إرث البابا فرنسيس... الكنيسة الكاثوليكية تفوز باختراقات "إصلاحية"

21 ابريل 2025
البابا فرنسيس في الفاتيكان، 20 إبريل 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- توفي البابا فرنسيس عن عمر 88 عامًا بعد معاناة مع الالتهاب الرئوي وفقر الدم، مما أثار توقعات حول استقالته قبل وفاته. يستعد الفاتيكان لانتخاب بابا جديد وسط صراعات بين التيارين الإصلاحي والمحافظ داخل الكنيسة.

- وُلد في بوينس آيرس باسم خورخيه ماريو بيرغوليو، وعُرف بتواضعه واهتمامه بالفقراء. انتُخب بابا في 2013 وزار أكثر من 65 دولة، وسعى لتحسين وضع الكاثوليك في الصين.

- تصاعدت الخلافات بينه وبين إدارة ترامب بسبب سياسات الهجرة، وقد تؤثر جماعة ترامب على انتخاب البابا الجديد.

بعد معاناة مع إصابة حادة بالالتهاب الرئوي فاقمها فقر الدم، رحل البابا فرنسيس عن 88 عاماً، في وقت كانت تتجه فيه الأنظار قبل ذلك إلى إمكان استقالته على غرار سلفه بنديكتوس السادس عشر، نظراً إلى تراجع صحته خلال الأشهر القليلة الماضية. ومع رحيله، يتحضر الفاتيكان لانتخاب بابا جديد عن طريق التئام المجمع الانتخابي المغلق، وهي عملية من المرجح أن تحمل هذه المرة طابعاً مُسيّساً أكثر من سابقاتها، لا سيما في ظلّ صعود اليمين المتطرف حول العالم، حيث قد يهيمن الصراع داخل الكنيسة بين التيارين الإصلاحي والمحافظ، بشدّة، على عملية الانتخاب.

أثار البابا فرنسيس النقاش حول دور مثليي الجنس والمرأة في الكنيسة وقضايا المناخ

إعلان وفاة البابا فرنسيس

أعلن الكاردينال كيفن فيريل في بيان، اليوم الاثنين، وفاة البابا فرنسيس، وقال: "في الساعة 7:35 من صباح اليوم عاد أسقف روما، فرنسيس، إلى بيت الآب. كُرست حياته كلها لخدمة الرب وكنيسته".

وتوفي البابا فرنسيس، وهو أول بابا للكنيسة الكاثوليكية في تاريخها من أميركا اللاتينية، وأول يسوعي يصل إلى رأس هرمها، وقد ترك إرثاً، حاول تسليط الضوء عليه في مذكراته "الأمل"، التي نشرت في يناير/كانون الثاني الماضي، وهي أيضاً أول مذكرات على الإطلاق لبابا على قيد الحياة. هذا الإرث، الذي يصلح القول عنه إنه إصلاحي إلى حدّ بعيد، رغم اعتبار البابا فرنسيس لدى انتخابه من التيار اليسوعي المحافظ، حمل رغم ذلك بعض الجدل. إذ بينما فتح البابا الراحل الباب لكنيسة كاثوليكية في القرن الواحد والعشرين أكثر شمولية، مع إثارة النقاش بقوة بشأن دور "مجتمع الميم"، أي مثليي الجنس، والمرأة، في الكنيسة، وإعلان موافقته الرسمية على مباركة الأزواج المثليين، في ما عدّ انقلاباً جذرياً في سياسة الفاتيكان، إلا أن البابا الأرجنتيني لم يتمكن في عهده الذي استمر أكثر من عقد من إغلاق ملف الانتهاكات الجنسية (بحق الأطفال)، وهو ملف واسع طاول آلاف الضحايا، وأضعف الكنيسة الكاثوليكية إلى حدّ بعيد. وبعد رحيله، لا تزال شعبية الكنيسة الكاثوليكية متأثرة بهذه الفضائح، التي أمضى فرنسيس وقته بالاعتذار عنها، من دون اجتراح حلول "إصلاحية" لمعالجتها، علماً أن البابا فرنسيس نفسه كان أقرّ، في عام 2022، بتراجع جهود الفاتيكان في عملية إصلاح "عادات" الكنيسة الكاثوليكية، المتمثّلة في إنكار جرائم الاعتداء الجنسي لرجال الدين التي تواجه مقاومة من الداخل، حيث كان هناك اعتراف بأن هناك من رجال الكنيسة "من لا يزال غير قادر على الرؤية بوضوح"، معرقلاً عملية المضي إلى الأمام نحو إرساء شفافية مساءلة التسلسل الهرمي بشأن قضايا الاعتداء الجنسي.

هذه القضية، التي أخفق البابا الراحل في معالجتها لتحسين صورة الكنيسة حول العالم، والتي تراجعت على مستوى الجيل الشاب خصوصاً، لم تحل دون اعتبار البابا فرنسيس، المولود في بوينس آيرس عام 1936 من أبوين إيطاليين مهاجرين، إصلاحياً إلى حد بعيد، بل حتى "يسارياً"، ومناصراً لترفيع رجال الدين داخل الكنيسة من الدول النامية ودول العالم الثالث. وفي مقابل الإخفاق في تأسيس نظام محاسبة خاص بفضائح الاعتداءات الجنسية، عمل البابا الأرجنتيني على الدفع بمحاولة معالجة مسألة الفساد داخل الكنيسة وبأجندة مناخية، سمحت للكنيسة الكاثوليكية بأن يكون لها دور بارز في هذا النقاش الذي يأخذ طابعاً حيوياً وملحّاً حول العالم.

سيرة البابا فرنسيس

ولد البابا فرنسيس في بوينس آيرس، واسمه خورخيه ماريو بيرغوليو. انتقل من الرغبة في دراسة التقنيات الكيميائية، حيث حصل على درجة الماجستير في الكيمياء، إلى الحياة الرعوية الكنسية في سنّ الـ21، حين انضم إلى الرهبنة اليسوعية التي تعدّ من أكبر منظمات الكنيسة الكاثوليكية، وواحدة من الأكثرها تأثيراً. عرف باهتمامه بالفقراء وتواضعه الشديد. شغل منصب رئيس أساقفة بوينس آيرس قبل انتخابه بابا، وكان البابا الراحل يوحنا بولس الثاني قد منحه الرتبة الكاردينالية عام 2001. وكان البابا الراحل متقناً الإسبانية واللاتينية والإيطالية والألمانية والفرنسية والأوكرانية والإنكليزية. في أواخر ستينيات القرن الماضي، تعرض لوعكة صحية أدّت إلى استئصال جزء كبير من إحدى رئتيه. في بوينس آيرس، ساهم نمط حياته في تكريس صورته متواضعاً، إذ اكتفى، كونه كاردينالاً، بالعيش في شقة صغيرة بدلاً من مقر رئاسة الأساقفة الفخم، واكتفى بوسائل النقل العام. اشتهر بقوله: "شعبي فقير وأنا واحد منهم"، وعرف بنصحه رجال الدين بإظهار "الرحمة".

انتُخب خورخيه ماريو بيرغوليو بابا عام 2013، واختار اسم فرنسيس تأثراً بالقديس فرنسيس الأسيزي، أحد معلمي الكنيسة الجامعة. زار البابا فرنسيس، منذ انتخابه على رأس الكنيسة الكاثوليكية حتى وفاته، دولاً عدة حول العالم، وصل عددها إلى أكثر من 65، من بينها دول لم يزرها بابا فاتيكان من قبل، كالعراق ومنغوليا التي حكمتها الشيوعية 70 عاماً. لم يزر البابا فرنسيس الصين، علماً أنه سعى طوال فترة بابويته إلى تحسين وضع الكاثوليك في هذا البلد، والذين يقدر عددهم بـ12 مليون نسمة، وسط علاقات متوترة مع الحكومة الشيوعية. لكنه زار عشر دول في أفريقيا، و12 دولة في الأميركتين. كما أن علاقته بروسيا شابها أيضاً الكثير من التوتر بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في 2022. خلال العدوان الإسرائيلي على غزة، وصف بابا الفاتيكان الراحل العدوان بأنه "ليس حرباً، بل وحشية"، ووصف الوضع في القطاع الفلسطيني بأنه "عار ومخزٍ"، لكنه لفت إلى أنه "يجب التحقيق" في ما إذا كان العدوان "إبادة".

انتقد البابا فرنسيس سياسة الهجرة التي يعتمدها ترامب

قبل وفاته، ارتفعت حدة الخلاف بين البابا فرنسيس وإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي تشنّ حملة واسعة النطاق لطرد المهاجرين غير النظاميين. وانتقد البابا الراحل نائب ترامب جي دي فانس، الذي روّج لنظرية "أوردو آموريس"، أو "الحبّ بالترتيب الحقّ"، واعتبر أنها تعود للكنيسة، وتقوم على حب الأهل أولاً ثم المحيط ثم البلد (وهو الترتيب الصائب بحسب النظرية)، متهماً ما يسميه اليسار الأميركي بحب المهاجرين أكثر من المواطنين الأميركيين البيض. وبحسب موقع بوليتيكو، فإن "جماعة ترامب تركوا تأثيرهم على السياسة الأوروبية، ولن تكون لديهم مشكلة في التدخل بالمجمع الانتخابي (لانتخاب بابا جديد)، وذلك نقلاً عن خبير في سياسات الفاتيكان، رأى أن "البيت الأبيض ربما سيرغب ببابا أقلّ صدامية معهم".