالفتين ضد الولايات المتحدة"، وأضاف روبيو أن الولايات المتحدة تعتزم التصدي لشبكة التجارة العالمية التي تتبناها الصين، والتي تُعرف باسم "مبادرة الحزام والطريق".

ردّت الصين بقوة على تصريحات روبيو، إذ شدد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، خلال مؤتمر صحافي يوم 27 فبراير الماضي، على أن "محاولات الولايات المتحدة لبث الفرقة بين الصين وروسيا عديمة الجدوى تماماً"، مضيفاً أن "العلاقات بين الصين وروسيا، باعتبارهما دولتين رئيسيتين، تمتلك قوة دفع داخلية قوية ولا تتأثر بأي طرف ثالث"، ولفت إلى أن "استراتيجيات التنمية والسياسات الخارجية لكل من الصين وروسيا، طويلة الأمد"، مشيراً إلى أنه "رغم التغيرات في الوضع الدولي، فإن العلاقات الصينية-الروسية ستمضي قدماً بهدوء". 

لي وين: التنافس الأميركي الروسي ليس وليد التاريخ الحديث بل يعود إلى أكثر من قرن من الزمن

هوّة كبيرة وأزمة ثقة

حول التقارب الأميركي الروسي الأخير، استبعد الخبير في العلاقات الدولية لي وين، المقيم في بكين، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تسود حالة انجذاب وتوافق تام بين موسكو وواشنطن، حتى لو نجح الطرفان في وضع حد للحرب الروسية الأوكرانية المستمرة منذ سنوات. وقال إن "هناك هوّة كبيرة بينهما وأزمة ثقة متجذرة لا يمكن جسرها بسهولة"، لافتاً إلى أن "التنافس الأميركي الروسي ليس وليد التاريخ الحديث بل يعود إلى أكثر من قرن من الزمن"، وأضاف "أن الإدارات الأميركية المتعاقبة تصنف روسيا إلى جانب الصين باعتبارهما التهديد الأكبر للمصالح الأميركية، وبالتالي لا يمكن لترامب أن يشطب هذا التاريخ المثقل بالأزمات والتهديد والوعيد، بجرّة قلم".

في ضوء هذه المعطيات، لا يمكن تصور تشكيل تحالف دولي يضم القوتين معاً لتشكلان تحدياً للصين، بحسب لي وين، الذي اعتبر أن "الولايات المتحدة من جانبها لا يمكن أن تتقبل فكرة استيعاب قوة عسكرية بحجم روسيا في دائرة نفوذها؛ نظراً لما قد تشكله هذه القوة من خطر وتهديد لأمنها ومصالحها من الداخل"، وأضاف أن موسكو بالمقابل "لا تقبل بأن تكون تابعاً في الفلك الأميركي على غرار دول أخرى مثل الفيليبين واليابان وكوريا الجنوبية". وأشار لي وين إلى اعتبارات أخرى تضعف فرضية التفرغ لمقارعة الصين، تتعلق بنهج ترامب وشعاره الذي رفعه خلال ولايته الأولى "جعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، واعتبر أن الأمر "ينطوي على الكثير من الانكفاء والتركيز على القضايا الداخلية الملحة، وكذلك الأمر بالنسبة للصين التي تسعى إلى تسريع عجلة الاقتصاد ورفع وتيرة التنمية المحلية".

ليو وانغ: أي مواجهة بين بكين وواشنطن ستأخذ أبعاداً مشابهة لما حدث خلال ولاية ترامب الأولى

الهوس بالتهديد الصيني

وبشأن التفارب الأميركي الروسي وتأثيره على بكين، رأى الباحث في العلاقات الصينية الأميركية، ليو وانغ، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هناك "الكثير من الهوس بالتهديد الذي تمثله الصين، داخل أروقة صنع القرار في الولايات المتحدة"، مضيفاً أن "الكثير من التقارير والتحليلات الأميركية والغربية تتحدث عن احتمالات الحرب والمواجهة المباشرة بين بكين وواشنطن"، وطرح أمثلة على ذلك من قبيل "المنطقة على شفا حرب عالمية ثالثة، ومحيط الصين برميل من البارود قابل للاشتعال في أي لحظة"، موضحاً أنه "في الحقيقة هذه أطروحات غير واقعية، لأن القوى الكبرى تدرك معنى التورط في حرب وتداعيات ذلك، نحن نتحدث عن دول نووية لديها القدرة على تدمير العالم بالكامل بما تملكه من أسلحة".

وبحسب ليو وانغ، ستأخذ أي مواجهة بين بكين وواشنطن أبعاداً مشابهة لما حدث خلال ولاية ترامب الأولى، موضحاً أن "الحرب ستكون تجارية يتخلّلها فرض عقوبات متبادلة وتعرِفات جمركية، بينما تظل قنوات الاتصال الدبلوماسية والعسكرية قائمة بين الجانبين"، واستبعد أن يخفت الاهتمام الأميركي بأوروبا ومنطقة الشرق الأوسط من أجل التركيز على استراتيجية واشنطن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، مشدداً على أن "المصالح الأميركية متجذرة هناك، ولا يمكن التخلي عنها بسهولة، لأن أي خطوة في هذا الاتجاه ستأتي بعواقب سلبية، فضلاً عن الفوضى التي سيتسبب بها الفراغ الأميركي".