إلغاء دمشق مسار باريس للتفاوض مع قسد: تخفف من ضغط فرنسي؟
استمع إلى الملخص
- رفضت دمشق المشاركة في اجتماعات باريس، مشيرة إلى محاولات فرنسية للضغط لصالح "قسد"، وسط ضغوط تركية لدعم دمشق ضد نفوذ باريس.
- رغم التوترات، لا تشير الوقائع إلى قرب صدام عسكري بين الجيش السوري و"قسد"، مع استمرار الصراع بين فرنسا وتركيا حول النفوذ في سورية.
أعلن مسؤول الشؤون الأميركية في وزارة الخارجية السورية قتيبة إدلبي، أول من أمس الاثنين، إلغاء الحكومة السورية مسار باريس للتفاوض مع "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، مؤكداً في الوقت ذاته بحسب ما نقلت عنه شبكة "رووداو" أن مسار التفاوض بين دمشق و"قسد"، لم يتوقف، وأن الاجتماعات بين الطرفين ستستمر داخل سورية، متحدثاً عن "خطوات" على الأرض "كي تعمل اللجان التقنية بشكل فاعل، سواء في دمشق أو في الحسكة أو في منطقة أخرى من شمال شرقي سورية (حيث تسيطر "قسد" ذات الغالبية الكردية) على البحث في تفاصيل تنفيذ الاتفاق".
وكان من المقرر عقد اجتماعات برعاية فرنسية في باريس خلال شهر أغسطس/آب الحالي، ما بين وفد الحكومة وبين "قسد" و"الإدارة الذاتية" التابعة لها، إلا أنه عقب انعقاد مؤتمر في الحسكة حمل عنوان "وحدة الموقف لمكونات شمال وشرق سورية" (8 أغسطس) وشاركت فيه حوالي 400 شخصية تمثل "الإدارة الذاتية"، قرّرت الحكومة الانسحاب من مسار باريس للتفاوض مع "قسد". وكان المؤتمر دعا إلى ضرورة صياغة دستور ديمقراطي جديد يؤسس لنظام لا مركزي.
مفاوضات مع "قسد" في دمشق
ونقلت وكالة الأناضول التركية في 9 أغسطس الحالي عن مصدر حكومي سوري قوله إن المؤتمر يُعد تصعيداً خطيراً، وسيؤثر على مسار التفاوض الحالي. وفي اليوم ذاته، أكد مصدر في الحكومة السورية لوكالة الأنباء السورية "سانا" أن دمشق لن تشارك في أي اجتماعات مقررة في باريس مع "قسد"، داعياً إلى الانخراط الجاد في تنفيذ اتفاق 10 مارس/آذار الماضي، الذي كان أبرم بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد "قسد" مظلوم عبدي. ودعا المصدر الوسطاء الدوليين إلى نقل جميع المفاوضات إلى دمشق باعتبارها العنوان الشرعي والوطني للحوار بين السوريين، وفق تعبيره. واعتبر المصدر أن المؤتمر يعد تهرباً من تنفيذ استحقاقات وقف إطلاق النار ودمج المؤسسات، واستمراراً في خرق اتفاق مارس، وهو في الوقت ذاته غطاء لسياسات التغيير الديمغرافي الممنهج ضد العرب السوريين، تنفذها من وصفهم بـ"التيارات الكردية المتطرفة".
مؤيد غزلان: فرنسا تدعم الرؤية اللامركزية في سورية
ولم تذهب دمشق بعيداً في ردّ فعلها على عقد مؤتمر الحسكة، حيث لم تعلن توقف التفاوض مع "قسد"، ما يشير إلى أن رفضها الذهاب إلى باريس للتفاوض مع هذه القوات، ليس احتجاجاً على المؤتمر فحسب، بل للتخفيف من محاولات فرنسية محتملة للضغط لصالح "قسد" والتي تحظى بدعم من فرنسا والولايات المتحدة.
وفي هذا الصدد، رأى المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو، أنه ربما كان هناك ضغط تركي لإلغاء اجتماعات باريس، مشيراً إلى أن الضغط التركي "داعم لدمشق"، لكن برأيه فإنه "لا يمكن حصر الأمر في هذا الجانب فقط، إذ إن باريس تريد نفوذاً في سورية وهو ما يتعارض مع رؤية دمشق وأنقرة وعواصم عربية أخرى". وأوضح أن "تركيا تريد حسماً وحزماً في التعامل مع ملف قسد، لاسيما أن واشنطن تضغط كما يبدو على هذه القوات من أجل الاندماج في الدولة".
من جهته، استبعد الباحث السياسي رضوان زيادة في حديث مع "العربي الجديد"، وجود تنافس تركي فرنسي في سورية، معتبراً إلغاء اجتماعات باريس "خطوة موفقة من الحكومة في دمشق". ورأى أن "قسد تريد تحويل مسألة تسليم المحافظات السورية التي تسيطر عليها للدولة إلى مفاوضات حول مستقبل البلاد وشكل الدولة، في سيناريو شبيه بذاك الذي كان بين المعارضة ونظام الأسد في جنيف"، وفق اعتباره. واعتبر أن "الهدف من المفاوضات مع قسد تسلّم (الحكومة) الشمال الشرقي من البلاد، وليس شيئاً آخر، لذا جاء قرار حصر التفاوض في سورية خطوة صحيحة".
في السياق، اعتبر الباحث السياسي مؤيد غزلان في حديث مع "العربي الجديد"، أن "المؤتمر الذي عقد في الحسكة حمل تحديات للوحدة الوطنية وطعن التماسك الوطني فضلاً عن أن البيان الختامي انتهك اتفاق مارس". وتابع: "فرنسا دولة مركزية وتدعم الرؤية اللامركزية في سورية. استقبال وزير الخارجية الفرنسية جان نويل بارو، لوفد من قسد منح هذه القوات صفة لا تملكها وحمل تجاوزاً على علاقاتها المرتقبة مع الحكومة السورية وجعل من باريس وسيطاً غير محايد، لهذا ارتأت الحكومة إلغاء الاجتماعات في باريس". وشدّد على أن الحل لقضية "قسد" يجب أن يكون "وطنياً"، مضيفاً أن "الوساطة بين الحكومة وقسد يجب أن تكون من دول متأثرة من هذه المسألة، سواء من دول الجوار أو من دول تلعب دوراً حيادياً"، وفق رأيه.
وكان الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد "قسد"، وقعا اتفاقاً في 10 مارس الماضي، نزع فتيل حرب كانت مؤجلة، وفتح الباب أمام احتمالات حلّ ملف الشمال الشرقي من سورية الواقع تحت سيطرة "قسد" ويشكل نحو ثلث مساحة البلاد، من دون صدام عسكري. وعقد الجانبان أربع جولات تفاوض لم تفض سوى إلى تفاهمات محدودة حول قضايا ثانوية بينما بقيت الأكثر أهمية معلّقة حتى اللحظة وخصوصاً مصير "قسد" (مسألة الاندماج في الجيش السوري) وشكل الدولة، والدستور المقبل.
الوقائع الميدانية لا تشير إلى قرب حصول صدام بين الجيش و"قسد"
أنقرة تدعم التفاوض بحزم
وربطت "قسد" مصيرها بالملف الكردي في البلاد، وهي تطالب بـ"تحصين" الحقوق الكردية في الدستور المقبل، وتصرّ على اللامركزية السياسية وخصوصاً في المناطق ذات الأكثرية الكردية في ريفي الحسكة وحلب. كما أن هذه القوات لا تزال عند موقفها بالنسبة إلى الدخول للجيش السوري الجديد كتلة واحدة وأن تبقى الجهة المسيطرة على الشمال الشرقي من البلاد. ولكن الحكومة السورية ترفض تكرار نموذج "الدولة داخل الدولة" الذي شهدته دول أخرى، وأثبت فشله، وفق إدلبي، الذي قال أول من أمس، في حديثه التلفزيوني، إن "الاستقرار في سورية لن يتحقق إلا بوجود حكومة موحدة وجيش وطني واحد يشارك فيه الجميع ضمن إطار الدولة".
وتناقلت وسائل إعلام أخيراً أنباء عن استعداد يجري من جانب الحكومة للتعامل مع ملف "قسد" عسكرياً وخصوصاً في محافظتي الرقة ودير الزور، إلا أن الوقائع الميدانية على الأرض لا تشير إلى قرب صدام بين الجانبين الحريصين كما يبدو على عدم الانزلاق إلى مواجهة عسكرية من شأنها تعقيد الأوضاع لا سيما أن أي صدام عسكري من شأنه فتح الباب أمام تدخل إقليمي وخصوصاً من الجانب التركي.
ولم تنقطع تحذيرات أنقرة في الآونة الأخيرة من مغبة عدم اندماج "قسد" في المنظومة العسكرية السورية بشكل يبدد أي مخاوف تركية على الأمن القومي من جانب هذه القوات التي تعدّ بنظر الجيش التركي نسخة سورية من حزب العمّال الكردستاني الذي أعلن حلّ نفسه في مايو/أيار الماضي، منهياً بذلك صراعاً دامياً مع تركيا استمر أكثر من 40 عاماً.
كادار هوزان: القضية السورية باتت مدوّلة، وإلغاء اجتماعات باريس جاء نتيجة ضغط تركي
ويبدي الأتراك رفضاً قاطعاً لوجود أي قوة مسلحة خارج سيطرة الدولة السورية، ولكنهم كما يبدو يعطون دمشق فرصة لحل ملف "قسد" سلمياً وعبر التفاوض على ضوء اتفاق مارس. في المقابل، تتهم "قسد" الحكومة السورية بمحاولة "التنصل من اتفاق مارس"، وفق كادار هوزان مدير مؤسسة "كرد بلا حدود" في باريس الذي أعرب عن اعتقاده في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "دمشق تتخذ من المؤتمر الذي عقد في الحسكة حجة وذريعة للتهرب من الاتفاق".
وتابع هوزان: "هذه حجة واهية لأن الاجتماع في باريس تمّ إقراره قبل عقد المؤتمر"، معرباً عن اعتقاده أن إلغاء اجتماعات باريس "جاء نتيجة ضغط تركي"، إذ إن أنقرة "لا تريد أي دور فرنسي في إيجاد حلول للقضية السورية".
ورأى هوزان أن دمشق "غير جاهزة لأي اتفاق مع قسد، فهي في وضع سياسي متأزم بعد ما جرى في الساحل أو في السويداء". واعتبر أن "الحل يكمن في قدوم وفد الحكومة إلى باريس، فالقضية السورية أصبحت مدوّلة" لافتاً إلى أن "فرنسا تعتبر سورية ولبنان منطقتي نفوذ لها وأي حلول نهائية فيهما يجب أن يكون لها دور فيها فيما تضغط تركيا وتريد فرض أجندتها في سورية". وبرأيه، فإن "هناك صراعاً اليوم بين فرنسا وتركيا في سورية، وعلى السوريين البحث عن حلول لقضاياهم تخدم مصالحهم وليس مصالح الدول الأخرى".