استمع إلى الملخص
- تعزز إسرائيل سيطرتها العسكرية جنوب غرب سوريا بإقامة نقاط عسكرية، مما يضمن طرقاً مفتوحة بين الجولان والقرى الدرزية ويمنع عودة الجيش السوري.
- يعتبر الباحثون التحركات الإسرائيلية انتهاكاً للسيادة السورية، داعين لحل سياسي شامل ومصالحة وطنية لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي والحفاظ على وحدة سوريا.
يعمل الجيش الإسرائيلي بشكل حثيث وسافر على خلق واقع جديد يتيح له قضم قرى سورية سكّانها من الطائفة الدرزية تحت شعارات "إنسانية"، مستغلاً غياب الدولة السورية التي تواجه اليوم تحديات جمّة لعل في عمقها التهديد الأكبر الذي تشكله إسرائيل والذي بات مهدداً رئيسياً لوحدة سورية الجغرافية والاجتماعية.
خطط طويلة للبقاء
وبحسب مصادر محلية، بات للجانب الإسرائيلي حضور كبير في قرى سورية تقع على سفح جبل الشيخ المقابل لهضبة الجولان المحتلة وهي قرى: حضر، الواقعة إدارياً في محافظة القنيطرة، وعرنة وريمة وبقعسم وقلعة جندل التابعة إدارياً لمحافظة ريف دمشق. وبيّنت المصادر لـ"العربي الجديد" أن هذه القرى باتت معزولة اليوم عن بقية سورية، وتعتمد في معاشها وطبابتها على إسرائيل التي يتجوّل جنودها فيها بكل أريحية، ومنهم المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي الذي التقط صورة في عرنة قبل أيام، في ظل غياب تام للدولة ومؤسساتها. كما أوضحت المصادر الموجودة في مدينة القنيطرة أن الجيش الإسرائيلي يُدخل كل أسبوع تقريباً ما يقول إنها "مساعدات إنسانية" تضم أدوية وقمحاً ومحروقات ومواد غذائية لسكان هذه القرى، مشيراً إلى عناصر من الكتيبة الدرزية (299) في الجيش الإسرائيلي لهم أقارب في هذه القرى يدخلون إليها بشكل دائم.
بات للجانب الإسرائيلي حضور كبير في قرى سورية تقع على سفح جبل الشيخ وهي حضر وعرنة وريمة وبقعسم وقلعة جندل
كما أوضحت المصادر أن المنطقة مختلطة ديمغرافياً، فالقرى الدرزية متداخلة مع أخرى سنّية ومسيحية، مشيرة إلى أن القرى تقع على سفح جبل الشيخ وتتبع إدارياً لمنطقة قطنا بريف دمشق، مضيفة أنه "قبل سقوط نظام بشار الأسد (في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024) كان ينتشر بالقرب من هذه القرى لواء وكتيبتان من "جيش التحرير" الفلسطيني وتحديداً من قرية عرنة إلى جبل الشيخ الذي "بات هو وسفحه تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة منذ مطلع العام الحالي"، وفق المصادر.
وكان الجيش الإسرائيلي أعلن في مايو/أيار الماضي عن إقامة منشأة طبية ميدانية متنقلة لتصنيف المصابين ولتقديم العلاج الطبي في منطقة قرية حضر جنوبي سورية. وتقع بلدة حضر الدرزية على بعد نحو 75 كيلومتراً عن دمشق، وتقع ضمن المنطقة العازلة التي حددتها اتفاقية "فكّ الاشتباك" في عام 1974 والتي أطاحتها إسرائيل عقب سقوط نظام الأسد. واحتلت بعد ذلك التاريخ المنطقة العازلة بين سورية والجولان المحتل وأقامت فيها نقاط ارتكاز، وتتوغل بين وقت وآخر داخل الأراضي السورية، وتعتقل أشخاصا تزعم أنهم يشكلون خطراً على أمنها.
وتعليقاً على التحركات الإسرائيلية جنوب غربي سورية، رأى المحلل العسكري العميد عبد الله الأسعد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "هدف جيش الاحتلال السيطرة النارية على المناطق المحيطة بالقرى الدرزية في ريفي دمشق والقنيطرة"، مضيفاً: "يريد الاحتلال تأمين طرق مفتوحة لجيشه ما بين هضبة الجولان المحتلة والقرى الدرزية في داخل سورية". وبيّن أن جبل الشيخ وسفحه "لهما أهمية تكتيكية من الناحية العسكرية وخصوصاً لجهة الرصد في داخل سورية".
وتشير المعطيات الميدانية إلى أن لدى إسرائيل خططاً للبقاء في جنوب غرب سورية طويلاً، واحتلال المزيد من الأراضي في عمقه، للحيلولة دون عودة الجيش السوري بسلاحه الثقيل إلى الجنوب السوري بمجمله. ولم تنقطع التهديدات الإسرائيلية لسورية منذ سقوط نظام الأسد الذي حافظ على هدوء الجبهات مع إسرائيل على مدى نصف قرن.
وأقام الجيش الإسرائيلي عدة نقاط عسكرية في العمق السوري، منها نقطة مراقبة في أعلى جبل الشيخ الذي يبلغ ارتفاعه نحو 2800 متر وكانت قبل الثامن من ديسمبر 2024 تحت السيطرة السورية. ولا يمكن عزل ما يجري في القرى الدرزية في سفح جبل الشيخ عما يجري في محافظة السويداء جنوبي سورية، فتل أبيب تتخذ من ذريعة "حماية الدروز" مدخلاً واسعاً للتدخل في الشأن السوري بشكل سافر في استغلال واضح لغياب الدولة السورية الناشئة التي تواجه تحديات يغذيها هذا التدخّل.
استغلال أزمة وطنية في سورية
واعتبر الباحث السياسي (المتحدر من الجولان) حازم نهار، في حديث مع "العربي الجديد"، السلوك الإسرائيلي في جنوب غرب سورية واحتلال قرى "انتهاكاً واضحاً للسيادة السورية وللقوانين الدولية". وتابع: "ما يجري خطير على سورية من نواحٍ عدة، فقوات الاحتلال تسيطر على جبل الشيخ بأكمله تقريباً بعد أن كانت تسيطر على أقل من 10% منه، وهذا يوفر لها حاجزاً استراتيجياً ضد أي قوة عسكرية سورية". وأشار إلى أن "هذا الاحتلال الإسرائيلي الجديد خطر على المنطقة الجنوبية من سورية بأكملها، لا سيَّما من حيث فتح إمكان التدخل الإسرائيلي في النسيج الوطني السوري إمعاناً في تمزيقه". وبرأيه، فإن "الحكومة السورية أسهمت بطريقة أو أخرى في نمو هذه المخاطر الجديدة"، مضيفاً: "آثرت الحل العسكري الأمني قصير النفس في محافظ السويداء (ذات الغالبية الدرزية من السكان)، بدلاً من الحلول السياسية طويلة النفس، ما حوَّلها إلى مركز منفِّر للأطراف بدلاً من أن تكون مركزاً جاذباً، لا سيما خلال المرحلة الانتقالية التي تمر بها سورية والمتخمة بالأخطار الداخلية والخارجية".
حازم نهار: الحكومة الجديدة آثرت الحل العسكري الأمني قصير النفس في السويداء بدلاً من الحلول السياسية طويلة النفس
واعتبر نهار أن "على الحكومة السورية اليوم الإسراع بحل سياسي على المستوى الوطني"، مضيفاً: "ما يقال اليوم عن أزمة السويداء غير صحيح، فالأزمة وطنية سورية، والسويداء إحدى تجلياتها". وتابع: "تأتي في مقدمة هذا الحل إجراءات إسعافية تتمثل برفع الحصار عن السويداء وتقديم المتورطين في الانتهاكات إلى محاكمات علنية وعادلة وإجراء مصالحة وطنية على أساس حفظ الحقوق لا تجاوزها والقفز فوقها، ومن ثم الدعوة إلى مؤتمر وطني سوري عام بمشاركة عادلة من جميع أنحاء سورية لرسم ملامح الوطنية السورية الجديدة والنظام السياسي الجديد، وسبل المواجهة الجماعية السورية للمخاطر الخارجية، وفي القلب منها الاحتلال الإسرائيلي، فمن دون دولة وطنية ديمقراطية ونسيج اجتماعي متماسك لا تمكن مواجهة هذا الخطر".
من جهته، قال الباحث السياسي محمد صبرا (وهو أيضاً يتحدر من الجولان المحتل)، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "إسرائيل ومنذ لحظة سقوط النظام وهي تحاول تغيير الواقع الذي أفرزته اتفاقية عام 1974، واحتلالها الجديد لأجزاء من المنطقة العازلة أو توغلها في بعض القرى السورية هو جزء من سياساتها العدوانية ضد سورية والمستمرة منذ عام 1948". وتابع: "يجب ألا ننسى أن هناك تاريخاً من الحروب والدماء سالت في هذه المنطقة واستشهد الآلاف من السوريين في الجولان وفي مناطق حوران وفي ريف دمشق من جراء الاعتداءات الاسرائيلية المستمرة منذ عام 1948 والتي لم تتوقف مطلقاً خلال العقود السبعة الماضية".
واعتبر صبرا ما يجري اليوم من محاولات إسرائيلية لتغيير واقع السيطرة في جنوب غرب سورية "محاولة للتقدم في ظل أن الدولة السورية محطمة نتيجة الحرب التي شنها بشار الأسد على السوريين"، مشيراً إلى أن إسرائيل "أجهزت على ما تبقى من أصول عسكرية سورية خلال الأسبوع الأول من تحرير سورية من قبضة المجرم الهارب"، مضيفاً: "من المهم اليوم أن يحافظ السوريون على موقفهم الموحد الرافض للسياسات العدوانية الإسرائيلية والرافض لتمزيق سورية بما يخدم مصالح واستراتيجيات العدو".