إعادة بناء جيش وطني سوري... تحدي إنهاء الفصائلية وجمع السلاح

26 ديسمبر 2024
مسلحون في دمشق، 24 ديسمبر 2024 (عمر حج قدور/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه السلطة الجديدة في دمشق تحديات كبيرة في تشكيل جيش وطني موحد بسبب الحالة الفصائلية ومصير ضباط الجيش السابق، مع تباين في مواقف الفصائل حول تسليم السلاح.
- على الرغم من التوافق المبدئي، ترفض بعض الفصائل في السويداء ودرعا تسليم سلاحها، مشيرة إلى ضرورة بناء جيش وطني قبل ذلك، مع قلق من عمليات نهب.
- يرى الخبراء أن تشكيل الجيش يتطلب إعادة هيكلة ودمج جميع القوى، مع تحديات في التسليح، لكن هناك تفاؤل بإمكانية تشكيل جيش موحد بدعم إقليمي ودولي.

تقف تحديات وعوائق متعددة أمام السلطة الجديدة في دمشق، لجهة إعادة بناء جيش وطني سوري للبلاد، لعل أبرزها الحالة الفصائلية التي ظلت لسنوات طويلة عنواناً واضحاً للمشهد السوري المعارض قبيل إسقاط النظام فجر الثامن من ديسمبر/كانون الأول الحالي، بالإضافة إلى شروط وضعتها بعض المجموعات لتسليم أسلحتها والانضواء في الجيش. كما تبرز معضلة التعامل مع  مصير ضباط وصف ضباط عناصر الجيش السوري، وخاصة المتطوعين منهم، وما إذا كان سيتم دمجهم في الجيش المزمع تشكيله من إدارة العمليات العسكرية أم الاكتفاء بتسريحهم. ومن شأن هذه التحديات أن تؤدي دوراً حاسماً في إعادة بناء الجيش الوطني والإشراف على جمع السلاح، بما في ذلك من الفصائل المقاتلة، ودمج عناصرها في إطار الجيش الوطني الجديد، خصوصاً بعد ما رافق الساعات الأولى من دخول دمشق، وما ظهر من حرص لدى فصائل ناشطة في محافظة درعا في جنوب البلاد، على أن تكون أول الواصلين إليها.

ويبدو أن السلطة الجديدة بقيادة أحمد الشرع تضع في رأس الأولويات تشكيل جيش وطني سوري واحد وموحد، يضم كل الفصائل الثورية في البلاد، لذا عقد الشرع الثلاثاء الماضي اجتماعاً موسعاً ضم أغلب قادة هذه الفصائل. وأعلنت "إدارة العمليات العسكرية" في سورية أنه جرى التوافق على حلّ جميع الفصائل العسكرية استعداداً لدمجها تحت مظلة وزارة الدفاع في الحكومة السورية، لكنها لم تحدد أي مواعيد للخطوة. كما أن صدور قرار بتعيين وزير للدفاع كان لا يزال حتى مساء أمس مؤجلاً على الرغم من التسريبات في الأيام الأخيرة، ما يعزز الاعتقاد بعدم وجود توافق حول هوية الشخص الذي ستوكل إليه هذه المهمة.

ونفت مصادر مقربة من الإدارة لـ"العربي الجديد" الأنباء التي تداولها البعض عن رفض فصائل تسليم سلاحها، مؤكدة أن الجميع "وافق على تشكيل جيش وطني سوري واحد وموحد"، مضيفة: ولكن هناك نقاش يجري الآن حول آليات التسليم. وأكد أحمد رزق قائد، حركة نور الدين الزنكي (أحد الفصائل المعارضة) المشاركة في عملية "ردع العدوان"، أن جميع فصائل المعارضة ستصبح ألوية وفرقا ضمن وزارة الدفاع التي تعاد هيكلتها. وأضاف، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن جميع الأسلحة لدى الفصائل ستُسلم، وتكون تحت مظلة وزارة الدفاع.

رافضون لتسليم الأسلحة

لكن سرعان ما بدأت تظهر للعلن مواقف رافضة لمبدأ تسليم السلاح للسلطة الجديدة في دمشق، فيما شكت قوى من تهميشها بما في ذلك الفصائل المنضوية في الجيش الوطني المعارض المدعوم من تركيا، والمنشقون عن الجيش السوري منذ بدء الثورة، فضلاً عن تجاهل "قوات سوريا الديمقراطية". كما يُنظر بقلق إلى موقف فصائل من درعا، خصوصاً تلك التي يقودها أحمد العودة الذي كان يُنظر إليه على أنه "رجل روسيا" في محافظة درعا، والذي غاب عن الاجتماع الأخير بين الفصائل والشرع. وكان العودة خاض ما يشبه السباق للوصول مع مقاتليه إلى دمشق.  واُتهمت بعض  الفصائل والمجموعات التي وصلت من درعا بالقيام بعمليات نهب لمراكز حكومية ومؤسسات أمنية وخدمية. 

وأوضح سالم تركي العنتري قائد "جيش سوريا الحرة"، الذي ينشط في البادية بدعم من التحالف الدولي، في تصريحات صحافية، أن فصيله لم يتلق دعوة لحضور الاجتماع مع الشرع، مستدركاً بالقول: يجب أن تجتمع الفصائل تحت إدارة واحدة.

مصطفى فرحات: هناك العديد من القوى العسكرية، وبقايا فلول النظام، سيرفضون تسليم السلاح

وفي الشمال الشرقي من البلاد هناك "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) التي لم توجه لها الدعوة حتى اللحظة للانخراط في مشاورات تشكيل الجيش السوري، وكان المسؤول في "الإدارة الذاتية" الكردية فنر الكعيط كشف، أخيراً، عن شروط "قسد" للانضمام إلى السلطة الجديدة، موضحاً أن "الإدارة الذاتية" تريد "خطوطنا الوحيدة الحمر – نبحث عن سورية ديمقراطية، سورية لا مركزية، سورية تمثل جميع السوريين بكافة طوائفهم ودياناتهم وأعراقهم". وأضاف أن "قوات سوريا الديمقراطية" ستكون "نواة للجيش السوري الجديد".

بموازاة ذلك، أعلنت "حركة رجال الكرامة"، أكبر الفصائل في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، الثلاثاء الماضي على لسان قائدها يحيى الحجار أن "سلاحنا ليس للتسليم" مضيفاً: "حين يُبنى جيش وطني سوري ننخرط فيه، ونخبّئ سلاحنا إلى حين الحاجة إليه، فسلاحنا قمحنا وليس للتسليم مطلقاً". وتشير هذه الخطوة إلى أن البعض في محافظة السويداء ينظر بعين القلق إلى الواقع الجديد في سورية ويخشى من تبعات تسليم السلاح على مستقبل منطقته. بيد أن مصادر محلية في السويداء أكدت أن قطاعاً واسعاً من الشارع في المحافظة يريد دولة ديمقراطية، مع جيش وطني سوري واحد.

كما تواجه السلطة الجديدة تحديا كبيرا، إذ إنه لم يتضح بعد مصير ضباط وصف ضباط عناصر الجيش السوري، وخصوصا المتطوعين منهم، وما إذا كان سيتم دمجهم في الجيش المزمع تشكيله من إدارة العمليات العسكرية، التي كانت فتحت، خلال الأيام الماضية، باب التسويات المؤقتة أمامهم، والتي تقدم لها الآلاف. وتتضمن التسوية تسليم ما لديهم من سلاح مقابل الحصول على بطاقة مؤقتة مدتها ثلاثة أشهر، تتيح لهم التنقل في البلاد وتعفيهم من المساءلة خلالها. ولا يوجد أرقام يمكن الركون إليها لعدد قوات النظام المخلوع، سواء المتطوع أو الذي يؤدي الخدمة الإلزامية، وخاصة أن عدداً كبيراً من الضباط يرفضون حتى اللحظة تسليم سلاحهم. وكان عدد كبير منهم شارك أو اتهم بالمشاركة في عمليات إبادة ومجازر خلال سنوات الثورة، ومصيرهم مرهون بتقديمهم للمحاكمة.

 

وقدر الخبير العسكري العميد المنشق مصطفى فرحات عدد قوات النظام المخلوع بنحو 70 ألفاً ما بين ضابط وصف ضابط وعنصر، من بينهم نحو 35 ألف متطوع. وأشار، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن أغلب المتطوعين "ملوثة أياديه بالدماء لذا عودتهم إلى الجيش مستحيلة"، مضيفاً أن "القادة الكبار سيتعرضون للمحاكمة بالتأكيد". وتابع: من لم يشارك في المجازر وعمليات الإبادة ولم يكن له علاقة بما جرى في البلاد، يمكن منحه تعويضا ماليا أو نقله إلى وظائف مدنية.

وبنظرة على الحالة الفصائلية التي بدأت مبكراً في سورية بدءا من العام 2012، يظهر أن هناك العديد من الفصائل والتشكيلات والمجموعات و"الجيوش" الموزعة اليوم في كل أرجاء البلاد. وأكبر هذه الفصائل وأقواها حالياً هيئة تحرير الشام التي تقود غرفة العمليات العسكرية، التي أسقطت النظام خلال 11 يوماً في عملية "ردع العدوان". وفي هذه الغرفة هناك "الجبهة الوطنية للتحرير" التي تضم فصائل الشمال الغربي من سورية، وأبرزها "فيلق الشام". كما أن هناك "الجيش الوطني السوري" المعارض الذي تشكل في العام 2017، ويضم أغلب فصائل الشمال، التي لم تستطع تجاوز حالة الفصائلية.

وبيّن الباحث المواكب للحالة الفصائلية في سورية وائل علوان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هناك توافقاً أولياً على بناء دولة جديدة في سورية من قبل جميع الفصائل، مضيفاً: وحدها "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) خارج هذا التوافق. وتابع: كل الفصائل موافقة على مبدأ تسليم السلاح والاندماج في جيش واحد، ولكن هناك فصائل لم تحضر الاجتماع وتريد مناقشة الآليات. أعتقد أننا بحاجة إلى مزيد من الوقت لترسيخ الثقة بشكل أعمق.

تحديات كبيرة تواجه تشكيل جيش وطني سوري

من جهته، رأى الخبير العسكري العميد مصطفى فرحات أن السوريين أمام "تحديات كبرى، وأبرز تحدٍ إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية"، مشيراً إلى أن "عدد العسكريين المنشقين عن قوات النظام من ضباط يفوق الخمسة آلاف ضابط وصف ضابط ينتظرون الإنصاف من الإدارة الجديدة". وبيّن، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن في البلاد العديد من القوى العسكرية، وبقايا فلول النظام، خاصة من مرتكبي الجرائم الذين سيرفضون تسليم السلاح، ناهيك عن السلاح المنفلت عند الناس في ظل انهيار الدولة، موضحاً أن "هذه تحديات أمام تشكيل جيش وطني سوري يحمي الدستور الذي يمثل إرادة الشعب". ورأى أنه "إذا كان هناك إرادة إقليمية ودولية سوف تتعافى سورية سريعاً وسيتم تشكيل مؤسسة عسكرية وطنية تضم الجميع بما فيهم قسد، لأنه لن يكون هناك سلاحان في البلاد أبدا"، مضيفاً: لدينا ضباط مختصون بالتنظيم والعقيدة العسكرية، وأمام الجيش المقبل تحدي التسليح، فالطيران وأغلب مقدرات الجيش مدمرة". وأعرب عن اعتقاده أن "مهمة تشكيل جيش وطني سوري ليست مستحيلة"، متوقعا أن "نرى في مارس/آذار المقبل جيشاً سورياً واحداً".

فايز الأسمر: تشكيل جيش موحد يحول دون حدوث صراع على السلطة مستقبلاً بين الفصائل

وفي السياق، رأى المحلل العسكري العقيد فايز الأسمر، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "هناك صعوبات كثيرة في تشكيل الجيش الموحد"، موضحاً أن "التفكير بالعقلية الفصائلية طيلة 13 سنة يختلف اختلافاً كبيراً عن التفكير بعقلية الجيش المتكامل". وأوضح أن "الفصائل فيما مضى كانت تعتمد على الأعمال البرية فقط، وفي الغالب على الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقليل من الأسلحة الثقيلة، أما الجيش فهو مؤسسة كبيرة تتألف من القوات البرية والبحرية والجوية". ودعا إلى تولي ضباط مختصين وأكاديميين عسكريين الإشراف على هذه القوى والإدارات للوصول إلى جيش سوري احترافي.

وبين أنه بعد تدمير إسرائيل لأغلب قدرات سورية العسكرية بعد سقوط الأسد "سيكون هناك صعوبات في تسليح الجيش، متسائلاً "هل ستسمح إسرائيل بتسليح هذا الجيش بأسلحة استراتيجية أم سيقتصر التسليح على الأسلحة التقليدية الدفاعية". ورأى الأسمر أن تشكيل جيش سوري واحد موحد في البلاد "يحول دون حدوث صراع على السلطة مستقبلاً بين الفصائل"، مشيراً إلى أن الجانب التركي يشجع ويدعم الإدارة الجديدة، وستدفع أنقرة الفصائل المرتبطة بها إلى تسليم السلاح للإدارة الجديدة والاندماج مع الجيش الجديد". وأعرب الأسمر عن اعتقاده أن أحداً من قادة الفصائل لن يكون بمقدوره الوقوف في وجه الإدارة الجديدة، مضيفاً: سيتم القضاء على أي فصيل لا ينخرط في مؤسسة عسكرية واحدة موحدة لكل التشكيلات العسكرية الموجودة اليوم في سورية، وخاصة أن هناك إرادة إقليمية وراء هذا التوجه، على حد وصفه.

المساهمون