إدانة مارين لوبان: ضربة على رأس اليمين المتطرّف الفرنسي
استمع إلى الملخص
- يشكل الحكم ضربة لحزب التجمع الوطني الذي كان يراهن على ترشح لوبان، مما يضع الحزب في موقف صعب ويبرز خيار ترشيح جوردان بارديلا كبديل محتمل رغم الشكوك حول قدرته.
- أثار الحكم ردود فعل متباينة محلياً ودولياً، حيث عبر البعض عن قلقهم من تدخل القضاء في السياسة، بينما استنكر زعماء اليمين الشعبوي الحكم كتهديد للديمقراطية.
كلّما شعر اليمين المتطرّف في فرنسا، أنه يقترب أكثر من الحكم، أو يصل إلى مرحلة يدنو فيها من عمل "المنظومة السياسية"، يحصل ما يُبعده عنها، سواء من المنظومة السياسية، التي تلتف على نفسها في كلّ موسم انتخابات، أو من القضاء، الذي قال كلمته أمس الاثنين، بحق مارين لوبان، النائبة في البرلمان الفرنسي وزعيمة اليمين المتطرّف الفرنسي، التي ترشحت ثلاثَ مرات للرئاسة وخسرت، والتي حرمت بمقتضى قرار صدر أمس من المحكمة الجنائية في باريس، من الترشح لأي منصب رسمي لمدة خمس سنوات، دخل على الفور حيّز التنفيذ. ويبدو ذلك كأنه قدرُ عائلة لوبان، منذ أن خسر والد مارين، جان ماري لوبان، أمام جاك شيراك، في عام 2002. ومع أن قرار المحكمة بحق مارين لوبان أمس، قابل للاستئناف والطعن، إلّا أن المدد الزمنية قد تحول دون ترشح مارين لوبان للرئاسة في عام 2027، إذ أن أي حكم للاستئناف قد لن يصدر قبل أواخر 2026، بحسب مراقبين.
وكان ترشح لوبان لرئاسيات 2027، يعدّ بمثابة الفرصة الذهبية لها، مع استمرار صعود حزبها في استطلاعات الرأي، و"الحيثية" السياسية التي صنعتها لوبان تحديداً، للاقتراب من السلطة، والاندماج في المنظومة السياسية الذي حقّقته بعض وجوه اليمين المتطرّف في القارة الأوروبية، فضلاً عن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وإمكانية التصالح الأميركي الروسي، الذي من شأنه تعزيز موقف التيار اليميني المتطرف في القارة. فرصة ذهبية للوبان، التي شُبّه قرار المحكمة الفرنسية بحقها أمس من الإعلام المحلي، بأنه بمثابة ضربة بمطرقة على رأسها، إذ ظلّ حزبها، التجمع الوطني، حتى ليل الأحد ـ الاثنين، يُنكر إمكانية ذهاب المحكمة إلى هذا القرار المتطرّف، في وقت تبقى "الخطة باء" إذا ما أقصيت نهائياً لوبان عن المشهد الانتخابي، ترشيح رئيس الحزب جوردان بارديلا للرئاسة، وهو خيار يقول الإعلام إنه حتى حزب لوبان نفسه، لا يريد أن يسمع به، نظراً لاستمرار فشل بارديلا في التسويق لنفسه مرشحاً جدّياً، سواء للحكومة أو لدخول الإليزيه.
من أكثر خطط الحزب البديلة احتمالاً ترشّح بارديلا للرئاسة
اختتام فصل من قضية مارين لوبان
وفي آخر فصول قضية اختلاس أموال الاتحاد الأوروبي، التي تعود إلى عام 2015، وبدأ مسارها القضائي العام الماضي، دان القضاء الفرنسي، أمس، زعيمة "التجمع الوطني"، لوبان، وثمانية أعضاء آخرين من الحزب في البرلمان الأوروبي، بالفساد. وكانت النيابة العامة في باريس، قد طلبت حظر مشاركة مارين لوبان في الانتخابات لخمسة أعوام فوراً، بدل انتظار إجراءات الاعتراضات والاستئناف للسلطات القضائية، كما طالبت بسجنها خمس سنوات، وتدفيعها غرامة قدرها 300 ألف يورو. وقبلت المحكمة الجنائية بالعاصمة الفرنسية، أمس، طلب النيابة العامة فرض حظر فوري لمدة خمس سنوات على ترشح زعيمة اليمين المتطرف للانتخابات، وحكمت عليها بالسجن أربع سنوات مع وقف التنفيذ لمدة عامين، وقضاء عامين تحت المراقبة (خارج السجن) بسوار إلكتروني، وغرامة قدرها مئة ألف يورو. وإلى جانب النواب الثمانية عن الحزب في البرلمان الأوروبي، أُدين المساعدون الـ12 الذين حوكموا مع لوبان بتهمة التواطؤ في الجريمة.
واعتبرت المحكمة أن إجمالي الضرر بلغ 2.9 مليون يورو، إذ جرى تحميل البرلمان الأوروبي تكاليف أشخاص كانوا يعملون فعلياً لصالح "التجمع الوطني"، في ما عرف بقضية "المساعدين الوهميين". واتهمت المحكمة لوبان، التي شغلت منصب نائبة في البرلمان الأوروبي بين عامي 2004 و2017، بتوظيف أربعة مساعدين وهميين كانوا في الواقع يعملون لصالح حزبها، بينما كان البرلمان الأوروبي هو من يدفع رواتبهم. ومن بين هؤلاء المساعدين، تييري ليجيه (حارس لوبان الشخصي) وكاثرين غريزيه (رئيسة مكتبها)، وكلاهما أُدين في القضية. وكان حزب لوبان اضطر في يوليو/تموز 2023، إلى إعادة 330 ألف يورو للبرلمان الأوروبي، قيمة الرواتب التي حصلت عليها غريزيه وليجيه، لكن "التجمع الوطني" أكد حينها أن السداد إجراء إداري وليس اعترافاً بالذنب. وحوكمت مارين لوبان في القضية، بتهم تتعلق بـ"اختلاس الأموال العامة" و"التواطؤ في اختلاس الأموال العامة".
ولطالما أشارت لوبان إلى هذه القضية على أنها محاولة اغتيال سياسي، لكنها أكدت أول من أمس، أنها ليست "محمومة"، وظلّ حزبها حتى ليل الأحد ـ الاثنين، مستبعداً إمكانية حظرها عن الترشح. وفي تصريحات لصحيفة لا تريبون دو ديمانش، عشية صدور القرار، قالت لوبان: "أنتظر القرار، أقرأ هنا وهناك أننا مصابون بالحمى، شخصياً أنا لست كذلك، لكن أفهم أنه من الممكن أن نكون هكذا: مع النفاذ الفوري، فإن القضاة لديهم حق (منح) الحياة أو الموت لحركتنا. لكني لا أعتقد أنهم سيذهبون إلى هذا الحدّ"، كما نفت في حديثها أن تكون قد دعت الحزب لاجتماع، متحدثة عن انتفاء الضرورة لوضع خطط بديلة في الوقت الحالي. ويوم أمس، دافعت لوبان عن نفسها أمام المحكمة، لكنها غادرت القاعة دون انتظار تلاوة القرار. وممّن أُدينوا أيضاً، لويس أليوت عمدة بربينيان، الذي مُنع من الترشح لأي منصب لمدة ثلاث سنوات، لكن ليس بمفعول فوري. وسيبقى أليوت، وهو نائب رئيس "التجمع الوطني"، عمدةً للبربينيان، كما ستبقى لوبان نائبة في البرلمان الفرنسي، لكن إذا ما دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى انتخابات تشريعية مبكرة جديدة، فإنها على الأرجح لن تتمكن من الترشح. وكان أليوت سُئِل ما إذا كان ينوي الترشح للرئاسة في حال إدانة لوبان، وأكد أنه "بعد عامين، هناك أمور كثيرة من الممكن أن تحصل، لكن جوردان بارديلا هو الأنسب للترشح". وتبلغ لوبان حالياً 56 عاماً، بينما يبلغ بارديلا 29، وأكد المتحدث باسم الحزب، لوران جاكوبيلي، أن لوبان بعد القرار "في مزاج قتالي".
مزاج قتالي
وقال محامي لوبان، رودولف بوسيلو، أمس، إن زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي، ستستأنف على الحكم، مضيفاً أن الحكم "صفعة قوية للديمقراطية". لكن هناك مَن يرى في فرنسا، أنّ لوبان هي من مُنيت فعلاً بضربة على رأس، مع حزبها، لا سيّما بعدما تعاونت مع ماكرون لتمرير حكومة ميشال بارنييه بعد الانتخابات المبكرة العام الماضي، قبل أن تسقط هذه الحكومة في فخّ حجب الثقة، مع تخطيها توافقات الخطوط الحمراء مع اليمين المتطرّف بشأن الميزانية، كما أنها سهّلت تمرير حكومة فرانسوا بايرو، واختار نواب الحزب أخيراً الامتناع عن التصويت بدل الاعتراض، وذلك على اختيار ماكرون المقربَ منه، ريشار فيران، رئيساً للمجلس الدستوري الفرنسي. وبانتظار لوبان حكمٌ من المجلس الدستوري (يوم الجمعة المقبل)، بشأن قانونية منع مسؤولين منتخبين من مزاولة عملهم بمفعول فوري، وهو ما يمكن أن يؤثر على قضيتها، علماً أن القرار لن يسحب من لوبان عضويتها الحالية في البرلمان.
أكد محامي مارين لوبان عزمها الاستئناف على القرار
وتعتبر في فرنسا، إدانة لوبان، بهذا الحكم من العيار الثقيل، محاولة بالضربة القاضية لمنع لوبان، التي كانت تتصدر أخيراً في استطلاعات الرأي، الترشح للمرة الرابعة بعد عامين للرئاسة. وأعرب العديد من السياسيين، من اليمين والوسط وحتى اليسار، ولو بتفاوت، عن قلقٍ ما من تدخّل القضاء الفرنسي بمن يترشح أو لا يترشح للانتخابات، ومنع أشخاص منتخبين ويحظون بشعبية واضحة، من الترشح، على اعتبار أن الناخب هو من يحق له وحده أن يُعاقِب أولاً وآخراً، وأن مثل هذا القرار يحمل جانباً كبيراً من التسييس، لكن زعيم الحزب الشيوعي، فابيان روسيل، رأى أمس، أن القرار يجب احترامه، فيما ندّد السياسي اليميني المتطرف إريك زيمور، بالحكم، مشدداً أن لوبان لديها الحق الكامل بالترشح. أما جوردان بارديلا، الذي لم يحضر مع لوبان الجلسة (كان في زيارة للأراضي المحتلة ويلتقي مسؤولين إسرائيليين)، فرأى أمس، أن لوبان "أُدينت على نحوٍ غير عادل"، مضيفاً أن "الديمقراطية الفرنسية هي التي جرت مُحاكمتها (أمس)".
وفي تعليق على إدانة لوبان، والحكم عليها، اعتبرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا (الصورة)، أن القرار الصادر عن المحكمة الباريسية ومنع لوبان من الترشح للرئاسة "احتضار للديمقراطية". كما استنفر اليمين الشعبوي الأوروبي، رفضاً للقرار. وأعرب الزعيم اليميني الشعبوي الهولندي خيرت فيلدرز عن تفاؤله بأن لوبان سوف تفوز في الاستئناف، فيما أكد نائب رئيسة الوزراء الإيطالية ماتيو سالفيني، دعمه للوبان، واصفاً إدانتها بـ"إعلان حرب". أما رئيس الحكومة المجرية فيكتور أوربان فكتب على حسابه في "إكس": أنا مارين. واعتبر الرئيس البرازيلي السابق، الذي يمثل اليمين المتطرف، جايير بولسونارو، أن الحكم على لوبان من عمل "اليسار".