في احتفال في البيت الأبيض مساء أمس الاثنين، بمناسبة عيد "حانوكا" اليهودي، قال الرئيس الأميركي جو بايدن في كلمة أمام جمع كبير من ضيوفه اليهود في معظمهم، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الآن "في موقف صعب".
ملاحظته بهذه الصيغة وهذا التوقيت كانت لافتة، وبدت أنها لا تقتصر على تحديات حرب غزة لوحدها - مأزق الرهائن، وتعثر العملية العسكرية، وردود الفعل على الكارثة الإنسانية - بقدر ما تتعلق أيضاً بتوجه نوعي تبلورت ملامحه في الأيام الأخيرة، وينوي نتنياهو اعتماده علّه يخفف عنه متاعب اللحظة الراهنة، بما يؤجل محاسبته إلى وقت قد يطول. وقد توالت إشارات إسرائيلية منتظمة في هذا الاتجاه، كان محورها التلويح بفتح الجبهة الشمالية، والذي ترافق مع تصعيد عسكري تجاوز قواعد الاشتباك المعمول بها مع "حزب الله"، والتي أبقتها في حدود المناوشات.
مطالبة إسرائيل "بوقف العمل" بهذه القواعد، وإبلاغ الإدارة الأميركية بأن عمليات الحزب باتت "تتطلب الرد" بصيغة أخرى، أعادا تسليط الأضواء على موضوع توسيع الحرب. وكان مستشار نتنياهو لشؤون الأمن القومي تساحي هنغبي قد أدلى قبل أيام بتصريح أكثر وضوحاً عزز هذا الاحتمال، عندما شدد على عدم القبول بعد اليوم بوجود "حزب الله" على الحدود، بزعم أن سكان الشريط الحدودي في شمال الجليل لن يعودوا إلى قراهم في ظل الوضع السائد حالياً. واعتبر ذلك بمثابة ذريعة لتبرير عمل عسكري واسع بدأ يؤخذ على محمل الجدّ.
الرئيس بايدن سبق ووقف ضد فتح الجبهة مع جنوب لبنان. وقيل آنذاك إنه أبلغ نتنياهو وبصورة حازمة بهذا الموقف، لكن سوابق الرئيس لا تشجع. تعهدت إدارته أكثر من مرة بمطالبة إسرائيل بضرورة حماية المدنيين، فكانت النتيجة مجزرة متواصلة اكتفى المسؤولون حيالها بتجديد الوعد، وإبداء الأسف، مع منح الأسباب التخفيفية من زاوية أن الحروب تقع فيها دائماً "خسائر جانبية غير مقصودة".
وما زالت هذه النغمة تتردد حتى اليوم، على الرغم من وصول عدد الضحايا الأبرياء إلى مشارف العشرين ألفاً. كذلك، تعهدت الإدارة بالعمل على تدفق المعونات الإنسانية من دون توقف، لكن على الأرض بقيت المعونات تتوزع "بالقطارة"، هذا إذا توفرت.
ومع أن الأمم المتحدة تحذر من قرب الانهيار الكامل للوضع المعيشي والصحي، بقيت إسرائيل متحكمة بتمرير المساعدات وتوزيعها بشح يهدد بالمجاعة في القطاع. ومع ذلك، لم يكن لدى الإدارة ما تقوله سوى أنها تتواصل بشكل مستمر مع إسرائيل "لتحسين الوضع"، فكان أن بقيت إسرائيل تنتهك وواشنطن تغطي عليها.
الاثنين، غطت على استخدام القوات الإسرائيلية للفوسفور الأبيض في لبنان، بزعم أنه استُخدم "للإضاءة" الليلية، وأن إسرائيل "ربما استعملت فوسفوراً مصنّعاً لديها أو حصلت عليه من بلدان أخرى"، وليس بالضرورة من أميركا، حسب المتحدث في الخارجية. كما نزلت عند خاطر نتنياهو، وغضت النظر عن مواصلة السعي لتمديد الهدنة وتحديد سقف زمني ولو تقريبي للعملية العسكرية، ناهيك بالفيتو ضد قرار لوقف النار في مجلس الأمن يوم الجمعة الماضي. ففي قاموسها تتوقف النار "عندما تستسلم حماس وتسلّم الرهائن"، وبالتالي لا حاجة إلى قرار من مجلس الأمن!
على هذه الخلفية من المواقف والتراجع، ومع تسليم زمام الأمور إلى الحكومة الإسرائيلية في إدارة الحرب، لا يُستبعد تمديد الحرب إلى الحدود اللبنانية. عندما سئل وزير الخارجية أنتوني بلينكن الأحد عن موقف الإدارة من هذا الاحتمال، تجاهل السؤال. ونتنياهو يراهن على تطور الحرب بحيث تستجد معطيات قد تؤدي إلى تعديل الحسابات، وتغيير الترتيبات والأولويات في غزة وغيرها، وهو الذي يدير اللعبة، "يتوقف خلاصه على إطالة الحرب وتوسيعها لإدخال المنطقة في فوضى"، بتعبير أحد المعلقين في وسائل التواصل، وهو اعتقاد سائد ومتداول منذ بداية الحرب. ومن هنا، مطالبات العارفين (مثل السفير الأميركي السابق في إسرائيل مارتن إنديك) بضرورة الإطاحة بنتنياهو قبل فوات الأوان.