إفشاء مدروس لأسرار الدولة العراقية: تسريب الخطابات الرسمية نموذجاً

إفشاء مدروس لأسرار الدولة العراقية: تسريب الخطابات الرسمية نموذجاً

28 أكتوبر 2020
لا يقتصر الأمر على تسريب المخاطبات الرسمية في المؤسسات الأمنية (مرتضى السوداني/الأأناضول)
+ الخط -

على الرغم من المشاكل الكثيرة التي تسببت بها سابقاً وتعهدات الحكومات العراقية بوقفها، إلا أن ظاهرة تسريب المخاطبات الرسمية ما زالت مستمرة. وطاولت التسريبات المخاطبات التي يفترض أن تتمتع بالسرية، كإعلان حال الاستنفار بين صفوف قوات الأمن، أو محاسبة ونقل ضباط كبار، أو منع سفر مسؤولين، أو ملاحقة شخصيات مهمة متهمة بالفساد، أو إعلان التشكيلة الحكومية قبل وصولها للبرلمان للتصويت عليها. وغير ذلك من المراسلات، التي يؤكد قانونيون أن تسريبها يُعدّ مخالفة قانونية وجريمة جنائية، بغضّ النظر عن أهمية محتواها، سواء كانت تحوي أسراراً أم لا. وبينما يرى سياسيون أن بعض التسريبات مقصود، من أجل منح الجهات المستهدفة أو المعنية ضوءاً أخضر للاحتياط، يتساءل آخرون عن كيفية تسريب الوثائق المهمة، والذي وصل إلى تداول كتب رسمية مهمة مصنفة على أنها محدودة الاطلاع.

أُقصي 12 مسؤولاً وموظفاً في الأسبوعين الأخيرين بسبب التسريبات

في السياق، كشف مسؤول حكومي بارز لـ"العربي الجديد"، إقصاء ما لا يقل عن 12 مسؤولاً وموظفاً في مفاصل حكومية مختلفة قبل نحو أسبوعين، على خلفية تسريب الوثائق ونشرها في مواقع التواصل أو وسائل الاعلام أو تسريبها لجهات معروفة. وقد استفادت هذه الجهات منها لترتيب أوضاعها أو اتخاذ خطوات استباقية لحماية نفسها، كما في ملف صدور أوامر اعتقال من قبل لجنة مكافحة الفساد وعملية البصرة الأمنية الأخيرة. ونوّه المسؤول إلى إعطاء توجيهات تشدّد على ضرورة محاسبة المتسببين بتسريب الكتب الرسمية المهمة، جهات كانوا أو أشخاصا، متهماً الدولة العميقة والمحاصصة الحزبية داخل دوائر ومؤسسات الدولة المهمة والعليا، بالوقوف وراء تلك التسريبات التي لن تتوقف حتى يتم القضاء عليها. وأوضح أن القوانين تحاسب الأشخاص المتواطئين من داخل المؤسسات لتسريب الوثائق الرسمية، وكذلك الجهات التي تقوم بتداولها لتحقيق غايات سياسية، ومَن تمّ إقصاؤهم أُحيلوا للقضاء. وللأسف فإن محاولة محاربة الظاهرة قد تتطلب تغيير مفاصل كاملة بالدولة وبناءها بشكل صحيح. بدورهم، كشف برلمانيون أن تسريب الوثائق الرسمية، وصل إلى مرحلة إفشاء الأسرار.

 

في هذا الإطار، أشار عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان كاطع الركابي، إلى أنه تم توجيه وزيري الدفاع جمعة عناد والداخلية عثمان الغانمي، بملاحقة ومحاسبة الأشخاص الذين يحاولون إفشاء الأسرار ونشر المعلومات والوثائق التي تصنّف على أنها سريّة. وأوضح في إيجاز صحافي أن لجنة الدفاع والأمن ناقشت معهما مسألة انتشار مثل هذه الوثائق على مواقع التواصل الاجتماعي. ولفت إلى وجود سؤال يدور في أذهان الكثيرين هو: "كيف ولماذا يتم تسريب الوثائق السرية بهذا الشكل، وفي هذه الأيام بالذات؟"، منوّهاً إلى أن "الأمر وصل إلى حد تداول كتب سرية ومصنفة على أنها محدودة الاطلاع، وحتى من بعض المؤسسات الأمنية الحساسة".

عضو آخر في البرلمان عن لجنة النزاهة قال لـ "العربي الجديد" إن الأمر لا يقتصر على تسريب المخاطبات الرسمية في المؤسسات الأمنية وحدها، موضحاً أن هذه الظاهرة تؤثر على عمل النزاهة وملاحقة الفاسدين في العراق. ولفت إلى أنه تمّ تداول كتب رسمية تشير إلى قرب محاسبة مسؤولين وسياسيين متهمين فاسدين ومنع سفر آخرين، سيمنحهم فرصة للاختباء أو الهروب إلى خارج البلاد. وتساءل عما إذا كان الأمر عبارة عن سياسة حكومية مقصودة لإخافة الفاسدين من دون محاسبتهم، أم أن هناك بالفعل من يمتلك القدرة على اختراق مؤسسات الدولة المهمة، والوصول إلى مراسلاتها التي يتمتع بعضها بدرجة عالية من السرية؟

تؤثر التسريبات على ملف مكافحة الفساد في العراق

بدوره، رفض عضو مجلس النواب السابق مظهر الجنابي، ظاهرة تسريب الكتب الرسمية، التي يتضمن بعضها إجراءات لمحاسبة الفاسدين، مؤكداً لـ "العربي الجديد" أن التهديد والوعيد أمر غير صحيح. واعتبر أن "اتخاذ القرار الشجاع هو الصحيح"، وأن "ظاهرة تسريب المخاطبات الرسمية غير صحيحة وغير منتجة، وتمثل ضوءا أخضر للمطلوبين للهروب".

من جهته، اعتبر الخبير القانوني طارق حرب، أن تسريب الكتب الرسمية غير جائز بغض النظر عن المعلومات التي تحتويها، مؤكداً في حديثٍ لـ "العربي الجديد" وجود قوانين تمنع ذلك. ولفت إلى أن قانون العقوبات العراقي يمنع تسريب الكتب الرسمية ما لم يكن هناك موافقة تحريرية من الجهة التي صدر منها الكتاب. وشدّد على أن التسريب يمثل مخالفة إدارية، والفعل يُعدّ "جريمة جنائية بصرف النظر عن المحتوى، هل هو سر؟ هل هو بالغ السرية؟ هل هو غير ذلك؟".
وكان البرلمان العراقي قد صوّت عام 2016 على قانون "الحفاظ على الوثائق" بهدف المحافظة على الوثائق التي تعود لمؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية. وصنّف القانون الوثائق في 3 خانات: "الوثائق العامة التي يمكن للجميع الاطلاع عليها، والوثائق الخاصة التي لا يمكن الاطلاع عليها إلا بموافقة الجهات المعنية، والوثائق السرية التي لا يمكن الاطلاع عليها بسبب مساسها بأمن الدولة".

وسبق أن قرر مجلس القضاء الأعلى العام الماضي، محاسبة الموظف الذي يقوم بنشر الكتب الرسمية في مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكداً أن المحاسبة ستشمل الموظفين الذين يقومون بنشر ما يطلعون عليه بحكم وظيفتهم. ولفت مجلس القضاء إلى أن ذلك يعد سلوكاً غير لائق يحاسب عليه القانون، وفقاً لأحكام وردت في قانون العقوبات العراقي.

يُذكر أن تسريب الوثائق الرسمية في المؤسسات العراقية ليس أمراً جديداً، إذ قررت الحكومة العراقية عام 2013 منع تسريب أي وثيقة رسمية لجهات غير رسمية أو نشرها عبر وسائل الإعلام وخصوصا المرئية منها. واعتبرت أن ذلك يسيء لسمعة الدولة والحكومة، ورأى رئيس الوزراء في ذلك الحين نوري المالكي، أن مسؤولية تلك الوثائق ومنع تسريبها، تقع على عاتق المسؤول الإداري الذي يتعرض للعقاب.

المساهمون