استمع إلى الملخص
- تواجه إسرائيل تحديات داخلية مثل زعزعة الثقة بالدولة بسبب قضايا المحتجزين في غزة والانقلاب القضائي، مما يزيد من عزلتها الدولية ويعمق التباعد بين الإسرائيليين واليهود.
- الأجواء المشحونة تنعكس في النشاطات والمراسم، حيث واجه الوزراء احتجاجات وانتقادات حادة، مما يعكس التوترات والانقسامات العميقة في المجتمع الإسرائيلي.
للعام الثاني على التوالي، تحيي إسرائيل، اليوم الأربعاء، في ظل حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة، ذكرى قتلاها الذين سقطوا منذ إقامتها على حساب نكبة الشعب الفلسطيني، وحتى في مراحل التخطيط والتأسيس لها، وهي مناسبة تسبق بيوم ذكرى إقامتها، الذي تسميه "يوم الاستقلال"، والذي يمضي عليه غداً الخميس 77 عاماً، وفقاً للتقويم العبري، تواصلت فيها حتى اليوم مخططات وعمليات تهجير الفلسطينيين وقتلهم.
ورغم القوة العسكرية المفرطة، تحيي إسرائيل مناسباتها هذا العام وهي متشظية، منقسمة من الداخل، سياسياً وأمنياً واجتماعياً، وسط خلافات وحالة استقطاب كبيرة، لكنها رغم كل شيء، لا تزال متماسكة إلى حد كبير أمام ما تعتبره تهديدات خارجية، وقادرة على مواصلة الإبادة. في خطاب له في مراسم ذكرى قتلى حروب إسرائيل، مساء أمس الثلاثاء، شدد الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ على أهمية وحدة الإسرائيليين، وليس هذا من فراغ، كما بدا دبلوماسياً إلى حد كبير في مقابلاته مع وسائل الإعلام العبرية المطوّلة في هذه المناسبة، متجنباً توجيه اتهامات مباشرة إلى الحكومة، وانتقادها، ومن يقف على رأسها، ومحاولاً التخفيف من وطأة الحاصل وبعض التصريحات، وما زرعته الحكومة الحالية من خلافات إسرائيلية داخلية، مفضلاً رسائل الوحدة، وأخرى تستذكر المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة والدعوة لإعادتهم. حذَر هرتسوغ هذا قد يشي بأمور عدة، من بينها حساسية ودقة الحالة الإسرائيلية الراهنة.
"هذه السنة، وربما أكثر من أي وقت مضى، صوت صفارة الذكرى هذه هو أيضاً صوت إنذار حقيقي، يأمرنا بالاتحاد والتكاتف. ألا ننقسم من الداخل. ألا نخرب بيتنا (بأيدينا)"، قال هرتسوغ، مضيفاً "في هذه اللحظة الوطنية النقية، أدعو إلى إبقاء الجيش الإسرائيلي خارج الخلافات التي تمزّقنا، وإبعاد الشاباك، والشرطة، والموساد، وجميع قوات الأمن، والأمن الداخلي، عن أي خلاف".
لامست كلمات هرتسوغ فعلياً قضايا إسرائيلية حارقة، لكن ليس جميعها، إذ تشهد دولة الاحتلال استقطاباً سياسياً، ودينياً، واجتماعياً، وخلافات تجلت في مناسبات كثيرة في العامين الأخيرين على وجه الخصوص، قبل الحرب وبعدها، تشكل مجتمعة صراعاً حول هوية إسرائيل المستقبلية، وتتغلل تفاصيلها في كل شيء، حتى في خلافات المؤسسة الأمنية والعسكرية مع المستوى السياسي، والاتهامات العلنية المتبادلة بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ورئيس الشاباك رونين بار، منها ما أفضى حتى إلى الكشف عن معلومات حساسة كانت في عداد السرية، واتهامات للأجهزة الأمنية وللجيش، في غير مناسبة، بالتدخل بالقرارات والشؤون السياسية وغيرها، عدا عن قضية المحتجزين في غزة، وأولويات الحرب، والخلافات حول قانون التجنيد، وتشريعات الانقلاب القضائي المستمرة، والتحذيرات من تحول إسرائيل الى دكتاتورية، وتغليب المصالح الشخصية على العامة من قبل المسؤولين، خاصة منتخبي الجمهور وغيرها. كل ذلك وأكثر، يخيّم على ذكرى القتلى، وبعدها الاحتفالات. وانعكس من خلال أحداث في الميدان في الساعات الماضية أيضاً، ومواجهات.
زعزعة الثقة بالدولة
في افتتاحياتها اليوم الأربعاء، أشارت صحيفة هآرتس إلى الغمامة التي تحوم فوق دولة الاحتلال عشية احتفالات "الاستقلال" الـ 77، ومنها وجود 59 محتجزاً إسرائيلياً في ظروف صعبة في غزة، تشير التقديرات إلى أن 21 منهم على قيد الحياة، "يتشبثون بما تبقى من قوتهم، على أمل أن تنقذهم دولتهم. لكن الحكومة لا تجيب ولا تستجيب. الحقيقة المُرّة هي أنه، في نظر أعضاء الائتلاف الحكومي، وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو، بقاء الحكومة أهم من حياتهم". وأضافت الصحيفة أن "تخلي الدولة عن المختطفين (المحتجزين) يلقي بظلاله ليس فقط على احتفالات الاستقلال، ولكنه يزعزع بشكل كبير الثقة بالدولة، وبكونها وطناً وملاذاً لليهود. فقدان البوصلة يظهر أيضاً في استمرار الحرب، التي منذ تجددها، تُدار فعلياً ضد سكان قطاع غزة بأكملهم. لقد أصبحت إسرائيل دولة لا تميز بين المقاتلين والمدنيين، وبين الحرب وجريمة الحرب. وعندما تفقد دولة هذا الاتجاه، فإن الخطر الذي يهددها من الداخل لا يقل خطورة عن ذلك الذي يهددها من الخارج".
ولفتت الصحيفة إلى بعض التحديات التي تواجه دولة الاحتلال، منها "تكثيف بنيامين نتنياهو هجماته الداخلية على مؤسسات الدولة، حيث حرّض ضد المستشارة القضائية للحكومة غالي بهراف ميارا، وأنكر شرعية المحكمة العليا ورئيسها الجديد يسحاق عميت، واستهدف رئيس الأركان السابق هرتسي هاليفي، ورئيس الشاباك رونين بار، الذي أُقيل بعد فتحه تحقيقاً متعلقاً بأشخاص في مكتب رئيس الوزراء. ويستمر الانقلاب القضائي بالتقدّم، قانوناً بعد قانون، والهدف واضح: تركيز سلطة غير محدودة بيد الحكومة، دون رقابة، ودون ضوابط، ودون حدود". كما أشارت إلى أن المجتمع الإسرائيلي يتفكك من الداخل، وأن "الحريديم يواصلون التهرب من الخدمة العسكرية، والمجتمع العربي يُترك فريسة للجريمة المتفشية، بينما تُقمع حرية تعبيره... بينما الشرطة تغيّر ملامحها، بما يتماشى مع توجهات الوزير المتطرف المسؤول عنها (أي إيتمار بن غفير)، والاحتجاج ضد الحكومة تحت الهجوم". وخلصت الصحيفة إلى أنه "في يوم الاستقلال (على حد تعبيرها) الـ 77 لدولة إسرائيل، يقف مواطنوها أمام قادة لا يقدمون رؤية أو أملاً للمستقبل. قادة يزيدون فقط من عزلة إسرائيل الدولية ومن التباعد المتزايد تجاه إسرائيل واليهود. من الصعب الاحتفال في وضع كهذا".
وفي صحيفة يديعوت أحرونوت، كتبت الصحافية حين أرتسي سرور، "الحقيقة هي أن فكرة تجاوز عام واحد دون احتفالات أو مراسم، بدون الوقوف دقيقة صمت، وبدون إشعال شعلة الاستقلال، وحتى بدون صوت صفارة الذكرى، راودتني لأننا نقف أمام مرآة مشوهة. نحاول التحدث عن الذكرى، بينما الثمن الذي يُدفع في الدماء ليس من الماضي، بل هو حاضر ومستمر بلا أفق أو نهاية. نحاول الاحتفال بالاستقلال، ولكن كيف يمكننا ذلك عندما لا يزال 59 من إخوتنا محتجزين في قبضة "حماس" بعد عام ونصف من اندلاع الحرب؟ هذا حقاً صعب. صعب وغير عادل، لأننا نريد أن نتذكر، ونريد أن نحتفل...". وأضافت أنه "يمكن التفكير في يوم الذكرى ويوم الاستقلال الذي يليه بمصطلحات وطنية، تحاول طمس الهوة التي نعيشها. ولكن هذا خطأ. ماذا لو أخذنا هذه الأيام المقدسة، وبدلاً من أن ننحني فيها، نرفع رؤوسنا ونسعى إلى النظر بعيداً. نحاول استحضار خيالنا، وأملنا، وأحلامنا، من أجل رسم واقع آخر. في إسرائيل، مات الخيال السياسي والاجتماعي، وأصبح أسطورة".
مشاهد من الساعات الأخيرة
وتنعكس الخلافات والأجواء المشحونة أيضاً في النشاطات والمراسم المختلفة، على وجه الخصوص منذ يوم أمس الثلاثاء. وفي مثال على ذلك، ألغى وزير الإسكان يسحاق غولدكنوبف اليوم مشاركته في مراسم الذكرى في كريات جات، عقب احتجاجات على مشاركته من قبل عائلات قتلى إسرائيليين، بسبب دعمه إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية.
وواجه الوزراء الذين شاركوا اليوم في مراسم يوم الذكرى كممثلين عن الحكومة احتجاجات خلال زياراتهم المقابر. من بين المواقف على سبيل المثال، صرخ أحد المشاركين، خلال خطاب للوزيرة غيلا جمليئيل في مدينة ريشون لتسيون: "أين كنتِ في 7 أكتوبر؟"، وفي مراسم الذكرى في مدينة الرملة، وجه أحد المشاركين انتقاداً للوزيرة ماي غولان، قائلاً: "أنتِ صفر"، كذلك وصفتها إحدى المشاركات بالكاذبة. وفي مقبرة كريات شاؤول، صرخت مجموعة من الأشخاص خلال خطاب الوزير آفي ديختر، مطالبة بإعادة المحتجزين، بينما استمر ديختر في إلقاء خطابه.
وفي مقبرة حولون، رُفع خلال خطاب الوزيرة ميري ريغيف لافتة كُتب عليها "حتى آخر مختطف". كما صرخت شابة كانت حاضرة في المراسم نحو الوزيرة: "كيف لا تشعرين بالخجل؟ دماؤهم على يديكِ". ويوم أمس، اعتدى عشرات نشطاء اليمين على نشاط إسرائيلي - فلسطيني مشترك في مدينة رعنانا، وقبل ذلك اعتُدي على نشاط احتجاجي ضد الحرب نُظم في يافا.