استمع إلى الملخص
- سياسة الإبعاد تهدف إلى إضعاف دور دائرة الأوقاف وتكميم أصوات المعارضين، حيث تم إبعاد أكثر من 13 صحافيًّا، في سياق سياسة "القبضة الحديدية" التي ينتهجها ضابط جديد في شرطة الاحتلال.
- تستغل جماعات "الهيكل" الظروف السياسية لتغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى، بهدف تحويله إلى معبد تُؤدّى فيه الطقوس التلمودية، مما يهدد بتقسيمه زمانيًّا ومكانيًّا.
تزامنًا مع بدء عيد الفصح اليهودي مساء أمس السبت، ورفع سلطات الاحتلال الإسرائيلي لما أسمته "مستوى التأهب الأمني" في مدينة القدس المحتلّة، يواجه المقدسيون تصعيدًا خطيرًا في سياسة الإبعاد عن المسجد الأقصى، والتي تستهدف بشكل ممنهج النشطاء والعاملين في دائرة الأوقاف الإسلامية، والصحافيين، حيث يبدأ الإبعاد عن المسجد لفترة أولية تمتد لأسبوع، ثمّ تُمدَّد لاحقًا لفترات أطول تصل إلى 6 أشهر، في خطوة تمهّد الطريق أمام فرض واقع تهويدي على الأقصى.
ومنذ بداية العام الجاري، أصدرت سلطات الاحتلال أكثر من 100 قرار إبعاد عن المسجد الأقصى بحق مقدسيين، وقرارات أخرى غير معلنة بسبب تخوف أصحابها من الإفصاح عنها وفق رصد من قبل شبكة العاصمة الإخبارية. وتشكّل هذه الأرقام ارتفاعًا ملحوظًا في الربع الأول من العام الجاري، وقد شهد العام الماضي تسجيل 400 قرار إبعاد وفق معطيات مركز معلومات وادي حلوة بالقدس، علمًا أن المقدسي قد يتعرض لأكثر من قرار إبعاد على نحو "صدور قرار إبعاد عن الأقصى، ثم قرار آخر عن البلدة القديمة، وقرار عن أحياء مقدسية محددة، وأحيانًا إبعاد عن مدينة القدس بالكامل". ويعكس هذا التصعيد مساعي الاحتلال لترسيخ وقائع جديدة في المسجد الأقصى، وتفريغ المدينة المقدسة من المرجعيات الدينية والوطنية، مع فرض قيود تحول دون تغطية الانتهاكات صحافيًّا.
ويصف فراس الدبس، مدير دائرة الإعلام في الأوقاف الإسلامية بالقدس والمُبعد عن المسجد الأقصى، سياسة الإبعاد بأنها "تعدٍّ خطير يستهدف خطباء المسجد وموظفي الأوقاف". ويوضح الدبس، في حديث مع "العربي الجديد"، أن قرابة 25 موظفًا تعرضوا مؤخرًا للإبعاد أو الحرمان من تصاريح الدخول أو المنع الأمني، مشيرًا إلى أنه "من بين المبعدين شخصيات دينية بارزة، مثل نائب مدير عام دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس ناجح بكيرات، وخطيب الأقصى عكرمة صبري، والخطيبين إسماعيل نواهضة ومحمد سليم، حيث جاءت قرارات إبعادهم بعد الدعاء لغزة في الصلاة، بذريعة إسرائيلية عنوانها "التحريض".
وتستغل سلطات الاحتلال عقوبة الإبعاد عن المسجد الأقصى، التي بلغت ذروتها في فبراير/ شباط الماضي، لإضعاف دور دائرة الأوقاف الإسلامية وتكميم أصوات النشطاء والصحافيين، حيث جرى إبعاد أكثر من 13 صحافيًّا ومصورًا. ويأتي هذا التصعيد في سياق قرار سياسي إسرائيلي، عقب تعيين ضابط جديد في شرطة الاحتلال مسؤول عن المسجد الاقصى، والذي ينتهج سياسة "القبضة الحديدية" لفرض واقع جديد في القدس، وفق ما يشير إليه رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد، ناصر الهدمي، في حديث مع "العربي الجديد".
ويرى الهدمي المبعد عن المسجد الأقصى منذ فبراير/ شباط الماضي، لمدة ثلاثة أشهر، أن الاحتلال يسعى لردع المقدسيين عبر معاقبة من يعارض سياساته، بحرمانهم من حق العبادة وبث الخوف بين السكان. ويستغل الاحتلال حالة التوتر التي تشهدها المدينة المقدسة منذ بدء الحرب على غزة لفرض سياسات جديدة على المسجد الأقصى، تُنفذ هذا العام بوتيرة أشد حدة، بهدف الاقتراب من تحقيق هدفه الأساسي المتمثل في هدم المسجد وإقامة الهيكل المزعوم مكانه، مستغلًّا الأعياد اليهودية ذريعةً.
وقد أبعد الهدمي عن الأقصى بمجموع 4 سنوات متقطّعة، من خلال قرارات أمنية صادرة عن شرطة الاحتلال، أو بدون قرارات بعد منعه من الدخول إلى الأقصى من قبل عناصر شرطة الاحتلال المنتشرين على الحواجز؛ بزعم "الحفاظ على أمن السكّان وزوّار المسجد الأقصى". ويقول الهدمي متسائلًا: "ألا يُعتبر تدنيس المستوطنين المتكرر للمسجد الأقصى والاقتحامات المتصاعدة الآن تهديدًا في نظر سلطات الاحتلال (...) هذه حجة تتناقض مع الواقع، وبغض النظر عن الذرائع التي تُستخدم للتبرير، فهي جزء من استراتيجية قديمة متجددة تسعى إلى تقليص الوجود الإسلامي في القدس والأقصى تبلغ ذروتها فترة الأعياد اليهودية".
ولا يقتصر الإبعاد على صدور القرارات الفردية، بل يتم أيضًا عبر الحواجز العسكرية المنتشرة في المدينة المقدسة، والتي تُستخدم لمنع أعداد كبيرة من المصلين والحيلولة دون وصولهم إلى المسجد الأقصى. كما أن أوامر الإبعاد تفرض قيودًا مشددة على المقدسيين، بحيث يُجرَّم دخولهم إلى المسجد، وخرقهم القرار الصادر عن جهات أمنية وعسكرية إسرائيلية يعني تعرّضهم للاعتقال الإداري، وفق الهدمي، الذي يبيّن أن سياسة الإبعاد عن الأقصى تمهد لعقوبات أخرى بحقّ النشطاء تطاول الإبعاد عن القدس بالكامل، وملاحقة عائلات المبعدين لدفعهم نحو الرحيل من أرضهم، وذلك أفضى إلى إغلاق مؤسسات مقدسية وأهلية أبوابها عن العمل، خشية الملاحقة الإسرائيلية.
ونفّذت سلطات الاحتلال خلال الفترة الحالية قرارات أمنية هدفت إلى "عسكرة مدينة القدس"، عبر الحواجز والمتاريس، وإبعاد المقدسيين مباشرة بقرارات تصدرها الشرطة، وإبعادات فورية تُنفذ في اللحظة ذاتها من خلال شرطة الحواجز، ما يعني أن الأيام القادمة ستحمل زيادة في أعداد المبعدين عن الأقصى من العشرات إلى المئات، ويأتي ذلك كله في إطار مخطط يهدف إلى تفريغ المسجد الأقصى من أهله ومرابطيه، مقابل ترسيخ الوجود اليهودي فيه، كما يقول عضو رابطة أمناء الأقصى، فخري أبو دياب، في حديث مع "العربي الجديد". وفي هذا السياق، يقول أبو دياب: "لا تكاد توجد عائلة مقدسية إلا وتعرض أحد أفرادها – على الأقل – للإبعاد عن المسجد الأقصى، ولو لمرة واحدة".
في الوقت ذاته، تنفّذ جماعات "الهيكل" ومنظمات "المعبد" خطوات تهويد متسارعة، مستغلة الظروف السياسية، وتحديدًا ما خلّفته حرب غزة من تبعات، إذ تراجع الاهتمام الإعلامي الدولي بقضايا القدس، إلى جانب غياب واضح للعمق العربي في نصرة المدينة والقضية الفلسطينية، وهو ما شجع تلك الجماعات على تكثيف مساعيها لتغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى. وتسعى الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، بدورها، إلى تحويل المسجد الأقصى إلى معبد يُؤدّى فيه الطقوس التلمودية بشكل كامل.
وتُوظّف هذه الجماعات الأعياد التوراتية، وعلى رأسها "عيد الفصح"، الذي يُعد من أعياد الحج الثلاثة إلى ما يُسمّى "جبل المعبد" عند المستوطنين، لتحقيق أهدافها التهويدية. ويُزعم أن هذا العيد يتطلّب أداء جميع الطقوس التوراتية، مثل "السجود الملحمي"، و"النفخ في البوق"، و"الصلوات الجماعية"، و"تقديم القرابين". وتعتبر جماعات "الهيكل" تقديم القرابين أهم طقس يجب إعادة إحيائه، لاعتقادهم بأنه يُمهّد لتنفيذ الطقس التالي، وهو "ذبح البقرة الحمراء"، الذي يُعد جزءًا من طقوس التطهّر من "نجاسة الموتى". ويهدف هذا الطقس، في نظر تلك الجماعات، إلى تعبئة أكبر عدد ممكن من اليهود وحشدهم لاقتحام المسجد الأقصى، في إطار خطة تدريجية للسيطرة عليه.
وبحسب أبو دياب، "يُراد من كل ذلك، فرض واقع جديد يقوم على تقسيم المسجد الأقصى زمانيًّا ومكانيًّا، ولا سيما في الجهة الشرقية منه، تمهيدًا لتفريغه بالكامل، وإتاحة اقتحامه دون عوائق، مع زيادة أعداد المقتحمين بشكل غير مسبوق".