يبدو أن حالة النواب في ليبيا ستتحول إلى ظاهرة تستحق الدراسة، والبحث عن حلول جذرية لها، قبل حلول موعد الانتخابات التشريعية المقررة في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل، وذلك استدراكاً للوضع، وحتى لا تتم إعادة إنتاج الحالة ذاتها. تلك الجهة، أي مجلس النواب، المنوط بها التشريع ومحاسبة الحكّام ومراجعة عملهم، تحولت إلى عكس مهمتها. فالنواب الليبيون هم رهن مواقف حكّام الأمر الواقع، من عسكريين ومسلحين و"بارونات" المال العام، ومَن ذهب إلى حلّ للأزمة المتراكمة، طلب منه كلّ فريق أن يكون الحلّ موافقاً لرغبات ومصالح حليفه، وإلا فلن تتم شرعنته والمصادقة عليه.
من مظاهر غرابة الحياة البرلمانية الليبية، إصرار أعضائها على البقاء في المشهد بأي شكل. فمقابل ذهاب النواب المنتخبين عام 2014 إلى الاجتماع في مدينة طبرق، شرق البلاد، للحفاظ على مكسب انتخابهم والبقاء في المشهد، رغم حكم القضاء بعدم دستورية اجتماعاتهم في تلك المدينة، عاد النواب في البرلمان السابق (المؤتمر الوطني العام)، رغم انتهاء ولايتهم، للتموضع في المشهد السياسي مجدداً، ضمن مسارات الحلّ التي انتهت في الصخيرات المغربية، نهاية عام 2015. وجاء ذلك في شكلٍ برلماني جديد، ضمن المجلس الأعلى للدولة، استنساخاً لتجارب دول تعيش حالة استقرار تام، في مظهرٍ آخر من مظاهر الإصرار على البقاء.
ورغم قراءة المراقبين لوجود مجلس الدولة، كآلية لموازنة قرارات مجلس النواب، وعدم احتكار الأخير للقرار في حالة الصراع، كون مجلس النواب غرفة استشارية، إلا أن السنوات التي تلت هذا الحلّ أثبتت أن البرلمانات الليبية شديدة الانشطار، وساهمت في عرقلة أي حل، بل أي مبادرة تذهب إلى إنتاج تسوية أو مقاربة للحل.
وفي الحالة الراهنة، ورغم مشاركة البرلمانيين في طرابلس وطبرق، ومجلس الدولة أيضاً، في ملتقى الحوار السياسي، عبر ممثلين لهم شاركوا في إنتاج أول سلطة موحدة بعد ست سنوات من الانقسام، لا تزال مخرجات ملتقى الحوار وسلطته الموحدة تواجه تحدي البرلمانيين مجدداً. ويأتي ذلك في شكل جديد من أشكال إعاقة الحياة السياسية، وتحديداً الصراع على رئاسة مجلس النواب، ضمن تداعيات الصراع السياسي والعسكري السابق.
وتكشف تدوينة لأحد النواب عن عسر أزمة مجلس النواب، بعدما أكد النائب عبد السلام نصية أن الحكومة الجديدة تتعرض للابتزاز من قِبل طيفٍ نيابي، طلب من رئيس الحكومة الجديدة عبد الحميد الدبيبة، القبول ببعض المقربين من طيف سياسي مُعيّن في الحقائب الوزارية الجديدة، مقابل منح حكومته الثقة.
قد يطرح خيار ذهاب رئيس الحكومة الليبية الجديدة إلى ملتقى الحوار السياسي لتقديم تشكيلته الوزارية بهدف منحها الثقة، حلاً، لكنه لن يكون أكثر من حل مؤقت سيُمكّن الحكومة من العمل، كما مكّن تفويض 100 نائب من مجلس النواب، في العام 2016، حكومة الوفاق من العمل، لكنها تحولت مع الوقت إلى طرف أساسي في الصراع الدامي.
من مهام السلطة الجديدة، مع مؤسسات المجتمع المدني والنشطاء، معالجة ظاهرة الحياة البرلمانية في ليبيا، قبل الوصول إلى الانتخابات المقبلة، تلافياً لتكرار الحالة.