إسرائيل تفشل بتحقيق مكاسب استراتيجية في غزة وتنتظر المعركة المقبلة

إسرائيل تفشل بتحقيق مكاسب استراتيجية في غزة وتنتظر المعركة المقبلة

14 مايو 2023
شنّ الاحتلال الإسرائيلي 15 عدواناً على غزة منذ 2005 (محمود حمص/فرانس برس)
+ الخط -

انتهت جولة أخرى من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، بعد استماتة إسرائيل لإنهائها، قبل تفاقم خسائرها وتعقّد حساباتها، فيما لا يمكنها ضمان موعد الجولة القادمة، في ظل فشلها المستمر في إضعاف المقاومة، وافتقادها لاستراتيجية واضحة، حتى وإن اغتالت ثلة من أهم قيادات حركة "الجهاد الإسلامي".

وتحاول حكومة الاحتلال الإسرائيلية، كما تفعل عقب كل عدوان تشنه على غزة، تسويق صورة نصر للجمهور الإسرائيلي. لكن لو كان الأمر كذلك فعلاً، لماذا تضطر في كل مرة إلى بدء جولة جديدة من القتال على فترات باتت أقرب قياساً بسنوات سابقة، حيث شنت ما لا يقل عن 15 عدواناً عسكرياً على القطاع منذ فك الارتباط عام 2005، أي بمتوسط مرة كل عام تقريباً؟

وتجمع أوساط إسرائيلية، من بينها المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، على أن معضلة غزة باقية، وأن أثر ما يُعتبر إنجازاً إسرائيلياً باغتيال قيادات في الفصائل الفلسطينية سينقضي سريعاً بخروج قادة جدد يحملون الراية.

كما خلص الكثير من التحليلات الإسرائيلية إلى أن مثل هذه العمليات لا جدوى منها، وأن العدوان ما كان يجب أن يكون من الأساس، بحسب ما ورد في افتتاحية "هآرتس"، ومنهم من يضيف بأن إسرائيل لا تمتلك أي حل جذري لمعضلة غزة، ولا رؤية للتعامل مع التهديدات الأمنية التي يشكّلها القطاع في ظل حكم حركة "حماس"، وأن معظم الإجراءات الإسرائيلية، سواء كانت عسكرية أو اقتصادية، تساهم في إدارة الصراع، وفي أحسن الحالات إرجاء موعد الانفجار المقبل والجولة المقبلة من المواجهات، فيما تتعاظم قوة حركة "حماس" التي تستثمر الوقت لتعزيز قدراتها العسكرية، وتدير الدفة بحكمة. 

محاولات لشق الصف الفلسطيني

وحاولت المؤسسة الإسرائيلية طيلة أيام العدوان شقّ صفوف المقاومة الفلسطينية، بتركيزها على ضرب حركة "الجهاد الإسلامي" واغتيال قياداتها، وتصريحاتها المتكررة بأن حركة "حماس" ليست جزءاً من المعركة الدائرة، فيما كانت "حماس" تصدر بيانات من خلال غرفة العمليات المشتركة تؤكد فيها على وحدة الصف في تصدي فصائل المقاومة للعدوان.

وجاء ذلك فيما كان عدد من السياسيين والمحللين الإسرائيليين يدعون لضرب قواعد "حماس" أيضاً، من بينهم عضو الكنيست أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب "إسرائيل بيتنا"، الأمر الذي تجنبه جيش الاحتلال الإسرائيلي ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، خشية اتساع رقعة المعارك والتسبب بخسائر أكبر في الجانب الإسرائيلي، فيما يمكنهم السعي لتقصير المعركة والتفاخر باغتيال ستة من قادة حركة "الجهاد الإسلامي".

وشكّل تعرّض مناطق في تل أبيب والقدس للقصف والدمار الذي بدأ يظهر للعيان ومقتل إسرائيلية في قذائف طاولت مدينة رحوفوت ضغطاً على نتنياهو والمؤسسة العسكرية الإسرائيلية، مع أخذهم بعين الاعتبار إمكانية انضمام "حماس" بشكل واضح إلى التصدي للعدوان، ومشاركتها في قصف الأراضي المحتلة في حال ارتفع عدد الضحايا المدنيين في الجانب الفلسطيني والتصعيد المتواصل، الأمر الذي يعقّد حسابات إسرائيل، وعليه وُجه تهديد واضح ومباشر لحركة "حماس" بأن قياداتها ستكون مستهدفة في حال تدخلها.

منافع داخلية مؤقتة

وعلى الرغم من أن اغتيال قادة "الجهاد" جاء بتوصية من المؤسسة العسكرية والأمنية، لكنه كان منوطاً بموافقة المستوى السياسي، وبإطلاق نتنياهو الضوء الأخضر حقق مكاسب سياسية لتحسين صورته لدى شركائه في الائتلاف، وفي صفوف مناصري اليمين الرافضين التعديلات التي تقودها حكومته في الجهاز القضائي، كما ارتفعت شعبيته في استطلاعات الرأي بعد تراجعها قبل العدوان.

ووجد نتنياهو في العدوان وصور الاجتماعات العسكرية فرصة لإعادة تحسين صورته، فحرص على نشر صور عدة تجمعه بقادة عسكريين، بمن فيهم وزير الأمن يوآف غالانت، الذي سبق أن أقيل على خلفية موقفه من التعديلات القضائية، قبل إعادته مجدداً بعد انتقادات واسعة طاولت نتنياهو.

كما ساعد العدوان في نزول وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، عن الشجرة التي اعتلاها بعد مقاطعته جلسات الحكومة، بحجة أنها ليست يمينية بما يكفي. لكن بن غفير نفسه اشتاق مجدداً لصعود الشجرة بإطلاقه تصريحات قبل وقف إطلاق النار، مثنياً على العدوان الأخير ونتائجه، ومطالباً في الوقت ذاته بتنفيذ اغتيالات وعمليات عسكرية إسرائيلية في الضفة الغربية، بذريعة أن العديد من منفذي العمليات يخرجون منها، وبالتالي لا يمكن الدخول في مرحلة من الهدوء، على حد تعبيره.    

في المقابل، لم يتمكن العدوان من ردع معارضي التعديلات التي تقودها الحكومة في الجهاز القضائي، فمحاولات نتنياهو استغلال العدوان لتحويل الأنظار إلى غزة ربما قلّصت من حجم المظاهرات مؤقتاً، لكنها لم تمنعها كلياً، ما دفع باتجاه مظاهرات ضخمة، مساء أمس السبت، حتى قبل دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ. ولهذا دلالته في عودة نتنياهو وأعضاء ائتلافه إلى أرض الواقع للتعامل مع التصدعات الداخلية في المجتمع الإسرائيلي والانقلاب القضائي الذي يقودونه. 

 "مسيرة الأعلام"

وقد تعوّل المؤسسة الإسرائيلية على امتصاص الجولة الأخيرة من العدوان بعض الغضب الفلسطيني تجاه ما يُسمى "مسيرة الأعلام" التي ستنظمها جهات استيطانية ويمينية متطرفة في 18 مايو/ أيار الجاري في ذكرى احتلال القدس.

لكن قواعد "اللعبة" في القدس مختلفة، ومغالاة المستوطنين في استفزاز الفلسطينيين والاعتداء عليهم قد تقود إلى حالة من التصعيد، على مستوى المدينة على أقل تقدير، الأمر الذي تعززه أيضاً حالة الغليان في الضفة الغربية، على أثر الاقتحامات والاغتيالات المستمرة التي ينفذها جيش الاحتلال، وعندها قد يأتي الرد من غزة أيضاً، رغم استبعاد دخول الفصائل في جولة جديدة بعد أيام معدودة فقط على انتهاء الجولة الأخيرة.

مع هذا، فإن فشل المؤسسة الإسرائيلية في فصل الساحات الفلسطينية عن بعضها يُبقي الباب موارباً على كل الاحتمالات، مثلما حدث في مايو/ أيار من عام 2021 عندما تسببت قذائف المقاومة باتجاه القدس، عقب الاعتداء على المصلين في المسجد الأقصى ومحيطه، بوقف مسيرة المستوطنين.