إصلاحات الأردن: لجنة تحديث المنظومة السياسية بمهمة متواضعة

الإصلاحات في الأردن تراوح مكانها: لجنة تحديث المنظومة السياسية بمهمة متواضعة

24 يونيو 2021
لم تتجاوز المشاركة في الانتخابات الأخيرة 30% (خليل مزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -

تلقى المواطن الأردني، خلال السنوات الماضية، الكثير من الوعود الرسمية بالإصلاح السياسي، مع تشكيل السلطات الكثير من اللجان لأجل هذا الهدف، من دون أن يلمس أي مردود لها، لجهة تحسين الأوضاع على مختلف الصعد، السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها. وجاء ذلك منذ تشكيل لجنة الميثاق الوطني (1990)، مروراً بلجان الهيئة الوطنية والأجندة الوطنية والحوار الوطني، واللجنة الوطنية لتعزيز مفهوم النزاهة، وصولاً اليوم إلى تشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية في البلاد، والتي تؤكد عوامل ووقائع عدة أخيراً أنها تواجه خللاً كبيراً.

مهمة اللجنة إخراج توصيات تمثّل جزءاً فقط من عملية الإصلاح الشامل، ولا تشمل الحريات

ووجّه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، في 10 يونيو/حزيران الحالي، رسالة إلى رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي، عهد إليه فيها برئاسة اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، والتي حُدّدت مهامها بـ"تحديث المنظومة السياسية"، من خلال 3 قوانين أساسية ناظمة للحياة السياسية، تتعلق بالانتخاب والحياة الحزبية واللامركزية والتعديلات الدستورية ذات الصلة. ويعني ذلك أن اللجنة، منوطة بإخراج توصيات تمثّل جزءاً فقط من عملية الإصلاح الشامل، ذلك أن الإصلاح المطلوب يتعدى عمل اللجنة ليُعالج قضية الحرّيات في الأردن التي تراجعت أخيراً بشكل كبير، ومواضيع الإصلاح الاقتصادي والإداري ومحاربة الفساد.

اليوم، لا يمكن إغفال أهمية الإصلاح السياسي في الأردن، بعد "قضية الأمير حمزة" (الأخ غير الشقيق لملك الأردن)، والتي تجري حالياً محاكمة المتهمين فيها. وبدأت فصول هذه القضية، المعروفة باسم قضية "الفتنة"، عندما اعتقلت الأجهزة الأمنية رئيس الديوان الملكي الأسبق باسم عوض الله، والشريف حسن في أوائل إبريل/ نيسان الماضي، فيما تم التعامل مع ولي العهد السابق، الأمير حمزة، داخل العائلة المالكة، بسبب ما قيل إنه مؤامرة تهدف إلى زعزعة الاستقرار في البلاد. وتلا ذلك فصل النائب أسامة العجارمة من البرلمان على خلفية "تصريحات مسيئة"، ما لحقه توتر بين قوات الأمن ومؤيدي الأخير.
وكشفت هذه القضايا عن وجود خلل واضح في المنظومة السياسية في البلاد. وجاء ذلك بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة، التي جرت في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ولم تتجاوز المشاركة الشعبية فيها نسبة الـ30 في المائة، فيما اقتصرت أعداد مقاعد الأحزاب في البرلمان على 12 مقعداً، على الرغم من مشاركة 47 حزباً من أصل 48، أي بنسبة 9 في المائة فقط من إجمالي مقاعد المجلس، البالغة 130 مقعداً.
ورداً على عدم ثقة نسبة كبيرة من الأردنيين باللجنة، وبمخرجاتها المنتظرة، وهو أمر واضح خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي، قال المتحدث باسم اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، مهند مبيضين، إن "هذا من حقّ الناس الذين أصيبوا بالإحباط خلال السنوات الماضية"، مقرّاً في حديث لـ"العربي الجديد"، بأن الحكومات الأردنية المتعاقبة "لم تفعل ما يجب عليها فعله، ومجالس النواب لم تحدث التغيير المطلوب، والشعب لا يزال ينتخب على أسس عشائرية".

الشنيكات: اللجنة قد تحسن قانوني الأحزاب والانتخاب، ولكنها لن تحدث تغييراً جوهرياً فيهما

وبشأن التعديلات المنظرة من اللجنة الجديدة، أوضح مبيضين أنها "ستشمل 6 محاور: قانون الانتخاب، والأحزاب السياسية، والتعديلات الدستورية المتصلة بقانوني الانتخاب والأحزاب وآليات العمل النيابي، لجنة الإدارة المحلية، وتمكين المرأة، وتمكين الشباب"، مضيفاً أنها "لن تشمل محور الحرّيات أو أي مواضيع أخرى". وشرح أن "التعديلات الدستورية المقترحة ستكون للوصول إلى أحزاب برامجية، تشجع على تمكين المرأة ومشاركة الشباب، فالهدف العام هو الوصول إلى أحزاب برامجية تنعكس على البرلمان".
وحول وجهات النظر التي ترى أن هناك تقاطعاً بين مهمات اللجنة ومسؤوليات مجلس النواب، رأى مبيضين أن اللجنة "لا تأخذ دور مجلس النواب، فالعمل متكامل، والمفترض أن حواراً سيجري بينهما"، مشيراً إلى أن "مخرجات اللجنة ستطرح كوثيقة ترفع إلى الملك، الذي سيحولها إلى الحكومة، والتي ترسلها بدورها إلى مجلس النواب بحسب المواعيد المناسبة دستورياً وقانونياً ليتم إقرارها". ووفق مبيضين، فإنه حتى الآن من غير الواضح ما إذا كان قانون البلديات واللامركزية سيدرج على جدول الدورة الاستثنائية لمجلس النواب أو غير ذلك، مشدداً على أن لا تضارب بين عمل لجنة، ومناقشات قانون البلديات واللامركزية الجارية حالياً في مجلس النواب، فالتنسيق يتم على مستوى عال بين رئيس اللجنة والحكومة، لتلافي حدوث أي تضارب. وبحسب المتحدث الإعلامي باسم اللجنة، فإن الهدف الأساسي هو أيضاً الرقابة على أداء الحكومات لتكون مساءلة في النهاية.
وحول التخوف من مشاركة عدد كبير المسؤولين الأردنيين السابقين في اللجنة، وإمكانية اختطاف مخرجاتها من قبل المحافظين ورجال الدولة التقليديين، اعتبر مبيضين أن "هناك رؤى مختلفة، فهناك من يرى أن التيار المدني ممثل بشكل كبير في اللجنة، وقد يختطف الإصلاح، وهناك من يعتقد أن الإسلاميين ممثلون إلى حد كبير، ما يعني أن كل جهة ترى أن الخصم من الممكن أن يختطف المخرجات في الاتجاه الذي يريده، ونحن نرى أن على الكل التكاتف من أجل مصلحة الوطن". ولفت إلى أن هناك اختلافات حادة وعميقة داخل اللجنة، ولكنه أمر طبيعي وصحّي ومطلوب من أجل تحقيق أفضل ما يمكن الوصول اليه". وأقرّ بأنه "لا نتوقع حدوث تغير جذري، لكن الأهم هو نقل الحياة السياسية إلى واقع أفضل، وماهية التعديلات الدستورية حتى الآن غير واضحة، ولكنها ستركز على وصول الأحزاب إلى البرلمان".
من جهته، رأى الرئيس السابق للجمعية الأردنية للعلوم السياسية، خالد الشنيكات، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "جزءاً كبيراً من أعضاء اللجنة، من حيث الخط العام، خدموا في القطاع الحكومي، ومنهم وزراء ونواب وأساتذة جامعيون، والجزء الآخر والأقل محسوب على المعارضة التي تقبل بقواعد اللعبة السياسية الموجودة، وتدعو لتحسين القوانين الناظمة للعملية السياسية، أي أنها ليست المعارضة التي تدعو إلى تغير جذري في نهج الحكم".
ورأى الشنيكات أن الخط العام للجنة "يتماشى مع سياسة الدولة بشكل عام"، مضيفاً أن "طرق اختيار الأعضاء مجهولة، ولا يوجد أساس واضح لها، وليس معلوماً من هو الطرف الذي تولى اختيارهم فعلياً". كما لفت إلى أن عدداً من أعضاء اللجنة ليسوا على انخراط في الحياة العامة، أو مطلعين بعمق على منظومة القوانين الناظمة للحياة السياسية وتطويرها. ورجح الرئيس السابق للجمعية الأردنية للعلوم السياسية، ألا تخرج اللجنة عن الخط العام المتوقع لها، بمعنى أنها قد تحسن القوانين الناظمة للعمل السياسي، الأحزاب والانتخاب، ولكن من دون أن تحدث تغييراً جوهرياً في هذه القوانين.
ولفت الشنيكات إلى أنه كان من المفترض أن يشترك مجلس النواب في الإعداد لمثل هذه القوانين، لكن قانون الانتخاب الذي أنتج مجلس النواب الحالي، عليه ملاحظات كثيرة، فقد أضعف المشاركة في الحياة السياسية، ولم يفرز نواباً حزبيين ليشكلوا كتلاً سياسية، وبالتالي فإن أعضاء مجلس النواب الحالي لا يمثلون تيارات سياسية، بل هم أشخاص نجحوا بجهودهم الفردية بعيداً عن الأحزاب، وتوجهاتهم إجمالاً غير سياسية، بل هم رجال أعمال وعشائريون أو ينتمون إلى ما يشبه ذلك من التصنيفات. وشدّد الرئيس السابق للجمعية الأردنية للعلوم السياسية، على ضرورة إلغاء الكوتا التي تتعارض مع مبدأ المساوة والمواطنة، متمنياً أن يصبح الأردن دائرة انتخابية واحدة. وتوقع حصول شد وجذب والبحث عن توازنات داخل اللجنة.
وعلى الرغم من أن حديث العاهل الأردني عن ضرورة إخراج قانوني انتخاب وأحزاب تنتهي إلى أحزاب برامجية تتشكل منها الحكومات البرلمانية، إلا أن الشنيكات استبعد حصول خطوة كبيرة إلى الأمام. أما في حال إقرار قانون جديد للانتخاب الجديد، فقد "نشهد الصيف المقبل انتخابات برلمانية جديدة، إلا أن قرار حلّ البرلمان وإجراء انتخابات يبقى مرهوناً بيد الملك"، وفق رأيه.

المساهمون