استمع إلى الملخص
- تركزت المحادثات بين طالبان وأميركا على العلاقات الثنائية والإفراج عن السجناء، حيث أُفرج عن الأميركي جورج غليزمان. إلغاء المكافأة على سراج الدين حقاني يشير إلى رغبة أميركية في دعم تياره المرن.
- أثارت التطورات ردود فعل متباينة، حيث تسعى أميركا لتقوية تيار حقاني والملا يعقوب، بينما قد تضطر باكستان لإعادة تقييم سياساتها تجاه أفغانستان.
أثارت التطورات الأخيرة في العلاقات الأفغانية - الأميركية تساؤلات عدة، أهمها هل هي آنية أم أنها تمثل بداية لعلاقات إستراتيجية طويلة المدى؟ كما أثارت قلق المعارضين لحركة طالبان، داخلياً كجبهة بانشير، وخارجياً كباكستان، حيث كانوا يترقبون أن تصب سياسات الإدارة الأميركية الجديدة في صالحهم، وأن تتخذ موقفاً معارضاً لـ"طالبان". إلا أنه يبدو أن الإدارة الأميركية قررت التعامل مع الحركة، حيث ألغت، السبت الماضي، المكافآت الموضوعة على رأس وزير الداخلية سراج الدين حقاني ومسؤولين آخرين في "طالبان"، مرجحة الرهان على علاقاتها بالحركة، بدلاً من باكستان أو المعارضين داخل أفغانستان.
وكانت وزارة الخارجية الأفغانية ذكرت، في بيان الأسبوع الماضي، أن وزير الخارجية في حكومة "طالبان" أمير خان متقي بحث مع المبعوث الأميركي الخاص لشؤون الرهائن آدم بولر والمبعوث السابق إلى أفغانستان زلماي خليل زاد، في كابول، "قضايا مهمة"، وذلك فيما تم الإفراج عن الأميركي جورج غليزمان الذي كان محتجزاً في أفغانستان، منذ عامين. وأوضحت الوزارة أنه "تم خلال الاجتماع مناقشة العلاقات الثنائية والإفراج عن السجناء والخدمات القنصلية للأفغان في الولايات المتحدة".
إلغاء المكافأة على رأس سراج الدين حقاني
وفي حين أن بعض المحللين اعتبروا أن الهدف من الزيارة كان الإفراج عن غليزمان، فإن آخرين أشاروا إلى أن مشاركة خليل زاد في اللقاء يظهر أنها لم تكن تهدف فقط للإفراج عن الأميركي، بل تعكس ملامح لسياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتحسين العلاقات بين واشنطن وكابول، وهو ما ظهر في إلغاء واشنطن مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض على القيادي الكبير في "طالبان" سراج الدين حقاني الذي يشغل حالياً منصب وزير الداخلية. واعتبرت الحركة، في بيان، أن الخطوة "مهمة جداً ليس فقط لمستقبل أفغانستان، بل أيضاً لمستقبل العلاقات الأفغانية – الأميركية"، إذ إن سراج الدين حقاني يتمتع بنفوذ واسع في أوساط "طالبان" والأفغان عموماً، كما أنه معروف بمرونته واستعداده للتعامل مع المجتمع الدولي في مختلف القضايا.
محمد ملا عزيزي: الإدارة الأميركية تريد تولي الملا يعقوب وحقاني زمام الحكم
واعتبر عضو اللجنة السياسية في "طالبان" أنس حقاني، وهو شقيق سراج الدين حقاني، في تصريح صحافي أخيراً، أن الخطوة تظهر استعداد واشنطن للتعامل مع الحركة، وهي من المحاور الرئيسية في الاتفاق بين "طالبان" وأميركا في الدوحة في فبراير/شباط 2020.
ورأى بعض المحللين أن أميركا هدفت من إلغاء المكافأة المالية لمن يدلي بمعلومات عن سراج الدين حقاني لاستخدامه هو وتياره المعروف بالمرونة والرغبة في التعامل مع المجتمع الدولي، داخل الحركة، مقابل زعيم الحركة الملا هيبت الله أخوند زاده وتياره المتشدد الذي لا يؤمن بالتعامل مع العالم إلا وفق نظرته الضيقة بشأن مختلف المواضيع، وعلى رأسها تعليم الفتيات وعمل النساء. وكان تلفزيون "أفغانستان إنترناشيونال" نقل عن مصدرين في الحركة، منتصف الشهر الحالي، أن سراج الدين حقاني استقال من منصبه اعتراضاً على سياسات الحركة، إلا أن العضو في "طالبان" عقاب أفغان الحنفي وصف، في تغريدة على منصة إكس، الأنباء عن استقالة سراج الدين حقاني بأنها "معلومات مضللة وكذبة تاريخية".
لقاءات لحقاني مع مسؤولين أميركيين بالإمارات
وقال الأكاديمي الأفغاني محمد ملا عزيزي، لـ"العربي الجديد"، إن إلغاء أميركا المكافأة على رأس سراج الدين حقاني لم يأت من فراغ ومن دون تمهيد وعمل، مشيراً إلى أنه زار مراراً الإمارات ومكث هناك لأسابيع، حيث التقى بمسؤولين أميركيين وإماراتيين. وأوضح أن عدم مكوث سراج الدين حقاني، بعد عودته من الإمارات، في كابول وذهابه مباشرة إلى مسقط رأسه في ولاية خوست جنوب البلاد، بالإضافة إلى عدم مشاركته في كل الاجتماعات التي عقدت في قندهار أو كابول سواء كانت أمنية أو سياسية، تظهر أن واشنطن ترغب في تقوية حقاني للتعامل معه.
واعتبر ملا عزيزي أن الإدارة الأميركية أيقنت أن "طالبان" في ظل وجود الملا هيبت الله أخوند زاده غير مستعدة للتعامل معها، خاصة في بعض القضايا المهمة، و"لهذا فإنها تريد إجراء تغيير داخل الحركة، على أن يتولى التيار الذي يمثله وزير الدفاع الملا يعقوب، نجل الملا عمر، ووزير الداخلية المولوي سراج الدين حقاني ونائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية الملا برادر زمام الحكم". وأوضح أن طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان إصدار مذكرة اعتقال بحق أخوند زاده، يهدف إلى تهميش الزعيم الحالي للحركة.
وأكد أن "أخوند زاده هو العائق الأكبر في وجه تطبيق اتفاق الدوحة"، مشيراً إلى أن الإدارة الأميركية السابقة كانت تتوقع قيام مكتب "طالبان" في الدوحة بتشكيل الحكومة برئاسة الملا عبد الغني برادر، ولكن ما حصل أن زعيم الحركة عين الملا حسن أخوند، أحد المتشددين في "طالبان"، رئيساً للوزراء، بالإضافة إلى تعيين مقربين منه في المناصب المهمة، موضحاً أن "إلغاء أميركا المكافأة المالية تأتي في إطار تقوية تيار يمثله سراج الدين حقاني ووزير الدفاع الملا يعقوب".
لكن المحلل السياسي الأفغاني محمد إدريس كاشف لا يوافقه هذا الرأي. وقال، لـ"العربي الجديد" إنه "مما لا شك فيه أن سراج الدين حقاني يملك نفوذاً كبيراً جداً في أفغانستان، خصوصاً بسبب مواقفه مع القبائل والسياسيين السابقين وقضية تعليم البنات وعمل النساء وحضوره في المهرجانات الشعبية وآرائه في التعامل مع العالم، لكن أي خطوة يقوم بها ضد الملا هيبت الله أخوند لن تلقى قبولاً وسط طالبان، إذ إن الخروج عن طاعة الأمير يعتبر الخطيئة الكبرى". وأضاف: "ما يمكن لأميركا القيام به هو ممارسة ضغط على زعيم الحركة والمقربين منه، من خلال تقوية التيار المرن، وخليل زاد يعرف كيف يفعل ذلك". واعتبر أن العلاقات بين أميركا و"طالبان" تسير بشكل إيجابي، وأن هيبت الله أخوند زاده سيغير رأيه، متوقعاً قيام مسؤولين أميركيين بزيارات أخرى إلى أفغانستان.
محمد إدريس كاشف: أي خطوة يقوم بها حقاني ضد هيبت الله أخوند لن تلقى قبولاً وسط طالبان
في المقابل، بدأت الأنظار تتجه إلى المعارضين لـ"طالبان" لمعرفة موقفهم من أي تقارب بين واشنطن والحركة، فالمعارضون للحركة، سواء في الداخل كجبهة مقاومة بانشير وخارجياً كباكستان، والذين كانوا يتحينون الفرصة لمهاجمتها، بناء على توقعهم بأن ترامب سيكون معارضاً لها، وهو ما ظهر خطأه بزيارة المسؤولين الأميركيين لكابول أخيراً. وقال السياسي نجم سيتي، المقرب من الاستخبارات والجيش الباكستاني، لقناة سماء الباكستانية أخيراً، إن زيارة المسؤولين الأميركيين إلى كابول مؤخراً جاءت بخلاف توقعات باكستان، مضيفاً: "يبدو أن حسابات واشنطن حيال طالبان تختلف عن توقعاتنا، لذا سارع المندوب الباكستاني الخاص لأفغانستان محمد صادق لزيارة كابول، حتى لا نبقى بعيدين عن القضية الأفغانية".
وقال المحلل الأمني الباكستاني شفاعت علي خان، لـ"العربي الجديد"، إن "على باكستان تغيير سياساتها، وألا تراهن دوماً على أميركا. أفغانستان جارة لنا، وعلينا أن نحل مشاكلنا معها، خصوصاً أن العالم أجمع بدأ يتعامل مع طالبان. أميركا لا تريد صراعاً جديداً مع طالبان، ولهذا فإنها ستفتح صفحة جديدة معها، ولكن بحذر وببطء شديد. أخشى أن باكستان ستخسر أفغانستان، وستواجه مشاكل كبيرة أخرى قد تهدد وجودها في المستقبل".