إسرائيل ـ فلسطين: إيمانويل ماكرون "إلى الأمام" نحو القدس

إسرائيل ـ فلسطين: إيمانويل ماكرون "إلى الأمام" نحو القدس

17 مارس 2022
ماكرون في القدس، يناير 2020 (أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -

يمكن لرئيس الجمهورية الفرنسي المنتهية ولايته، إيمانويل ماكرون، الموالي لإسرائيل والمفتون بـ"الأمة الناشئة"، أن يحدث تغييراً في دعم فرنسا التاريخي لحل الدولتين في أعقاب "اتفاقيات أبراهام" (اتفاقيات تطبيع بين إسرائيل وأربع دول عربية هي الإمارات والبحرين والسودان والمغرب). فالعديد من الدول المعنية بهذه الاتفاقيات حلفاء لفرنسا وزبائن جيدون لتجارة أسلحتها. إليكم الجزء الأول من تحقيق "أوريان 21" حول المرشحين للإليزيه ومسألة إسرائيل وفلسطين.

مرت الجملة المقتضبة مرور الكرام. في 24 فبراير/شباط 2022، خلال مأدبة عشاء المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا، في كاروسيل دو لوفر في باريس، كان بال الألف ضيف موجّها لأمور أخرى.

فالسفراء والوزراء؛ الحكومة بأكملها تقريباً، وأربعة مرشحين للرئاسة؛ رئيسة بلدية باريس آن هيدالغو، ورئيسة المجلس الإقليمي في إيل دو فرانس فاليري بيكريس، والنائبان يانيك جادو وجان لاسال، لم يكونوا يتحدثون إلا عن أوكرانيا.

وقد غاب ضيف الشرف، الرئيس إيمانويل ماكرون، لحضور قمة عاجلة في بروكسل مخصصة للحرب التي أعلنتها روسيا للتو. وتكفل بتمثيله كل من زوجته بريجيت ورئيس الوزراء جان كاستيكس. يقرأ هذا الأخير خطاباً أعده رئيس الجمهورية. يؤكد بإصرار نيابة عن ماكرون أن "القدس هي العاصمة الأبدية للشعب اليهودي، لم أتوقف عن قول ذلك".

ويضيف: "ومثلكم، أنا قلق بشأن قرار الأمم المتحدة في ما يخص القدس الذي يستمر، بشكل متعمد وضد كل البداهة، في تجاهل المصطلح اليهودي لجبل الهيكل (المسجد الأقصى)".

هذا القرار الذي تبنته الأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 2021 وصوتت عليه فرنسا (وهو يؤكد أن أي إجراءات تُتخذ لتغيير طابع القدس لاغية وباطلة ويجب وقفها)، وصفه رئيس المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية، فرانسيس كاليفات، في خطابه الافتتاحي بـ"الإنكاري".

يُظهر خطاب ماكرون المزدوج توهان سياسته الخارجية

كلام يُقال في نيويورك، وكلام آخر في باريس: يُظهر خطاب ماكرون المزدوج تلك المواقف المتضادة المعلنة "في الوقت نفسه" والتي تخفي توهان سياسته الخارجية.

وإذ أعرب الرئيس عن تعلقه الشخصي بالقدس، فإن الذاكرة الجماعية لا تحتفظ سوى بذكرى مروره على كنيسة القديسة حنة في البلدة القديمة.

في يناير/كانون الثاني 2020، عبّر عن غضبه من رجال الشرطة الإسرائيليين أمام هذه الممتلكة الفرنسية، في محاولة منه للتأثير في النفوس من خلال تكرار ذلك الغضب العظيم لجاك شيراك في عام 1996 ضد رجال شرطة آخرين في المدينة القديمة نفسها.

ولم يكن ماكرون آنذاك في زيارة رئاسية رسمية، بل في رحلة "تذكارية" بمناسبة منتدى دولي نُظم بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة والسبعين لتحرير محتشد (معسكر الإبادة) "أوشفيتز-بيركيناو".

بتصريحاته عن القدس، حظي خطاب الرئيس الفرنسي بالتصفيق خلال مأدبة عشاء المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا. وقد طالب هذا الأخير في أعقاب "صفقة القرن" ونقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس، بأن تقوم فرنسا بالخطوة نفسها نحو "العاصمة الأبدية"، من خلال نقل سفارتها إلى هناك.

يقول أحد العارفين بشؤون المنطقة: "لم أسمعه (ماكرون) أبداً يقول شيئاً كهذا". ويضيف الرجل نفسه ساخراً: "كما لم أكن أعلم أنه كان معتاداً على التردد على القدس. ربما يكون قد أدى فريضة الحج عندما كان مراهقاً!".

"مصطلحات تاريخية مشبعة بالعار"

في الوقت نفسه، يدين الرئيس تقرير منظمة العفو الدولية (من دون ذكر اسم المنظمة) حول سياسة الفصل العنصري التي تنتهجها إسرائيل تجاه الفلسطينيين، والذي نُشر في بداية فبراير الماضي. ويقول "هناك إساءة في استخدام مصطلحات تاريخية مشبعة بالعار. كيف يمكننا التحدث عن الفصل العنصري؟ إنها مصطلحات منافية للحقيقة".

في الكواليس، تُزايد أورور بيرجي، النائبة عن حزب "الجمهورية إلى الأمام"، ورئيسة مجموعة "الصداقة الفرنسية الإسرائيلية"، "ضد الحملة المفضوحة لمنظمة العفو الدولية التي تتحدث عن الفصل العنصري، في حين من الواضح أن إسرائيل دولة ديمقراطية. وبالطبع يجب القيام بحل الجمعيات التي تدعو إلى الكراهية".

وفيما يبدو كأنه تهديد لمنظمة العفو الدولية، تلمح بيرجي إلى حل جمعيتين "صغيرتين"؛ "فلسطين ستنتصر" و"لجنة العمل الفلسطيني".

عمليات الحل هذه، التي طالب بها فرانسيس كاليفات ووزير الداخلية جيرار دارمانان، الحاضر هو أيضاً في المأدبة، تم الإعلان عنها في نفس السياق من طرف كاستيكس ـ أي من طرف ماكرون. وقد تم حل الجمعيتين بالفعل خلال جلسة لمجلس الوزراء في 9 مارس/آذار 2022.

في انتظار الصديق يئير لبيد

في منتصف أغسطس/آب 2023، وإذا كانت الحكومة الائتلافية التي هو وزير خارجيتها ما تزال قائمة، سيصبح يئير لبيد رئيساً لوزراء إسرائيل. رئيس حزب "يش عتيد"، هو الصديق الإسرائيلي الكبير للرئيس الفرنسي، الوحيد من دون شك. كان كاتب الروايات البوليسية هذا والصحافي السابق، "وسيم" الوسط، فاعلا عنيدا في سقوط رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو.

في 5 إبريل/نيسان 2019، قبل جولة انتخابية جديدة بأيام قليلة في إسرائيل، منحه رئيس الجمهورية الفرنسي عناقاً حاراً تحت أضواء كاميرات المصورين في الإليزيه. وقبل ذلك بسنتين، كان لبيد قد دعا للتصويت لماكرون ضد مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان، في إطار ما وصفه بـ"المنطق السليم ضد شعبوية خطيرة".

الصورة
ماكرون ولبيد
لبيد هو الصديق الإسرائيلي الكبير للرئيس الفرنسي (عبير سلطان/فرانس برس)

التقى الصديقان مجدداً في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 في باريس، من دون أن تحرج لقاءهما، التسريبات حول استهداف برنامج بيغاسوس التجسسي الذي طورته شركة "أن أس أو" الإسرائيلية، ماكرون.

يستنكر أحد الدبلوماسيين الموقف بالقول: "كيف يمكن أن يضرب برنامج بيغاسوس هاتفين للرئيس ومع ذلك لا شيء يحصل!". يجيب لبيد من دون مزاح: "لم يتنصت أحد على هاتف الرئيس"!

كانت صورة إبريل 2019 في الإليزيه، على الخصوص، رسالة لنتنياهو. وكان قد نصح العديد من العارفين بالمنطقة، والذين عمل أغلبهم تحت قيادة الرئيسين فرانسوا ميتران أو جاك شيراك، ماكرون بالارتياب حيال نتنياهو منذ بداية عهدته.

يشرح لي أحد قدماء مصالح المخابرات بالقول "إسرائيل دولة ديمقراطية، ولكن الطريقة التي كان يحكم بها نتنياهو تطرح مشكلة. فهناك الكنيست والمحكمة العليا، والنظام مرتبط بالديمقراطية، ولكن مع ذلك به ثغرات، فنظام الاحتلال ملتوٍ للغاية".

بعد تقديم عرض للحالة له، "لم يرغب ماكرون في لعب دور الصديق" مع نتنياهو، الذي غالباً ما كان يُنظر إليه في باريس على أنه "مراوغ"، "لا يمكن الوثوق به".

لم تعترف فرنسا بدولة فلسطين على الرغم من التصويت الإيجابي جداً لصالح الاعتراف من طرف المجلس الوطني في ديسمبر 2014

"خطر الفصل العنصري في إسرائيل"

يعلق نائب من الأغلبية في البرلمان الفرنسي بالقول "صحيح أن الرئيس قريب إلى حد ما من تل أبيب والشبكات السياسية والاقتصادية والثقافية التي تدعم إسرائيل في باريس، لكن مع ذلك، في ما يتعلق بمخططات ضم وادي (غور) الأردن، قام ماكرون بالمهمة، وكان (وزير خارجيته) جان إيف لودريان، واضحاً وحاداً ودقيقاً مائة بالمائة".

يقر برتران هلبرون من "جمعية التضامن الفرنسية الفلسطينية"، بأن "فرنسا كانت صامتة، ولكنها لم تكن بكماء". فلودريان تحدث بصراحة ومن دون مهادنة الحكومة الإسرائيلية أمام مجلس الشيوخ، بل وذكر سنة 2021 خطر "وجود فصل عنصري في إسرائيل" إذا ما توقف حل الدولتين عن التقدم.

ولكن سواء تحت رئاسة فرانسوا هولاند أو إيمانويل ماكرون، لم تعترف فرنسا بدولة فلسطين على الرغم من التصويت الإيجابي جداً لصالح الاعتراف من طرف المجلس الوطني الفرنسي (يتألف البرلمان الفرنسي من غرفتين؛ المجلس الوطني ومجلس الشيوخ)، في ديسمبر 2014، بـ339 صوتاً مؤيداً، مقابل 151 معارضاً.

يأسف غويندال رويلارد، النائب عن حزب "الجمهورية إلى الأمام" في مدينة لوريان، والمقرب من جان إيف لودريان، الذي كان في الحزب الاشتراكي في 2014، وصوّت لصالح القرار، بالقول "لم يلهم موقف البرلمان الفرنسي رئيسينا المتعاقبين".

وإذا كانت لفرنسا علاقات دبلوماسية مع فلسطين، فإن السويد تبقى الدولة الأوروبية الوحيدة التي تعترف بها.

وإن لم يعرف وزير الخارجية كيف يعزز هذا الاعتراف، فهو لم يطأ إسرائيل قط؛ سواء في عهد فرانسوا هولاند أو إيمانويل ماكرون. مع أنه يعرف المنطقة جيداً، وهو يمسك بالمقود في ما يتعلق بمبيعات الأسلحة الفرنسية التي نمت بشكل كبير على مدى عقد من الزمن، مع زبائن مهمين جداً: الإمارات، السعودية، قطر ومصر.

لم يذهب رئيسا الوزراء إدوارد فيليب وجان كاستيكس ـ وبالطبع في سياق صحي صعب بالنسبة لهذا الأخير ـ هما أيضاً إلى إسرائيل خلال العهدة الخماسية (العهدة الرئاسية من خمس سنوات). بل وقّع جيل بويي، عضو البرلمان الأوروبي، أقرب مستشاري إدوارد فيليب وصديقه، في 2020 نداء البرلمانيين الأوروبيين ضد الضم الإسرائيلي لأراضي فلسطينية، كما فعل غويندال رويلارد.

كذلك وقّع على النداء ثلاثة مرشحين يساريين، هم جان لوك ميلانشون ويانيك جادو وفابيان روسال، وأيضاً النائب الأوروبي عن حزب "الجمهورية إلى الأمام"، ستيفان سيغورني، مستشار ماكرون، والذي هو في الحياة الخاصة صديق غابرييل أتال، الناطق باسم الحكومة.

حضر أتال مأدبة عشاء المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية بفرنسا، بينما لم يحضر سيغورني.

التحرك الفرنسي في إطار "اتفاقيات أبراهام" قد يكون فرصة سانحة لاستعادة المبادرة

الابتعاد عن الولايات المتحدة

في الواقع، وعلى الرغم من الاحتجاجات الرسمية وعرائض المنتخبين، لم يحدث شيء بشأن الموقف حيال فلسطين. لم يتحرك ماكرون. بالنسبة للكاتب روني برومان "فلسطين ليست من اهتمامات الرئيس"، مضيفاً أن هذا الرجل المنعزل "يتميز بانحراف ملكي".

بدوره، يشير النائب الشيوعي السابق، جان كلود لوفور، إلى أنه "ليست لدى ماكرون نظرة في السياسة الخارجية".

وبالتالي، فإن التحرك الفرنسي في إطار "اتفاقيات أبراهام" قد يكون فرصة سانحة لاستعادة المبادرة. يقول جان كلود لوفور، إنه "يُنظر إلى اتفاقيات أبراهام على أنها إرادة أميركية، لكن الإسرائيليين هم من عملوا على إنجازها. تسعى إسرائيل إلى الانعتاق من الولايات المتحدة. ويترافق هذا التباعد بتكثيف العلاقات بين إسرائيل والصين".

والإماراتيون هم أفضل مؤيدي الإسرائيليين في هذا الإطار. الإمارات زبون وحليف لفرنسا التي لديها ثلاث قواعد عسكرية هناك. ويبدو من الصعب تصور أن الجنرالات ورجال الأعمال الفرنسيين المواظبين على زيارة أبوظبي، لم يتناقشوا مسبقاً حول "اتفاقيات أبراهام" مع أصدقائهم الإماراتيين. وقد قاموا بالتالي بتوصيل المعلومات إلى باريس: إلى لودريان، وبالطبع إلى ماكرون أيضاً.

ولفرنسا أيضاً قاعدة عسكرية في الأردن، حيث تنتشر طائرات "رافال" وأنظمة مضادة للصواريخ. كما لها تعاون عسكري وأمني وثيق مع مصر، كشف موقع "ديسكلوز" الاستقصائي الفرنسي أبعاده في نوفمبر/تشرين الماضي.

الصورة
باريس
خلال تظاهرة في باريس دعماً للفلسطينيين (يوسف أوزكان/الأناضول)

وتقول المؤرخة فريديريك شيلو، أنه بغض النظر عن هذه الاتفاقيات "فإن فرنسا وإسرائيل يتواجدان في الصف نفسه بخصوص نقطتين أساسيتين: في ليبيا مع الإمارات، وبخصوص الغاز في البحر الأبيض المتوسط ضمن المنتدى الذي أقامته كل من إسرائيل ومصر والأردن".

بدوره، يشرح مختص في المنطقة بالقول: "صحيح أن فرنسا لم تحذُ حذو ترامب بشأن القدس والضفة الغربية والجولان، وأعادت التأكيد على موقفها الكلاسيكي بخصوص الاستعمار وحل الدولتين، لكن لدينا نفس الأصدقاء مع إسرائيل؛ الإمارات والمغرب وأيضاً مصر والأردن. إننا نبيع السلاح الثقيل ولنا تحالفات عسكرية. وهذا ما يفسر الطابع المدروس جداً لموقف إيمانويل ماكرون الذي فضل دفع المكنسة تحت السجاد".

من جهته، يقول نائب عن "الجمهورية إلى الأمام"، إنه "يجب الأخذ بعين الاعتبار ميزان القوة على الأرض والتطورات في العالم العربي، وخطة ترامب أيضاً، ليس لتقبلها بالكامل، ولكن لكونها عنصراً جديداً ونقطة انطلاق".

ويقول نائب آخر: "يجب اتخاذ موقف واضح وصريح يمر عبر الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل". فجملة ماكرون الصغيرة التي صدرت في مأدبة عشاء المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية، لم تكن أبداً من فراغ ويجب أن تحمل على محمل الجد.

ليس هناك ما ينتظره الفلسطينيون من فرنسا إذا ما تمت إعادة انتخاب ماكرون رئيساً في 24 إبريل

هل هذا النوع من الحديث عن القدس كعاصمة لإسرائيل يعد مؤشراً عما قد يكون عليه الحال، في حال حصول ماكرون على ولاية ثانية، وتطور موقف فرنسا؟

تقول نائبة عن الأغلبية مع عدم ذكر اسمها: "لا ننتظر أن يكون هناك برنامج بهذا الإطار، فهو ليس موجوداً لأن الرئيس المرشح المنتهية عهدته، هو بالطبع يدافع عن حصيلة وليس عن بديل".

فإذا كان الرئيس محاطاً بمؤيدي إسرائيل، بمن في ذلك العديد من وزرائه وكثير من أصدقائه، فهو يرتب لنفسه أيضاً لقاءات سرية مع قدماء الدبلوماسية الفرنسية.

وتتابع النائبة أن ماكرون يبدو أنه "يبحث عن مخرج"، بعدما وصفته بعهدة "المراوحة" بخصوص فلسطين وإسرائيل، يضاف إلى هذا "فشل شخصي مرير في لبنان".

الاستفادة من "اتفاقيات أبراهام"

أمام الوضع الجديد الذي فتحته "اتفاقيات أبراهام"، "اكتفت فرنسا بتسجيل ذلك". ففي حين توجد حالة من البرودة الطويلة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، يفكر ماكرون في تحالف استراتيجي بين فرنسا وإسرائيل والعديد من الدول العربية: السعودية، الإمارات، مصر، الأردن والمغرب.

ولكن ما الفائدة من التحدث عن ذلك الآن؟ فهو صندوق من القضايا الغامضة وغير الواضحة! يعلق نائب من الأغلبية المنتهية عهدتها، بالقول "إنه موضوع ليس بالشعبي جداً. لذا لا نريد أن نجازف كثيراً، هذا ليس من الشجاعة ولا من المجد".

في هذا السياق، لا توجد ولا كلمة لفلسطين، المنسية الكبرى في عهدة السنوات الخمس المنتهية. بالنسبة للفلسطينيين، ليس هناك ما ينتظرونه من فرنسا إذا تمت إعادة انتخاب ماكرون في 24 إبريل المقبل.

وقد استُقبِل تصريح الرئيس الفرنسي بخصوص القدس، من قِبل السلطة الفلسطينية على أنه "طعنة في الظهر". وقد تم استدعاء قنصل فرنسا بالقدس إلى رام الله، حيث أكد على أن موقف بلاده لم يتغيّر... هنا أيضاً، من يجب تصديقه؟

تشرح ليديا سمربخش، مسؤولة دولية في الحزب الشيوعي الفرنسي، بأن ماكرون "يرتكب خطأ فادحاً في التحليل، من خلال الإيحاء بأننا لسنا مضطرين للتدخل في المسألة الفلسطينية الإسرائيلية. فرنسا عضو في مجلس الأمن للأمم المتحدة، ويتعيّن خوض معركة طويلة الأمد لصالح حل سياسي".

وتضيف متسائلة "أين تتم معالجة مصالح الشعوب في السياسة الحالية لرئيس الجمهورية؟ فجان إيف لودريان خلال هذه العهدة والعهدة السابقة، هو وزير تجارة الأسلحة منذ عشر سنوات. ولذلك ثقل كبير في الميزان، خاصة مع المملكات البترولية والدول الاستبدادية في المنطقة".

هذا ليس مشرفاً أبداً، ولكنه دقيق تماماً. في عهدة ماكرون أصبحت تجارة الأسلحة وقوداً دبلوماسياً، وليغرب القانون الدولي والفلسطينيون!

شقاق يسمى لائحة مايار

أيدت الأغلبية البرلمانية رغبة إيمانويل ماكرون، بتبنيها في خريف 2019 اللائحة التي صاغها النائب سيلفان مايار عن "الجمهورية إلى الأمام" حول معاداة السامية ومعاداة الصهيونية، والتي نالت رضا كبيراً من الحكومة الإسرائيلية. ولكن تم تبنيها بـ154 صوتاً فقط من إجمالي 577 نائبا.

فقد صوّت ضمن مجموعة "الجمهورية إلى الأمام" 84 نائباً لصالحها و26 ضدها من مجموع 303 منتخبين. هذا التصويت كان ماكرون قد وعد به بنيامين نتنياهو مستعملاً كل الصيغ المناسبة خلال الحفل الذي أقيم في الفال ديف (ميدان الدراجات الشتوي) بباريس صيف 2017.

كما أرضى هذا التصويت المحافظين الجدد الفرنسيين المتحمسين جداً للأصوات التي تدعي بأن معاداة الصهيونية ليست سوى شكل من أشكال معاداة السامية.

ومع ذلك، فعلى عكس تصريح رئيس المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا فرانسيس كاليفات، وعلى عكس خطابه لسنة 2019، لم يعد ماكرون في كلمته في فبراير إلى هذا الخلط.

أحدثت لائحة مايار انزعاجاً في أوساط البرلمانيين، كما تشرح نائبة منتهية ولايتها. وتقول "كانت للائحة نتائج عكسية. وقد تساءل كثير من النواب لماذا تمت محاولة استعمالهم في موضوع يقسمهم. وقد قالوا إن هناك شيئاً ما خطأ".

يفكر ماكرون في تحالف استراتيجي بين فرنسا وإسرائيل والعديد من الدول العربية

من جانبه، يأسف غويندال رويلارد، النائب عن "الجمهورية إلى الأمام"، قائلاً: "كانت لائحة مايار خطأ حقيقياً، فهي تسجّل خلطاً بين معاداة السامية، التي تدان قانوناً، ونقد السياسة الإسرائيلية. وقد فُهمت على أنها إشارة تذهب دائماً في الاتجاه نفسه".

ويشاطر رويلارد الرأي، زميله من الحركة الديمقراطية "مودام"، برونو غونكور، الذي يقول: "كانت لائحة مايار لحظة شرخ. كنا بعيدين عن أغلبية واضحة بخصوصها، مما يبرز مدى تعقيد المسألة. لم يكن الأمر مجيداً جداً في مودام؛ فقد صوّت 5 لصالح اللائحة و5 ضدها، و13 امتنعوا عن التصويت".

إذا كان نواب حزب "فرنسا الأبية" الذي يتزعمه جان لوك ميلانشون، واليسار الديمقراطي والجمهوري (الحزب الشيوعي الفرنسي وحلفاؤه) قد صوتوا بأغلبية واسعة ضد اللائحة، ومن بينهم ميلانشون (ولكن ليس المرشح الشيوعي فابيان روسال، الذي لم يشارك في التصويت)، فإن تبني لائحة مايار أحدث شروخاً في حزب "الجمهورية إلى الأمام" وفي الحزب الاشتراكي و"مودام".

ويقول مراقب مطلع: "بخصوص موضوع إسرائيل ـ فلسطين، يلتزم كثير من البرلمانيين الصمت، غالباً بدافع الانتهازية أو الجبن. فهم يخشون الوقوع في اضطرابات. فالإسلاموفوبيا تعد لقباً نبيلاً، بينما يؤدي الاتهام بمعاداة السامية إلى السقوط. وقد أظهر التصويت على لائحة مايار خصوصاً، بأن هناك الكثير من الأخشاب الفاسدة حول الموضوع". وليس من المنتظر أن يتغيّر الأمر قريباً.

ينشر بالتزامن مع "أوريان 21"
https://orientxxi.info/ar