إغراءات مالية إسرائيلية للالتفاف على تبادل الأسرى

26 نوفمبر 2024
تظاهرة في تل أبيب مطالبة بصفقة تبادل، 30 مارس 2024 (جاك غيز/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعثّر المفاوضات: ملف تبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل يواجه تعثراً رغم الوساطات الدولية، مع إفشال نتنياهو عدة مقترحات لإنهاء الحرب وصفقة التبادل.

- استراتيجيات الأطراف: حماس تحتفظ بالعدد الأكبر من الأسرى، بينما يستخدم الاحتلال الضغط العسكري والإغراءات المالية لاستعادتهم، مع رفض المقاومة لهذه الإغراءات.

- تداعيات وتوجهات نتنياهو: إعلان الإغراءات المالية يعكس عجز الاحتلال عن استعادة الأسرى عسكرياً، مع رهانه على الفتنة الداخلية، بينما تُطالب المقاومة بالتوعية والتعاون الشعبي.

لا يزال ملف تبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل متعثراً منذ أكثر من عام، رغم جولات التفاوض المتكررة بالوساطة القطرية المصرية الأميركية. وأفشل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو عدة مقترحات من أجل إنهاء الحرب في قطاع غزة والتوصل لصفقة تبادل أسرى بين الطرفين. وأسرت المقاومة الفلسطينية، في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، نحو 255 إسرائيلياً، استعاد الاحتلال جثث عدد منهم بالإضافة لنحو خمسة أسرى أحياء في عمليتين عسكريتين منفصلتين في رفح والنصيرات، جنوبي القطاع ووسطه، وآخرين بعملية تبادل جرت على دفعات في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023.

وتحتفظ حركة حماس عبر ذراعها العسكرية، كتائب القسام، بالعدد الأكبر من الأسرى، فيما تحل حركة الجهاد الإسلامي ثانية، وقد نشرت الأخيرة مقطعين مصورين أخيراً لأحد الأسرى الإسرائيليين يدعو لسرعة الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين. ويستخدم الاحتلال، منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، أساليب عدة أملاً في استعادة أسراه، لعل من أبرزها الضغط العسكري لإبرام صفقة تبادل الأسرى الذي كان أعضاء الائتلاف الحكومي يتحدثون عنه باستمرار في الشهور الأولى من الحرب. لتظهر بعد ذلك الأساليب الدعائية القائمة على التحريض وتقديم الإغراءات المالية للفلسطينيين مقابل معلومات عن صور بعض الأسرى عبر منشورات تلقيها الطائرات الإسرائيلية في مناطق يلجأ إليها المهجرون الفلسطينيون في القطاع.

ويضع الاحتلال في هذه المنشورات الورقية أو حتى عبر منصات التواصل الاجتماعي إغراءات مالية تصل إلى 100 ألف دولار أميركي مقابل أي معلومة عن المحتجزين الإسرائيليين أو أماكن وجودهم ووجود المجموعات الآسرة لهم، مع تقديم وعود بالإجلاء من القطاع. وخلال الفترة الأخيرة ظهر نتنياهو من جديد في محور نتساريم، وسط قطاع غزة، معلناً هذه المرة وبصورة علنية عن وعود مالية بقيمة خمسة ملايين دولار أميركي لكل من يسلم محتجزاً، في إشارة إلى أن عرضه مقدم للمجموعات التابعة للمقاومة التي تتولى عمليات إخفاء المحتجزين والاحتفاظ بهم منذ بداية الحرب على القطاع.

وفي ظل غياب الحديث عن صفقة تبادل الأسرى والمحتجزين، يعتبر هذا الحديث هو الأول من نوعه الذي يعلن نتنياهو عنه بصورة واضحة، غير أن اللافت أنه يتزامن مع تعثر شديد في المفاوضات والوساطات العربية والدولية في الوصول إلى صفقة تنهي الحرب وتبرم صفقة تبادل. وعلقت دولة قطر الوساطة أخيراً في ظل عدم وجود جدية من قبل الأطراف المعنية في الوصول إلى اتفاق كما قالت، وحالة المراوحة منذ شهور في مختلف جولات التفاوض التي عقدت في الدوحة والقاهرة وباريس وغيرها من العواصم أملاً في الوصول إلى صفقة.

في المقابل، فإن توجه نتنياهو قد يكون بمثابة إغلاق لباب التفاوض الكامل مع حركة حماس لإبرام صفقة تبادل الأسرى في المنظور القريب ومحاولة للبحث عن وسائل وأدوات لا تمكّن الحركة من إبرام صفقة تبادل تجبر فيها الاحتلال على تلبية مطالبها، المتمثلة في الانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع ووقف العدوان والوصول إلى صفقة تبادل أسرى. وكان القائم بأعمال رئيس حركة حماس في قطاع غزة خليل الحية قد قال في مقابلة مع قناة الأقصى التابعة للحركة، قبل أيام، إنه "لن تكون هناك صفقة تبادل أسرى وسجناء مع إسرائيل إلا بعد انتهاء الحرب في القطاع". وأضاف أنه "دون وقف الحرب، لا يوجد تبادل أسرى، فهي معادلة مترابطة. نحن نقول بكل وضوح: نريد أن يتوقف هذا العدوان، ويجب أن يتوقف أولاً لكي يتم أي تبادل للأسرى".

أبعاد الالتفاف على صفقة تبادل الأسرى

يرى الخبير الأمني والعسكري أسامة خالد أن إعلان نتنياهو الأخير يأتي في سياق "المناورة السياسية التي يمارسها داخلياً أمام عائلات المحتجزين وأمام خصومه بالمعارضة الإسرائيلية الداخلية، وهروباً من حالة المزاودة التي يتعرض لها بشأن صفقة أسرى مع حماس". ويقول في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "⁠الواقع الأمني والعسكري على حاله، من وجود عسكري في الشمال والوسط والجنوب من قطاع غزة، مع ممارسة دائمة للضغط العسكري على حاضنة المقاومة الشعبية في المناطق السكنية المكتظة وفي أماكن النزوح، لإخضاع المقاومة لشروط محددة، جميعها تعني استسلام المقاومة".

أسامة خالد: المقاومة تصر على إنجاز صفقة سياسية شاملة

ويضيف خالد أن "المقاومة ترفض هذه الشروط وتصرّ على إنجاز صفقة سياسية شاملة ومشرّفة توقف الحرب وتنهي معاناة الشعب الفلسطيني المتفاقمة، وهو ما يظهر في أداء المقاومة في شمالي القطاع وعملياتها النوعية في هذه المنطقة، رغم الإبادة المستمرة فيها منذ أكثر من 50 يوماً". وباعتقاده، فإن ⁠"الإغراءات الإسرائيلية تأتي في إطار محاولة نتنياهو الهروب من أي استحقاق قد يفرض عليه التنازل ووقف الحرب والاستجابة لشروط المقاومة، ولذا ذهب إلى العروض المالية التي أثبت الواقع أن حاضنة المقاومة أوعى من أن تقع فريسة هذه الإغراءات".

ويشدّد خالد على "حالة الفشل العسكري لدى الاحتلال في استرجاع أسراه بالقوة والضغط على المقاومة طوال أكثر من 400 يوم من الحرب"، معتبراً أن "مثل هذه الإغراءات لا تفت في عضد المقاومة، خصوصاً أنها عاشت تجارب عديدة وسابقة بهذا الصدد، وخاضت صراع أدمغة طويل مع جيش الاحتلال وأجهزته الاستخباراتية". وخلال فترة أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، عام 2006، اتبع الاحتلال الإسرائيلي الأسلوب ذاته، إذ قدم إغراءات مالية مقابل أي معلومات عنه، فيما انتهج الضغط العسكري والسياسي على مدار فترات طويلة من أسره الذي استغرق خمس سنوات.

تداعيات توجه نتنياهو

يقول الباحث في الشأن السياسي ساري عرابي إن توجه نتنياهو "له مجموعة من الدلالات، لعل من أهمها أن الإسرائيليين عاجزون عسكرياً واستخباراتياً عن الوصول لبقية الأسرى الموجودين لدى المقاومة في غزة". ويوضح في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "من الدلالات الأخرى أن الطرف الإسرائيلي ليس لديه استعداد للذهاب إلى صفقة تكون مقبولة من قبل حركة حماس بحيث تتضمن وقف العدوان الإسرائيلي والانسحاب الشامل منه". بالإضافة إلى الدلالة الأخرى المتمثلة في أن "الاحتلال يفكر في استمرار سيطرته على القطاع في ظل الحديث الرسمي المتواصل عن تدمير القدرات السلطوية للحركة وتفكيكها وتدميرها والقضاء عليها، وهو ما يتطلب أطول فترة زمنية ممكنة من البقاء العسكري في غزة".

ساري عرابي: الاحتلال يراهن على الفتنة الداخلية وعلى زرع المزيد من العملاء 

ويشير عرابي إلى أن "الاحتلال يراهن على الفتنة الداخلية وعلى زرع المزيد من العملاء والمتخابرين معه من خلال سيل الأزمات والضغط، إلى جانب الإغراءات التي يسعى لتقديمها لتسليم أسرى (إسرائيليين) أو تقديم معلومات عنهم". ويلفت إلى أن "كل الدلالات منسجمة مع خطاب نتنياهو الأخير في الكنيست الإسرائيلي بأنه يجري البحث عن بدائل أخرى لاستعادة الأسرى الإسرائيليين من القطاع في ظل تعثر المفاوضات مع المقاومة في غزة". ويوضح عرابي أن "هذه الحلول التي يقصدها نتنياهو تتمثل في الإغراءات المالية"، مضيفاً أنه "في المقابل، فإن المقاومة مطالبة باتخاذ سلسلة من الإجراءات للتعامل مع هذا الأمر من خلال التوعية والتعاون مع الحواضن الشعبية لضمان عدم تحقيق الاحتلال حالة الانفجار المجتمعي ضد المقاومة، والتصدي لكل محاولات زعزعة الاستقرار الداخلي للجبهة الفلسطينية في القطاع".

المساهمون