إسرائيل تتغول في الجنوب السوري: تعزيز الاحتلال يقابل بمقاومة محلية

03 فبراير 2025   |  آخر تحديث: 07:18 (توقيت القدس)
دبابتان إسرائيليتان في القنيطرة، 8 يناير 2025 (مالك أبو الأبيض/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعزيز الوجود العسكري الإسرائيلي: بعد سقوط نظام الأسد، سرعت إسرائيل بناء قواعد عسكرية في جنوب سورية وربطتها بشبكة طرق إلى الجولان المحتل، مما يشير إلى نية للبقاء طويل الأمد. أظهرت صور الأقمار الاصطناعية ثلاث قواعد جديدة وطرق تعزز المراقبة والتحرك.

- المقاومة المحلية والتوترات: رغم التواجد الإسرائيلي، ظهرت مقاومة محلية في جنوب سورية، خاصة في ريف القنيطرة، حيث واجهت القوات الإسرائيلية مقاومة واعتقالات وتخريب، مما زاد التوترات مع السكان المحليين.

- تحديات الحكومة السورية: تواجه الحكومة السورية الجديدة صعوبات في التعامل مع التوغل الإسرائيلي، وتبحث عن دعم دولي وإقليمي، بما في ذلك التعاون مع تركيا، لتعزيز موقفها في مواجهة التحديات الأمنية والسياسية.

تسرّع قوات الاحتلال الإسرائيلي العمل للبقاء طويلاً جداً في المناطق التي احتلتها في جنوب سورية بعد سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، حيث وسعت من عملية بناء القواعد العسكرية فيها، وربطتها بشبكة من الطرق الممتدة إلى الجولان السوري المحتل، في وقت بدأت تواجه فيه مقاومة محلية.

وكشفت صحيفة واشنطن بوست، أمس الأحد، أن إسرائيل تبني مواقع وقواعد عسكرية في جنوب سورية ما يشير إلى وجود طويل الأمد، رغم المزاعم الإسرائيلية بأن توغلاتها في مناطق جنوب سورية تأتي بهدف تأمين المنطقة بعد إسقاط نظام بشار الأسد، وأن وجودها في بعض النقاط مؤقت. وبحسب الصحيفة الأميركية، فإن صوراً للأقمار الاصطناعية تظهر وجود أكثر من ست منشآت ومركبات في قاعدة إسرائيلية محاطة بالأسوار في جباتا الخشب في القنيطرة، مع بناء مشابه تقريباً على بعد خمسة كيلومترات، وكلاهما يرتبط بطرق ترابية جديدة تمتد إلى مناطق في مرتفعات الجولان المحتلة، إضافة إلى قاعدة ثالثة قيد الإنشاء على بعد بضعة كيلومترات إلى الجنوب. وأشارت الصحيفة إلى أنه بحسب الصور، فإن الأبنية الجديدة التي تبنيها إسرائيل في جنوب سورية تشير إلى وجود ممتد، لافتة إلى أن ذلك جاء بعد أن احتلت القوات الإسرائيلية المنطقة العازلة مع سورية.

وكانت قوات الاحتلال اجتاحت، بعد ساعات من إسقاط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر الماضي، المنطقة العازلة، وسيطرت أيضاً على كامل مرتفعات جبل الشيخ. كما أعلنت إسرائيل انهيار اتفاقية فض الاشتباك مع سورية لعام 1974، وانتشار جيشها في المنطقة العازلة منزوعة السلاح بهضبة الجولان، قبل أن توسع الاجتياح إلى خارج المنطقة العازلة. كما نفذت أكبر عملية جوية في تاريخها دمرت من خلالها مقدرات الجيش السوري.

ونقلت "واشنطن بوست" عن محلل صور الأقمار الاصطناعية في مناطق الصراع وليام غودهايند قوله إن موقعي البناء الجديدين كانا حتى وقت قريب أراضي خاضعة لسيطرة سورية، وهما الآن أقرب لقاعدتين للمراقبة الأمامية، مشيراً إلى أنهما متشابهتان في البنية والأسلوب مع تلك الموجودة في الجزء الذي تحتله إسرائيل في الجولان. وأضاف: "القاعدة في جباتا الخشب أكثر تطوراً، في حين يبدو أن القاعدة الواقعة إلى الجنوب قيد الإنشاء". وتابع: "الأولى ستوفر رؤية أفضل للقوات، في حين تتمتع الأخيرة بإمكانية وصول أفضل إلى شبكة الطرق في المنطقة، كما هو الحال بالنسبة للقاعدة الثالثة في حال جرى بناؤها في أقصى جنوب البلاد".

أظهرت صور للأقمار الاصطناعية بناء الاحتلال ثلاث قواعد عسكرية جنوبي سورية

وإضافة إلى القواعد الثلاث، تظهر صور الأقمار الاصطناعية التي فحصتها الصحيفة طريقاً جديداً على بعد حوالي 15 كيلومتراً جنوب مدينة القنيطرة، يمتد من خط الحدود إلى قمة تل بالقرب من قرية كودنة بالريف الجنوبي لمحافظة القنيطرة، ما يوفر للقوات الإسرائيلية نقطة مراقبة جديدة. ونقلت الصحيفة عن رئيس بلدية جباتا الخشب محمد مريد، الذي شاهد القوات الإسرائيلية وهي تبني موقعاً عسكرياً جديداً على أطراف قريته في جنوب سورية قوله: "إنهم يبنون قواعد عسكرية. كيف يكون ذلك مؤقتاً؟"، وذلك في إشارته إلى إبلاغ قوات الاحتلال المواطنين في المنطقة عند بدء الغزو أن وجودهم سيكون مؤقتاً، وهو يستهدف البحث عن الأسلحة ومنع المسلحين من الوصول إلى المنطقة. ومنذ بدء الاجتياح في جنوب سورية أقام الجنود الإسرائيليون أيضا نقاط تفتيش وأغلقوا الطرق وداهموا المنازل وشردوا السكان وأطلقوا النار على المتظاهرين الذين تظاهروا ضد وجودهم، كما قال سكان في المنطقة.

ورداً على أسئلة حول طبيعة ومدة نشاطه في جنوب سورية قال الجيش الإسرائيلي: "تعمل قوات الجيش الإسرائيلي في جنوب سورية، داخل المنطقة العازلة وفي نقاط استراتيجية، لحماية سكان شمال إسرائيل". وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد قال في وقت سابق إن وجود القوات غير محدد، مشيراً إلى "مخاوف أمنية". وكانت قوات الاحتلال بدأت، في أغسطس/آب الماضي، حفر خندق جديد على بعد 100 متر داخل الجانب السوري من السياج الحدودي، وفقاً لصور الأقمار الاصطناعية.

وكانت صحيفة يديعوت أحرونوت نقلت، في 10 يناير/كانون الثاني الماضي، عن مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى قولهم إن إسرائيل تحتاج إلى الحفاظ على وجودها في محيط عملياتي يبلغ 15 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، لـ"ضمان عدم تمكن حلفاء النظام الجديد من إطلاق الصواريخ باتجاه مرتفعات الجولان"، مشددين على ضرورة وجود "منطقة نفوذ تمتد 60 كيلومتراً داخل سورية، تحت سيطرة الاستخبارات الإسرائيلية، لمراقبة ومنع التهديدات المحتملة من التطور". وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، أمس الأحد، أن "مسيّرة إسرائيلية قصفت آلية عسكرية تابعة لإدارة العمليات العسكرية قرب قرية السويسة في ريف القنيطرة".

يأتي هذا في الوقت الذي لم تأبه فيه إسرائيل للمطالب الدولية بالانسحاب من الأراضي السورية التي احتلتها بعد الثامن من ديسمبر الماضي، متذرعة بوجود تهديدات لأمنها لتضع يدها على المزيد من الأراضي السورية. وكرر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات السلام جان بيير لاكروا، الجمعة الماضي، مطالبة الاحتلال بالانسحاب من الأراضي السورية. وقال، في تصريح صحافي في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، إن وجود قوات إسرائيلية في المنطقة العازلة يتعارض مع اتفاقية 1974 بين سورية وإسرائيل. وأشار إلى أن "ما يمكن للأمم المتحدة القيام به لدفع إسرائيل على الانسحاب من المنطقة هو مواصلة تذكير المسؤولين الإسرائيليين بأن وجودهم في المنطقة العازلة يمثل انتهاكاً، وأننا نتطلع بفارغ الصبر إلى إنهاء هذا الانتهاك". يشار إلى أن إسرائيل تحتل منذ العام 1967 القسم الأكبر من هضبة الجولان السوري، وهجّرت أغلب أهله في ذلك العام، لتعلن في 1981 ضمه. وأقامت إسرائيل 30 مستوطنة في الجولان السوري، تضم نحو 20 ألف شخص.

عرابي عرابي: الحكومة السورية الجديدة لا تملك أوراق ضغط على إسرائيل

مقاومة للاحتلال في جنوب سورية

وفي ظل عدم قدرة الحكومة السورية الجديدة على التعامل عسكرياً مع الاستفزازات الإسرائيلية المتواصلة، واجهت قوات الاحتلال التي تتحرك في عمق الجنوب السوري مقاومة للمرة الأولى في ريف القنيطرة في حدث "غير عادي". وكانت القوات الإسرائيلية وصلت، الجمعة الماضي، إلى قرية طرنجة بريف القنيطرة واعتقلت شخصين منها، وفق شبكات إخبارية محلية أشارت إلى أن "قوات الاحتلال أطلقت النار بشكل عشوائي في القرية مستهدفة أي جسم متحرك، وانسحبت بعد ذلك".

وأطلق مقاتلون محليون النار على القوات المعتدية على القرية التي تقع إلى الشمال من المنطقة العازلة بين سورية وهضبة الجولان المحتلة، وفق الجيش الإسرائيلي، الذي قال في بيان وقتها إن "خمسة مسلحين أطلقوا النار باتجاه القوات الإسرائيلية الموجودة في شمال المنطقة العازلة التي ردت بالمثل"، من دون تسجيل إصابات في صفوف عناصره.

لكن الناشط سعيد المحمد نفى لـ"العربي الجديد" قصة الأشخاص الخمسة، مشيراً إلى أن ذلك يندرج في سياق الفبركات الإعلامية الإسرائيلية، وأكد أن من قاوم الدورية شخصان مدنيان وكانت المقاومة بموجب الدفاع عن النفس. وأضاف أنه بدأ بعض الناس يتداول قصة الخمسة المزعومين على أنهم ينتمون لما يسمى "جبهة المقاومة الإسلامية في سورية" تابعة لحزب الله اللبناني، وجرى تشكيلها قبل أشهر انطلاقاً من السويداء، بدعم من الأمن العسكري حينها. وأضاف: "تدعي الرواية أن شخصاً من السويداء يدعى باسم رضوان، وهو متزعم شق الحزب القومي في المنطقة التابع لعلي حيدر، الوزير السابق في حكومة النظام المخلوع، شكل هذه المجموعة مع شبان من القنيطرة، عن طريق التنسيق مع رفيق لطف، إحدى أذرع حزب الله الإعلامية في سورية، موضحاً أنها كلها رواية مفبركة ولا تمت للواقع بصلة.

وهذه المرة الأولى التي تواجه فيها القوات الإسرائيلية مقاومة من السكان المحليين، ما دفع إذاعة الجيش الإسرائيلي الى وصف الحادث بـ"غير العادي". وفي السياق، بيّنت مصادر محلية أن رتلاً من القوات الإسرائيلية، ضم دبابات وعربات عسكرية، وصل إلى الطريق الواصل بين بلدتي جملة وعابدين في ريف درعا الغربي، و"نفذ عمليات تخريب"، وجرّف أشجاراً في حرش بلدة جباتا الخشب بريف القنيطرة. وكانت القوات الإسرائيلية أضرمت، قبل أيام، النار في أجزاء من مبنى الإدارة لمحافظة القنيطرة الواقع في المدينة التي تبعد نحو 50 كيلومتراً عن دمشق.

القوات الإسرائيلية تضيق على المزارعين

وبين الناشط الإعلامي الموجود في جنوب سورية يوسف المصلح، في حديث مع "العربي الجديد"، أن القوات الإسرائيلية "قادرة اليوم على دخول أي منطقة في محافظة القنيطرة وفي حوض اليرموك بريف درعا الغربي"، مشيراً إلى أن هناك تخوفاً لدى الأهالي من مواصلة هذه القوات التوغل أكثر في عمق الأراضي السورية وخاصة في ريف درعا. وبين أن القوات المعتدية "تضيق على المزارعين ومربي المواشي في ريف القنيطرة وتمنعهم عن الوصول إلى أراضيهم للزراعة والرعي"، مضيفاً: لقد جرفت وخربت الكثير من الأشجار والأحراش. وأوضح أن هناك فصائل محلية مسلحة في ريف درعا الغربي، بيد أنه استبعد دخولها في مواجهة مع القوات الإسرائيلية في الوقت الراهن.
وتشكل الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة في جنوب سورية استفزازاً واضحاً للحكومة السورية الجديدة، غير القادرة على الرد العسكري على هذا الأمر، في ظل أوضاع عسكرية واقتصادية صعبة تمر بها سورية. وكان الرئيس السوري أحمد الشرع أكد، بُعيد سقوط نظام الأسد بقليل، أن سورية "المنهكة" ليست بصدد فتح مواجهات عسكرية مع أي دولة.

وبعد سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر الماضي، أعلنت إسرائيل انهيار اتفاقية "فك الاشتباك" المبرمة مع سورية في العام 1974، واحتلت المنطقة العازلة التي حددتها الاتفاقية واستولت على جبل الشيخ، وأقامت عليه مهبط مروحيات، وقالت إن بقاءها في هذا الجبل سيكون إلى أجل غير مسمّى. وكانت اتفاقية "فك الاشتباك" تنص على أن "إسرائيل وسورية ستراعيان بدقة وقف إطلاق النار في البر والبحر والجو، وستمتنعان عن جميع الأعمال العسكرية فور توقيع هذه الوثيقة". وحددت الاتفاقية بالتفصيل أماكن قوات النظام السابق والجانب الإسرائيلي، ومنطقة الفصل بينهما التي تبلغ مساحتها نحو 400 كيلومتر مربع، وتمركزت فيها منذ ذلك الحين قوة مراقبة تابعة للأمم المتحدة يبلغ عديدها 1200 عنصر.

وتوغلت القوات الإسرائيلية مطلع العام الحالي في عدة مناطق في محيط المنطقة العازلة مستغلة الظروف التي تمر بها سورية بعد سقوط نظام الأسد، الذي حافظ على هدوء الجبهات مع إسرائيل نصف قرن. وكانت نفذت أكبر حملة قصف جوي في تاريخها مستهدفة غالبية القدرات العسكرية السورية، من أسلحة وذخائر ومراكز بحوث عسكرية ومستودعات ومطارات ومقار عسكرية، في خطوة الهدف منها تحييد سورية عسكرياً لعقود قادمة.

الحكومة السورية لا تملك أوراق ضغط

ورأى الباحث السياسي عرابي عرابي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الحكومة السورية الجديدة "لا تملك أوراق ضغط على الجانب الإسرائيلي لدفعه للانسحاب من الأراضي التي احتلها بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر الماضي". وأوضح أنه لا قدرة عسكرية لديها لمواجهة إسرائيل، فضلاً عن أنها لم تحصل على اعتراف دبلوماسي دولي بها. وتابع: ليس أمامها إلا إرسال بيانات احتجاج إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي على استمرار الاعتداءات الإسرائيلية ومطالبتها بالتدخل لدفع تل أبيب للالتزام باتفاقيات دولية ناظمة للأوضاع العسكرية بين سورية وإسرائيل. وأشار إلى أنه "يمكن في مرحلة ما أن تعقد اتفاقية دفاع مشترك مع الجانب التركي، من شأنها إقامة قاعدة عسكرية تركية في جنوب سورية بهدف ردع إسرائيل"، معتبراً أن هذا أقصى ما يمكن فعله خلال عامين مقبلين.

من جانبه، بين المحلل العسكري العميد مصطفى فرحات، في حديث مع "العربي الجديد"، أن إسرائيل "سيطرت على مواقع لها أهمية استراتيجية في جنوب سورية، أبرزها مرصد جبل الشيخ وهو الوحيد الذي كان بيدنا"، مضيفاً: بات علينا بناء جيش من الصفر لمواجهة إسرائيل. ورأى أن العلاقة السورية مع العمق العربي وتركيا "سوف تمنح سورية المزيد من القدرة على مواجهة الأطماع الإسرائيلية". وقال: "عندما يتم بناء جيش سوري جديد لن يقف مكتوف الأيدي أمام الاعتداءات الإسرائيلية. لن نكون مصدر خطر لأحد ولن نقبل أن يشكل أحد خطراً علينا".

المساهمون