إسرائيل تهجّر سوريي القنيطرة... ودعم أميركي للاحتلال والقصف

13 ديسمبر 2024
جنود الاحتلال في المنطقة العازلة قرب مجدل شمس، 11 ديسمبر 2024 (جلاء مرعي/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- استغلت إسرائيل الفوضى في سوريا لاحتلال أراضٍ في ريف القنيطرة، مدعومة بتأييد أميركي، حيث دمرت الدفاعات الجوية السورية واعتبرت ذلك دفاعًا عن النفس.
- توغلت القوات الإسرائيلية في الجنوب السوري بعد إلغاء اتفاق 1974، وأجبرت المدنيين على الإخلاء، محولة المواقع العسكرية السورية إلى إسرائيلية، مما يعكس قلقها من النظام الجديد في دمشق.
- تواجه الحكومة السورية تحديات كبيرة مع انهيار الجيش، وتركز على إعادة هيكلته، بينما تعتمد على الحلفاء لمواجهة العدوان الإسرائيلي وتسعى لحلول دبلوماسية.

بدأ الاحتلال وضع اللبنة الأولى لاحتلال مفتوح لأراضٍ سورية

تستغل إسرائيل الظروف لتدمير ما تبقّى من مقدرات سورية العسكرية

دمرت الغارات الإسرائيلية سلاح البحرية السوري بشكل شبه كامل

في إطار استغلاله للأوضاع التي تمر بها سورية، وعدم قدرة إدارة العمليات العسكرية، التي تولت زمام الأمور في دمشق على الرد، سواء عسكرياً أم سياسياً، بدأ الاحتلال الإسرائيلي وضع اللبنة الأولى لاحتلال مفتوح لأراضٍ سورية، عبر تهجير أهالي قرى في ريف القنيطرة فيما نقل إعلام عبري عن أوساط الجيش قناعة جنرالاته بأن تدمير الدفاعات الجوية السورية "فرصة لمهاجمة المنشآت النووية في إيران". وكل الجرائم الإسرائيلية في سورية، قصفاً واحتلالاً وتهجيراً، نالت دعماً أميركياً مطلقاً عبّر عنه كل من مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان ووزير الخارجية أنطوني بلينكن.

وفي حين تستغل إسرائيل الظروف وغياب الاستقرار لتدمير ما تبقّى من مقدرات سورية العسكرية، ومنع قيام جيش سوري قوي مستقبلاً، فإن الأوضاع التي باتت فيها سورية بعد فرار بشار الأسد يوم الأحد الماضي، والتحديات التي تواجهها الإدارة العسكرية الجديدة التي لم تستطع حتى الآن بسط سيطرتها على كامل الأراضي السورية، هي عوامل تمنع أي رد من هذه السلطات. وتوغلت قوات الاحتلال في الجنوب السوري عدة كيلومترات، بعد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل أيام أن اتفاق فض الاشتباك المبرم في 1974 بين سورية وإسرائيل ملغى.

تهجير قرى في القنيطرة

وذكرت مصادر متطابقة أن الجيش الإسرائيلي أجبر المدنيين على إخلاء منازلهم في بلدتي الحضر والحميدية بريف القنيطرة ما أثار حالة من الخوف والهلع بين الأهالي، ودفعهم إلى النزوح نحو المناطق المجاورة. كما ذكر "تلفزيون سوريا" أمس الخميس أن "جيش الاحتلال دخل الأطراف الغربية لبلدة جباتا الخشب بريف القنيطرة وطالب الأهالي بتسليمه ما لديهم من أسلحة"، مشيراً إلى أن "جيش الاحتلال الإسرائيلي هجّر أهالي قرية الحرية بالكامل بعد الاستيلاء عليها". وقال مصدر إسرائيلي مطلع لوكالة الأناضول إن "قوات الجيش الإسرائيلي منتشرة في المنطقة العازلة على الحدود مع سورية، بين كيلومترين و10 كيلومترات"، غير أن المصدر رفض تحديد القرى السورية بالمنطقة العازلة وما إذا كانت تضم قرى في القنيطرة التي ينتشر فيها الجيش لـ"اعتبارات أمنية".

الجيش الإسرائيلي أجبر المدنيين على إخلاء منازلهم في بلدتي الحضر والحميدية بريف القنيطرة

وكانت إذاعة الجيش الإسرائيلي كشفت، مساء أول من أمس الخميس، أن الجيش "يستعد لإقامة طويلة الأمد في الأراضي السورية" التي تم احتلالها إثر انسحاب قوات النظام السوري من مواقعها في المنطقة العازلة مع الجولان. ولفتت إلى أن "الجيش الإسرائيلي شرع بتحويل المواقع العسكرية السورية التي تم احتلالها من قبل مقاتلي كتيبة 101 من وحدة المظليين، دون أن تُطلق أي رصاصة إثر انسحاب قوات النظام السوري بعد هروب الأسد، إلى مواقع عسكرية إسرائيلية". وأوضحت أن "الجيش الإسرائيلي بدأ بتأسيس بنية تحتية لوجستية شاملة، حيث تم إحضار حاويات تحتوي على خدمات مثل الحمامات، والمطابخ، وحتى المكاتب الخاصة بالضباط"، مرجحة أن "يتوسع النشاط ليشمل أعمدة اتصالات". وأوضحت أن "الجيش الإسرائيلي أحكم سيطرته على المناطق الحيوية في المنطقة، واحتلال قمم التلال التي تكشف مساحات واسعة من سورية، خاصة في المناطق الحدودية، وأقام حواجز عسكرية في التقاطعات داخل القرى السورية، كالحواجز المنتشرة في الضفة الغربية". وذكرت أنه في بعض المواقع، تجاوز الجيش الإسرائيلي المنطقة العازلة، وسيطر على مواقع في مناطق سورية قرب المنطقة الحدودية تقع خارج منطقة فض الاشتباك، يعتبر أنها "استراتيجية للتحكم والتصدي للتهديدات القادمة من الداخل السوري".

وشدد نتنياهو، خلال اجتماع مع مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، أمس الخميس، على أن إسرائيل ستواصل سيطرتها على المنطقة العازلة مع الجولان حتى "يتم تشكيل قوة فعالة تعمل على تطبيق" اتفاقية فض الاشتباك وفصل القوات الموقعة عام 1974. وقالت الحكومة الإسرائيلية، في بيان، إن "نتنياهو أكد خلال الاجتماع أن إسرائيل ستفعل كل ما يلزم لحماية أمنها من أي تهديد، ولذلك أمر الجيش الإسرائيلي بالسيطرة المؤقتة على المنطقة العازلة في سورية حتى يتم تشكيل قوة فعالة تطبق اتفاقية فصل القوات لعام 1974". وشدد نتنياهو، بحسب البيان، "على ضرورة تقديم المساعدة للأقليات في سورية ومنع الأنشطة الإرهابية ضد إسرائيل انطلاقاً من الأراضي السورية".

دعم أميركي للاحتلال

وأعرب سوليفان، في مؤتمر صحافي، عن اعتقاده أن "الإجراءات الإسرائيلية في سورية ستكون مؤقتة"، معتبراً أن "ما تفعله إسرائيل في سورية هو تحديد التهديدات وتحييدها". واعتبر سوليفان، في إطار دفاعه عما يقوم به جيش الاحتلال في سورية، أن "توغل إسرائيل في المنطقة العازلة في سورية منطقي ومتوافق مع حق الدفاع عن النفس". كما أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن دافع عن إسرائيل، معتبراً أنها تسعى لضمان عدم وقوع ترسانة الجيش السوري في "الأيدي الخطأ". وقال بلينكن، للصحافيين قبيل مغادرته الأردن متوجهاً إلى تركيا ضمن جولته لبحث الأزمة السورية، إن "الغرض المعلن من هذه الإجراءات الإسرائيلية هو محاولة ضمان أن المعدات العسكرية التي تخلى عنها الجيش السوري لن تقع في الأيدي الخطأ، إرهابيين ومتطرفين وما إلى ذلك. لكننا سنتحدث، نتحدث فعلياً، إلى إسرائيل، ونتحدث إلى آخرين، حول سبل المضي قدماً".

وفي مكالمة مع وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، قال وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، بحسب بيان للوزارة أول من أمس، إنه "بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، لن تسمح دولة إسرائيل بوجود واقع يهدد حياة مواطنيها، ولذلك، ولاعتبارات أمنية، أصدرتُ ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، تعليمات للجيش بالسيطرة على نقاط استراتيجية في المنطقة العازلة بسورية". وذكرت أن كاتس ناقش مع أوستن "الهجمات التي شنها الجيش الإسرائيلي في سورية، والتي جرت على خلفية التهديد بأن الأسلحة الاستراتيجية قد تُستخدم في المستقبل ضد إسرائيل"، واتفقا على "المخاطر التي تمثلها إيران ووكلاؤها، وعلى التعاون لمنع محاولات تهريب الأسلحة من إيران إلى لبنان عبر سورية". وقالت وزارة الدفاع الأميركية، في بيان من جهتها، إن أوستن أبلغ كاتس، خلال اتصال هاتفي بينهما، بأنه من المهم للولايات المتحدة وإسرائيل أن تكونا على تشاور وثيق بشأن الأحداث الجارية في سورية. وأضافت أنّ أوستن أبلغ كاتس بأنّ واشنطن تراقب التطورات في سورية وأنها تدعم انتقالاً سياسياً سلمياً يشمل الجميع. وذكر أوستن أنّ الولايات المتحدة ستواصل مهمتها من أجل منع تنظيم داعش من إعادة تأسيس ملاذ آمن له في سورية.

تواصل الغارات الإسرائيلية

واستهدفت غارات إسرائيلية، أمس الخميس، محيط دمشق مع تحليق طائرات حربية. وكان الطيران الإسرائيلي شن مساء أول من أمس الأربعاء هجمات جديدة على أهداف عسكرية في سورية، خصوصاً في الساحل، مستهدفاً ميناء اللاذقية ومستودعات أسلحة وصواريخ وشبكات رادار. كما شن هجمات على دير الزور في أقصى الشرق السوري، مستهدفاً مطارها العسكري. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، الأربعاء الماضي، أن الطيران الإسرائيلي شن منذ الأحد الماضي أكثر من 352 غارة جوية على 13 محافظة سورية شاركت فيها مئات الطائرات في أكبر حملة جوية تقوم بها إسرائيل منذ تأسيسها.

يقدّر الجيش الإسرائيلي تدمير 85% من الدفاعات السورية

يشار إلى أنه لم تجر عمليات إحصاء لما دمره جيش الاحتلال الاسرائيلي خلال أيام من أسلحة ومراكز عسكرية، ولكن يعتقد أن الحملة طاولت مئات الطائرات الحربية والمروحيات الرابضة في المطارات. وكان جيش النظام السوري يملك عدداً كبيراً من الدبابات روسية الصنع من أنواع "تي-90"، و"تي-72"، و"تي-64"، و"تي-55"، فضلاً عن أنظمة دفاع جوي روسية من طراز "إس 200" و"إس 300" و"بانتسير-إس1" متوسطة المدى، وصواريخ أرض ـ أرض روسية من طراز "سكود"، يصل مداها إلى أكثر من 700 كيلومتر. ودمرت الغارات الإسرائيلية سلاح البحرية بشكل شبه كامل، وكان يضم، وفق تقارير إعلامية، غواصتين من طراز "أمور" الروسية، وفرقاطتين من طراز "بيتيا"، إضافة إلى 16 زورق صواريخ روسية الصنع من طراز "أوسا" وخمس كاسحات ألغام روسية من طراز "ييفينغنيا" وستة زوارق صواريخ "تير" إيرانية الصنع. كما دمر الطيران الإسرائيلي مستودعات سلاح وذخيرة ومراكز بحوث خاصة بالأعمال العسكرية، في عموم الجغرافية السورية.

وذكرت هيئة البث الإسرائيلية العامة ("كان 11")، وإذاعة الجيش الإسرائيليّ، أمس الخميس، أن التقديرات في الجيش الإسرائيلي تشير إلى أنه دمّر خلال عدوانه على سورية 85% من أنظمة الدفاع الجويّ السورية، معتبراً أنها "فرصة لمهاجمة المنشآت النووية في إيران". وذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي، أن "مختلف الأجهزة الأمنية، بما فيها الجيش الإسرائيلي، تقوم في الوقت الراهن بعمليّة تحضيريّة بين منظمات استخباراتية وعملياتيّة واسعة النطاق، من أجل وضع القُدرات، وإمكانيّة اختيار شنّ هجوم على المنشآت النووية (في إيران) أمام المستوى السياسي".

ويبدو أن إدارة العمليات العسكرية التي أسقطت نظام الأسد ليست بصدد الإقدام على رد عسكري على الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية براً وجواً بسبب تعقيدات الأوضاع الراهنة وعدم القدرة على هذه الخطوة في الوقت الراهن، وهو ما أدركته إسرائيل. وقال قائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، في مقابلة تلفزيونية أول من أمس الثلاثاء، إن "الناس منهكة من الحرب. لذا، البلاد ليست مستعدة لحرب أخرى، وهي لن تنخرط في حرب أخرى". ويبدو أن رئيس الحكومة الانتقالية أحمد البشير لم يرتّب أوضاع وزارة الخارجية بعد، والتي من مهامها مخاطبة الأمم المتحدة ومجلس الأمن حيال الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة. كما لم يستلم أي وزير دفاع جديد مهامه التي ستتمحور حول إعادة هيكلة الجيش السوري وتجميع شتاته، وهو ما يتطلب الكثير من الوقت، خصوصاً أن هذا الجيش انهار بشكل كامل مع هروب الأسد والقيادات العسكرية من البلاد مع تقدم الفصائل باتجاه العاصمة دمشق، ما أدى إلى خلو الجنوب السوري من أي وجود لهذا الجيش، ما سهّل على جيش الاحتلال التقدم بدون أي مقاومة.

ورأى الباحث ياسين جمّول، في حديث مع "العربي الجديد"، أن ما تفعله "إسرائيل اليوم من باب الاحتياط والاحتراز، لأنها لا تعرف الحكم القادم إلى سورية"، مضيفاً: "هذا صكّ براءة للثوّار من العمالة التي رمتهم بها بكل أسف كبرى القنوات العربية لأيام خلال معارك التحرير، حيث لا تريد إسرائيل أن يبقى من ترسانة سورية العسكرية أي سلاح يهدّد أمنها ومصالحها عاجلاً أو آجلاً". واعتبر أنه "من الطبيعي ألا تكون قوى الثورة والتحرير في مستوى يسمح لها بالرد حالياً على القصف الإسرائيلي، لأنه من الجو ومن بعيد".

وبرأيه، فإن التوغل الإسرائيلي البري في جنوب سورية يؤكد خشية تل أبيب "من سيناريو توغّل وتقدّم لقوى الثورة والتحرير كما فعلت في الانتقال من جيب صغير محاصر في الشمال وامتدّت في كامل الخريطة السورية"، مضيفاً: "إسرائيل تتوغل لتزيد حزام الأمان حولها". ورأى أن "المسؤولية الآن تقع على الدول الحليفة لسورية ولا أقول للثورة، لأن العدوان الإسرائيلي اليوم يستهدف مقدّرات سورية بعيداً عن نظام ومعارضة"، مضيفا: "على الأشقاء العرب، مع تركيا، التصدّي لهذا العدوان والعمل على إيقافه". وتابع: "ما قامت به إسرائيل منذ الأحد من تدمير لأغلب القدرات العسكرية في سورية يثبّت النظرة الصحيحة أنها عدو لا يمكن مجاورته والتعايش معه بحال من الأحوال".

ضياء قدور: القصف يعكس قلق إسرائيل من النظام الجديد

من جانبه، رأى الخبير العسكري ضياء قدور، في حديث مع "العربي الجديد"، أن أمام الحكومة الانتقالية الكثير من التحديات "ولكن يمكن أن تؤكد التزامها باستخدام الوسائل الدبلوماسية والتعاون الدولي لتعزيز السلم والاستقرار في المنطقة". وبرأيه فإن "القصف الإسرائيلي الجوي والتوغل لعدة كيلومترات داخل الأراضي السورية يعكسان القلق الإسرائيلي الواضح من النظام الجديد في دمشق، على الرغم من أن أحمد الشرع أكد أن سورية الجديدة لا تريد حرباً مع أحد، وتسعى لتجنّب الصراعات". ورأى أن "سورية الجديدة لن تكون دولة بوليسية وأمنية، وستكون التنمية على رأس جدول الأعمال لدى الحكومة الانتقالية والحكومات القادمة لتعويض التراجع الكبير نتيجة سنوات الحرب". وأضاف أن على الحكومة الانتقالية استخدام كل الوسائل الدبلوماسية لحماية سيادة سورية، والتواصل مع الحلفاء لتعزيز الدعم السياسي، مع التركيز على الإعلام والتوعية لكسب دعم الرأي العام العالمي.