إسرائيل تواصل التهديد باستئناف الحرب على غزة لكنها لا تهجر المفاوضات
استمع إلى الملخص
- تواصل إسرائيل تهديداتها باستئناف الحرب على غزة، مع اتخاذ خطوات انتقامية مثل وقف المساعدات، بينما تستمر في المفاوضات مع حماس عبر وسطاء، مما يعكس توازنها بين التصعيد العسكري والمناورة السياسية.
- يواجه نتنياهو تحديات مع اقتراب إقرار الميزانية، ويسعى للحفاظ على التحالف الحكومي وتجنب انتخابات مبكرة، محاولاً إيجاد اتفاق مع حماس يضمن تحرير الأسرى دون انسحاب من غزة.
تشهد الحالة السياسية الإسرائيلية الراهنة مستوى غير مسبوق في حدة التداخل بين الاعتبارات السياسية الداخلية من جهة، والقرارات الأمنية والعسكرية الاستراتيجية من جهة أخرى، إلى جانب التأثير المتزايد للعلاقات الخارجية على المشهد السياسي الداخلي. ما يجري حالياً في عملية صناعة القرار في إسرائيل هو توسيع نطاق القيود التي تفرضها الاعتبارات السياسية الداخلية ومصالح التحالف الحكومي، بحيث تشمل أيضاً السياسات الأمنية والاستراتيجية. وفي المقابل، هناك تأثير متزايد للسياسات والعلاقات الخارجية على المشهد السياسي الداخلي، الأمر الذي قد يؤدي إلى جمود في اتخاذ القرار، خاصة في ما يتعلق بمستقبل اتفاق تبادل الأسرى والمحتجزين ووقف إطلاق النار الموقع مع حركة حماس، أو استئناف الحرب على غزة أو التوجه نحو اتفاق جديد.
التهديد باستئناف الحرب على غزة
كل خيار من هذه الخيارات يحمل أبعاداً سياسية وأمنية ودبلوماسية، ويؤثر بشكل مباشر على استقرار ومستقبل التحالف الحكومي. تواصل إسرائيل تهديداتها اليومية باستئناف الحرب على غزة مؤكدة أنها تضع الخطط العسكرية اللازمة وتُجهز الجيش لهذا السيناريو. بل إن رئيس الأركان الجديد إيال زامير زار منطقة الجنوب مباشرة بعد توليه المنصب الجديد، وصادق على خطط عسكرية محدثة تحضيراً للعودة إلى الحرب. وصرح رئيس الأركان الإسرائيلي، في أول لقاء له مع رؤساء السلطات المحلية في منطقة غلاف غزة، الخميس الماضي، بأن الجيش يستعد للعودة إلى الحرب في غزة، مؤكداً أن قضية المختطفين تأتي على رأس الأولويات. يأتي هذا التصريح امتداداً لما قاله قبل عدة أيام، في كلمته خلال مراسم تبديل رئاسة الأركان، حين أشار إلى أن إسرائيل ستواجه عاماً إضافياً من الحرب الصعبة، وأنه يجب عليها حسم المعركة ضد حركة حماس.
التواصل المباشر بين واشنطن وحماس يدفع نتنياهو إلى مواصلة المفاوضات مع الحركة
إلى جانب ذلك، تكرر القيادات السياسية الإسرائيلية في تصريحاتها اليومية أن إسرائيل لن تقبل باستمرار الاتفاق السابق مع حركة حماس، ولن تتقدم نحو المرحلة الثانية من الاتفاق، ولن تنسحب من محور صلاح الدين (فيلادلفي) أو من قطاع غزة بالكامل. على سبيل المثال تصريح وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، خلال مقابلة مع الإذاعة العامة الإسرائيلية الاثنين الماضي، حيث قال: "رئيس الأركان الجديد (زامير) يخطط بشكل مختلف تماماً عن سلفه (هرتسي هليفي)، وهو يريد حرباً أكثر كثافة وسرعة وشدة، بهدف احتلال قطاع غزة، والإبادة المطلقة لحماس، وإعادة المخطوفين (المحتجزين في غزة). سننفذ ذلك بطريقة مختلفة، ولن نعود إلى غباء رئيس الأركان السابق".
في الوقت نفسه، تُصعد إسرائيل خطواتها الانتقامية تجاه قطاع غزة بشكل يومي، ومن بين هذه الإجراءات وقف إدخال المساعدات الإنسانية، بما في ذلك الغذاء والأدوية، ومنع دخول المعدات الثقيلة اللازمة لإزالة الركام والأنقاض، وقطع التيار الكهربائي عن غزة منذ الأحد الماضي.
إسرائيل لا تهجر المفاوضات
بالتوازي مع تصاعد الدعوات الإسرائيلية لاستئناف الحرب على غزة، لم تتخل الحكومة بالكامل عن المفاوضات مع حركة حماس عبر الوسطاء. ففي ليلة السبت الماضي، قررت إرسال وفد إلى الدوحة لمتابعة المحادثات، إلا أن الوفد يقتصر على مستوى تقني دون صلاحيات فعلية لإحراز تقدم في المفاوضات. ويعكس هذا النهج استمرار إسرائيل في إدارة التفاوض والمناورة السياسية، مع الإبقاء على خيار التصعيد العسكري قائماً.
ويمكن فهم قرار الحكومة الإسرائيلية باعتباره نتيجة للضغوط غير المعلنة التي تمارسها الإدارة الأميركية، منها التفاوض المباشر مع حركة حماس دون علم مسبق للحكومة الإسرائيلية التي أعلن عنها الأسبوع الماضي. وأثار الكشف عن هذه المفاوضات مخاوف جدية لدى الحكومة الاسرائيلية، وخصوصاً لدى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي كان يعتقد أن احتمال وجود اتصالات مباشرة بين الولايات المتحدة وحماس ضئيل، وأن التنسيق بينه وبين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وثيق للغاية.
يسعى نتنياهو لتهدئة الساحة السياسية الداخلية مع اقتراب الموعد النهائي لإقرار الميزانية في الكنيست
ويشكل التواصل المباشر بين واشنطن وحماس تحدياً كبيراً للموقف الإسرائيلي في المفاوضات، حيث يضعف قدرة إسرائيل على فرض شروطها، بل ويدفع نتنياهو إلى مواصلة المفاوضات مع الحركة، إذ كيف يمكنه تبرير رفضه استمرار المفاوضات أمام الرأي العام الإسرائيلي، في الوقت الذي تتفاوض فيه إدارة أميركية، معروفة بتشددها تجاه حماس، بشكل مباشر مع الحركة؟ التواصل بين الإدارة الأميركية وحماس يقلل أيضاً من احتمال تنفيذ خطة ترامب لتهجير سكان غزة، إلى جانب بقية التهديدات التي أطلقها تجاه الحركة، ما يزيد من تعقيد الموقف الإسرائيلي.
ورأى الصحافي حاييم لفنسون، في تقرير نشر في صحيفة هآرتس السبت الماضي، أن المفاوضات بين الإدارة الأميركية وحركة حماس جاءت نتيجة "مناورة دبلوماسية بارعة" نفذتها قطر. فقد عاد نتنياهو من واشنطن بعد أسبوع من النشوة السياسية، مقتنعاً بأنه يسيطر على ترامب، ثم جاءت قطر وقلبت الموازين. فتح قنوات اتصال مباشرة بين واشنطن وحماس فاجأ إسرائيل وأثار مخاوفها. ونجحت هذه الخطوة في إخراج نتنياهو من حالة الاطمئنان التي كان يشعر بها، ومنحت دفعة قوية للمفاوضات حول المرحلة الثانية من صفقة الأسرى.
يمكن اعتبار عودة إسرائيل إلى المفاوضات محاولة لوقف التواصل المباشر بين الإدارة الأميركية وحركة حماس، ومنع التوصل إلى اتفاق قد يضر بمصالح إسرائيل، وخاصة بمصالح نتنياهو. فسيناريو التوصل إلى اتفاق بين الإدارة الأميركية وحماس، أو استمرار العمل بالاتفاق الحالي نتيجة لتغير موقف واشنطن من الحرب على غزة أو تراجع ترامب عن مواقفه السابقة، قد يكون ضربة قوية لرئيس الوزراء الإسرائيلي، خاصة في ظل الأزمات السياسية الداخلية التي يواجهها، والتي قد تهدد استقرار حكومته.
تداخل السياسة الداخلية والضغوط الخارجية
يسعى نتنياهو إلى تهدئة الساحة السياسية الداخلية مع اقتراب الموعد النهائي لإقرار الميزانية الحكومية في الكنيست بنهاية مارس/ آذار الحالي. ووفقاً للقانون الإسرائيلي، فإنه في حال فشلت الحكومة في تمرير قانون الميزانية لغاية نهاية مارس، يتم حل الكنيست تلقائياً والتوجه إلى انتخابات مبكرة خلال تسعين يوماً.
بعد انسحاب الوزير السابق إيتمار بن غفير وحزبه من الائتلاف الحكومي، أصبحت الأغلبية التي تدعم قانون الميزانية في الكنيست هشة للغاية، خاصة بعد إعلان وزير الإسكان يتسحاق غولدكنوف، رئيس حزب "أجودات يسرائيل" المتدين المتزمت، وهو جزء من التحالف الحكومي، وإسرائيل آيخلر، من الحزب ذاته، عن نيتهما التصويت ضد الميزانية، بحجة أن الميزانية المقترحة تضر بالمجتمع الحريدي، بالإضافة إلى عدم إقرار قانون التجنيد، الذي كان من المفترض أن يعفي طلاب المعاهد الدينية من الخدمة العسكرية.
يرفع هذا الواقع الثمن السياسي لبقاء سموتريتش داخل التحالف الحكومي. فأي خسارة إضافية لعضو في الائتلاف تعني عدم قدرة نتنياهو على تمرير قانون الميزانية، وبالتالي حل الكنيست تلقائياً، حتى لو لم يكن أي من شركائه يرغب في ذلك. أما ثمن الحفاظ على دعم حزب "الصهيونية الدينية"، فقد أعلنه سموتريتش بوضوح في عدة مناسبات، وهو عدم إنهاء الحرب على غزة وعدم التقدم نحو المرحلة الثانية من اتفاق تبادل الأسرى والمخطوفين، وعدم الانسحاب من غزة.
تتعارض العوامل الخارجية مع المصالح السياسية الداخلية لنتنياهو. فالحفاظ على علاقة استراتيجية وجيدة مع الإدارة الأميركية تعني التقدم في مسار المفاوضات، أو على الأقل تجنب العودة إلى الحرب على غزة في هذه المرحلة، واستمرار تنفيذ اتفاق تبادل الأسرى والمحتجزين، واحتمال الانسحاب من قطاع غزة ومن محور صلاح الدين. هذه السيناريوهات تشكل تهديداً جدياً لتماسك التحالف الحكومي، حيث إن أي تقدم في هذه الملفات قد يؤدي إلى انهيار الائتلاف بسبب الضغوط التي يمارسها شركاء نتنياهو في الحكومة.
للخلاصة يمكن القول إن الحكومة الإسرائيلية تعلن أنها تستعد لاستئناف الحرب على غزة وتتحضر لها دون أن تبادر فعلياً إلى استئناف الحرب، بل تنفذ سياسات عقابية وضغوطاً على سكان غزة وحركة حماس. وتقول إنها لن تقبل بالانتقال إلى المرحلة الثانية من تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، لكنها لا تقطع حبل المفاوضات كلياً. فعلى ما يبدو يحاول نتنياهو، كالعادة، كسب الوقت بانتظار تغيرات ما، ويبحث عن خيار ثالث يدمج بين الحاجة للحفاظ على التحالف الحكومي، وعبور شهر مارس المليء بالمطبات السياسية الداخلية، دون أن يؤدي ذلك إلى أزمة جدية مع الرئيس الأميركي.
يبحث نتنياهو عن اتفاق جديد مع حركة حماس، يضمن عبره استمرار تحرير أسرى ومحتجزين، ويخفف ضغط أهالي الأسرى في غزة، ولا يشمل انسحاب إسرائيل من محور صلاح الدين ومن قطاع غزة. يمكن أن يضمن اتفاق كهذا مخرجاً لمأزق نتنياهو السياسي، ولو بشكل مؤقت. هذا ما يسعى إليه نتنياهو، فهل ستسمح الظروف بذلك؟