استمع إلى الملخص
- رفع العقوبات عن الأجهزة الأمنية والجيش السوري يسهم في تطوير هذه المؤسسات وتعزيز التعاون مع الدول الغربية، ويفتح المجال للمؤسسات الإعلامية السورية للتعاون مع وسائل إعلام خارجية.
- يندرج رفع العقوبات ضمن سياسة بريطانية جديدة لدعم إعادة الإعمار في سوريا، لكن الحاجة لرفع العقوبات الأمريكية تبقى ملحة لتحقيق الفوائد الكاملة.
شكّلت العقوبات الغربية المفروضة على سورية أحد أكثر العوائق التي تقف بوجه عملية إعادة الإعمار وتحقيق النمو الاقتصادي، وترتفع الأصوات دائماً مطالبةً برفعها، وقد اتخذت دول وتكتلات دولية عدة إجراءات بتخفيفها، ولو جزئياً، آخرها إعلان بريطانيا رفع العقوبات عن 12 جهة، بينها وزارتا الدفاع والداخلية وعدد من وسائل الإعلام.
وحول ذلك، يرى المحلل السياسي حسام طالب أن بريطانيا تؤكد، من خلال إعلانها الأخير، أنها "تعترف بالحكومة السورية التي تقوم بكل ما عليها لجعل سورية بيئة مستقرة على الصعيد الأمني والاقتصادي وعلى صعيد المنطقة، لذلك فإن هذه الخطوة تأتي بالاتجاه الصحيح، وقد سبقتها خطوات سورية بوضع سياسة داعمة للبلاد تأخذ منحى الاستقرار، بعيداً عن الفوضى والتمحور ضمن محاور معينة"، معتقداً، خلال حديثه مع "العربي الجديد"، أن "هذا الأمر يُحسب للسياسة السورية الخارجية ويثبت نجاحها كونها استطاعت الوصول إلى بريطانيا وبعض الدول الغربية لرفع العقوبات عن سورية".
واعتبر طالب أن "رفع العقوبات عن الأجهزة الأمنية والجيش يساهم كثيراً في تطوير هذه المؤسسات، ويسهّل تعاونها مع الدول الغربية، على رأسها بريطانيا، كونها أول المبادرين برفع العقوبات عن تلك المؤسسات تحديداً، وهذا يساهم في تعزيز الأمن وخلق حالة من الاستقرار، ويؤسس لحالة من التنسيق بين الأجهزة العسكرية والأمنية السورية والبريطانية، وسيكون ذلك عاملاً إيجابياً للبلدين. وعلى اعتبار أن بريطانيا دولة قوية وعظمى، فإن رفع العقوبات منها عن بعض المؤسسات السورية مهم جداً في التموضع السوري الجديد والانفتاح على دول العالم، ولكن تبقى الحاجة ملحّة لرفع العقوبات المفروضة من قبل الولايات المتحدة الأميركية، لأنها مفتاح حل المشاكل الناتجة عن العقوبات، ولا سيما الاقتصادية منها، ولكن بالتأكيد فإن خطوات بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا مهمة جداً للوصل إلى رفع كامل وشامل عن كل العقوبات واندماجها بالمجتمع الدولي بفاعلية".
ولا تُحصر فائدة رفع العقوبات في تحقيق المصالح السورية من وجهة نظر طالب، فهي "تُفيد الدول الغربية أيضاً، فسورية كانت بيئة غير مستقرة وفيها تنظيمات الإرهابية، مثل تنظيم داعش، ولذلك فإن رفع العقوبات سيزيد من احتمالات التعاون والتنسيق للمساهمة في مكافحة الإرهاب بفعالية أكثر من خلال تقديم بريطانيا مساعدات استخبارية ولوجستية، ما سيحفظ مصلحة سورية وبريطانيا على حد سواء".
أما عن رفع العقوبات على بعض المؤسسات الإعلامية السورية، فتأتي أهمية ذلك من كونها "مؤسسات ضعيفة"، بحسب طالب، و"ربما ستتلقّى في المستقبل دعماً كبيراً أو تدخل في شراكات مع بعض الوسائل الإعلامية الخارجية، ما سيساهم في إيصال الصوت والسياسة السورية للعالم، كما يمكن أن يكون هناك دعم لوجستي على صعيد المعدات والاستوديوهات والصورة والأقمار الصناعية، وغير ذلك".
من جهته، يعتبر الباحث السياسي المعتصم الكيلاني، في تصريحه لـ"العربي الجديد"، أن قرار بريطانيا برفع العقوبات عن كيانات سورية "يعتبر جزءاً من سياسة جديدة تتبعها لندن لدعم عملية إعادة الإعمار في سورية وتعزيز الاستقرار الإقليمي، وتهدف إلى مساعدة السلطات الجديدة في دمشق على إعادة بناء المؤسسات الحكومية وتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين. كما تعكس رغبة بريطانيا في تشجيع التحول السياسي في سورية بعد نهاية حكم الأسد". وأضاف: "تأتي أهمية رفع العقوبات عن وزارتي الداخلية والدفاع وأجهزة الاستخبارات لتمكين الحكومة السورية الجديدة من استعادة السيطرة على الأمن الداخلي وبناء مؤسسات أمنية فعالة. كما يتيح لها إمكانية الحصول على الدعم المالي والتقني اللازم لإعادة تأهيل هذه المؤسسات. ولكن تتطلب الاستفادة المثلى تنفيذ إصلاحات هيكلية وضمان الشفافية والمساءلة في عمل هذه الجهات".
ورأى الكيلاني أن رفع العقوبات عن الأجهزة الأمنية رغم إعلان القيادة الجديدة عن حل البعض منها "قد يكون خطوة تمهيدية لإعادة هيكلتها ودمجها في مؤسسات أمنية جديدة تتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، كما قد يُسهم ذلك في تسهيل عمليات الانتقال السلمي للسلطة وضمان الاستقرار الأمني خلال المرحلة الانتقالية"، واصفاً هذا الإعلان بأنه "خطوة إيجابية فعلاً، إلا أن تأثيره سيكون محدوداً ما لم تتبعه خطوات مماثلة من دول أخرى، خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. فالولايات المتحدة لا تزال تحتفظ بمعظم العقوبات المفروضة على سورية، مما يحد من قدرة الحكومة السورية على الوصول إلى الأسواق العالمية والحصول على التمويل اللازم لإعادة الإعمار".
وأشار الكيلاني إلى أنه سبق لبريطانيا، في شهر مارس/ آذار الماضي، أن رفعت العقوبات عن 24 كياناً سوريّاً، من بينها المصرف المركزي وشركات نفط، بهدف دعم الاقتصاد السوري وتسهيل عمليات التجارة والاستثمار. إلا أن الاستفادة الكاملة من هذه الخطوة "تتطلب بيئة سياسية مستقرة وإصلاحات اقتصادية شاملة، وحتى الآن، لا تزال التحديات قائمة، بما في ذلك البنية التحتية المتضررة والفساد، مما يعيق تحقيق الفوائد المرجوة من رفع العقوبات".