إسرائيل في خدمة القمع

إسرائيل في خدمة القمع

23 يوليو 2021
أيادي تل أبيب ملطخة بدماء كثيرة (سيباستيان بوزون/فرانس برس)
+ الخط -

اتساع دائرة المستهدفين ببرنامج "بيغاسوس" للتجسس، من المكسيك إلى الهند، يعيد إلى الواجهة الأدوار التاريخية الدموية لتحالف الاحتلال الإسرائيلي مع المستبدين حول العالم. بالنسبة للبعض، الأمر ليس مفاجئاً، فأدوات وأصابع تل أبيب كانت حاضرة دوماً في هذا الإطار؛ من دعم ديكتاتوريات أميركا اللاتينية وضرب حركات التحرر، إلى التحالف الوثيق مع نظام الأبرتهايد (الفصل العنصري) السابق في جنوب أفريقيا، إلى اغتيالات "الموساد" (جهاز استخبارات إسرائيل الخارجي) لفلسطينيين وعرب، من أوسلو إلى اليونان ومالطا، بتغطية أمنية وسياسية في أوروبا.

الجديد في الأمر أن تطور الاتصالات يفضح أكثر الوجه الخفي للصهيونية في علاقاتها العالمية المشبوهة، المتخفي خلف "التقدم" و"الديمقراطية الوحيدة في المنطقة"، وهو ما كشفه، في أكثر من مناسبة، الباحث الراحل المعادي للصهيونية، إسرائيل شاحاك.

تدفق المعلومات يضع قادة الاحتلال أمام معضلة، فيسارعون إلى تشكيل "لجان" لفحص ما جرى، والأرجح لكيفية انكشاف برنامجهم الخبيث "بيغاسوس"، وربما لإدراكهم أن "تابو" عدم المسّ بكيانهم يكاد يكسر قوالبه النمطية.

ولأن الأمر تجاوز المنطقة العربية، التي تسربت منها منذ أعوام، أخبار استخدام تقنيات الاحتلال للقمع، فلعل هذه "الفضيحة" ستأخذ أبعاداً أخرى مستقبلاً. فأوروبا تجد نفسها أمام استحقاق مهم، بعد كشف صحافتها عن استخدام رئيس وزراء المجر القومي المحافظ، فيكتور أوربان، البرنامج لاستهداف 300 شخصية صحافية وحقوقية وسياسية، وربما في دول أخرى، ما يعني الدوس عملياً على كل القيم والمبادئ التي يبشر بها الاتحاد الأوروبي.

ومع توسّع الفضيحة، لم يعد لسردية "معاداة السامية"، وخصوصاً بعد أن صارت تل أبيب ملطخة بدماء كثيرة تتجاوز فلسطين المحتلة، المقدِرة السابقة ذاتها على تكميم الأفواه؛ لا الحقوقية ولا الأكاديمية ولا الإعلامية على الأقل، وذلك يشكل فرصة أخرى لإعادة تصويب الأسئلة عن إفلات المجرمين المنتهكين لحقوق الإنسان من العقاب.

صحيح أنه سياسياً قد تتدخل المصالح لحماية مرتكبي الفظائع، لكن هذه التدخلات في المقابل ستفضح من يغطي هذه الفظائع في الغرب، وكذلك من يهرول في المنطقة نحو التحالف مع الاحتلال بحجة "تفوقه التقني"، متناسياً قتله بنفسه لكل تفوّق عربي بالتنكيل والتهجير، وقبوله المذل لشعار "الديمقراطية الوحيدة"، وسط دعم وتفضيل الاحتلال له، لتكميم الأفواه وتوسيع الاضطهاد ولإغراق المنطقة في صراع البقاء بنشر الجوع، بعد عقود من بناء الدول الحديثة.

في كل الأحوال، الكشف الجديد ربما يزيد أيضاً من قراءة الرأي العام العالمي، للاحتلال الإسرائيلي، بكثير من التشبيه بأعتى الأنظمة ظلامية وعنصرية وقمعية.