أين "ناصر الجن"؟.. الجزائر تتكتم على مصير قيادي أمني سابق

26 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 15:03 (توقيت القدس)
قائد جهاز الأمن الداخلي الجزائري السابق عبد القادر حداد المعروف باسم "ناصر الجن" (فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تثير محاولة هروب عبد القادر حداد، القائد السابق لجهاز الأمن الداخلي في الجزائر، جدلاً واسعاً بسبب تضارب الروايات حول نجاحه في الفرار أو توقيفه، وسط صمت رسمي يزيد من تداول الشائعات.
- يُفسر صمت السلطات الجزائرية كجزء من طبيعة النظام المغلقة، حيث يُعتبر خياراً استراتيجياً يعزز من القلق الداخلي ويفتح المجال للتكهنات.
- غياب الإعلام المستقل يزيد من تعقيد الوضع، حيث تعتمد السلطة على هذا الغياب لإلهاء الرأي العام، مما يثير تساؤلات حول استقرار النظام السياسي.

تبدي السلطات في الجزائر تكتماً شديداً على ما يتم تداوله بشأن محاولة قائد جهاز الأمن الداخلي (الاستخبارات) السابق، عبد القادر حداد المعروف باسم "ناصر الجن"، الإفلات من قبضة السلطات ومغادرة البلاد، حيث كان موقوفاً قيد إقامة محروسة على ذمة تحقيقات أمنية. ويأتي ذلك وسط تضارب حاد في الروايات بشأن محاولته تلك ودوافعها وملابساتها، ما يدفع إلى التساؤل حول رفض السلطات تقديم توضيحات للرأي العام تنهي الانشغال والتضارب القائم.

وتشغل هذه القضية الرأي العام الجزائري منذ 18 سبتمبر/ أيلول الجاري، ومع صمت السلطات ظل الباب مفتوحاً لتضارب كبير في المعلومات المتداولة والروايات المتعددة حول ملابسات محاولة المسؤول الأمني السابق الهروب إلى الداخل أو الخارج، بين من يزعم فراره للخارج على غرار الصحيفة الإسبانية "إل كونفيدونسيال"، التي نشرت أمس الخميس نقلاً عن مسؤول محلي إسباني ما يفيد بأنّ حداد نجح في الوصول إلى سواحل إسبانيا. بينما تحدثت روايات أخرى عن تمكن السلطات من تعقبه وتوقيفه يوم الأحد الماضي، وأخرى تقول إنه سلّم نفسه طوعياً بعدما فرضت السلطات في تلك الفترة رقابة مشددة على مداخل الجزائر العاصمة ومخارجها، إذ كان السكان قد لاحظوا تمركز قوات أمنية وحالة إغلاق كبيرة في الطرقات بشكل غير معتاد.

وما هو لافت في خضم هذه التطورات، أنه وبعد أسبوع من تفجر القضية تبدي السلطات الرسمية في الجزائر صمتاً مطبقاً بشأنها، اذ لم يصدر أي تعليق أو توضيح حول الواقعة التي يزداد التفاعل بشأنها بشكل حذر، إذ لم يتم التطرق لها في وسائل الإعلام المحلية. وقال وزير الإعلام الجزائري زهير بوعمامة، الاثنين الماضي، إنه يتعين "التحلي باليقظة في التعامل مع المواضيع الإعلامية التي تتناول الجزائر"، غير أن صمت السلطات ورفضها التعاطي مع المسألة أتاح الفرصة لنشطاء ومعارضين، موجودين في الخارج، لتداول معلومات متضاربة وملابسات متداخلة غير مؤكدة وبثها، وتشتيت الرأي العام في الداخل.

ويفسّر أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر، إسماعيل معراف غالية، صمت السلطات إزاء قضية بحجم قضية القائد السابق للاستخبارات الداخلية، بأنه جزء من الطبيعة المغلقة للسلطة في الجزائر "حيث لا تتوفر على المرونة الكافية للتواصل السياسي". وأرجع معراف في حديث لـ"العربي الجديد" عدم التعامل بشكل مؤسساتي وقانوني مع حدث يمكن وصفه بالحساس لـ"طبيعة النظام المغلقة التي لا تؤمن بالمؤسسات، حتى في ظروف تواتر معلومات مغلوطة ومضللة وإشاعات وأخبار مزيفة قد يكون لها أثر كبير على الرأي العام الوطني". وأضاف: "السلطة في الجزائر ورثت منذ زمن أسلوب عدم الرد بشكل متعمّد، في كثير من الأحيان، والإبقاء على الغموض والضبابية، وترك الرأي العام يبحث عن تفسيرات بنفسه وهذا ما تعتبره السلطة، للأسف، من صفات النظم القوية، وهذا تصور خاطئ".

وأشار معراف إلى أن "الموضوع يتعلق بمؤسسة حساسة تهم المجتمع الداخلي، وعندما يتعلق الأمر بمؤسسات حساسة تُفضَّل السلطة في الغالب التكتّم والتريث والتزام الصمت أو إصدار ردود متأخرة. الصمت قد يُفهم على أنه خيار استراتيجي، إلا أنه في المقابل يجعل الموضوع مادة دسمة للتداول في المنتديات والمواقع، بسبب غياب التوضيحات أو الردود الرسمية على بعض الأحداث. وهذا له انعكاسات سلبية لأنه يعزز القلق الداخلي ويغذي وفرضيات عدم الاستقرار وخطاب المؤامرة"، وفق قوله.

من جهته، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي محمد ايوانوغان، أن المشكلة في غياب الإعلام عن القضية لا في تكتم السلطات، وقال في حديث لـ"العربي الجديد" إنه "في مثل هذه القضايا والمسائل، السلطة ليست مهنتها التعليق بالضرورة أو إصدار بيانات حول كل لغظ يدور في وسائل التواصل الاجتماعي. المعمول به سابقاً هو أن الصحافة المستقلة تقوم بعملها في هذا المجال وتتولى تغذية الرأي العام بالمعلومات، وهذا ما يغيب في الحالة الراهنة. وليس نفي السلطات أو تأكيدها".

وأوضح: "يبدو أن السلطة بحاجة إلى هذا الجدل لإلهاء الرأي العام وهذا الاحتمال الأول، أما الاحتمال الثاني فهو وجود قضية حقيقية، اسمها قضية عبد القادر حداد ناصر الجن، تخفي أزمة كبيرة داخل مراكز القرار، وبالتالي السلطة لم تجد طريقة للتعامل مع الأزمة سوى الصمت وترك النشطاء الموجودين في الخارج يقدمون روايات تميل إلى أسلوب الأفلام البوليسية، ومشكلة هؤلاء المؤثرين في الرأي العام من الخارج ليست في مصداقية الأخبار التي ينقلونها وعدم مصداقيتها، بل في القراءة التي يمنحونها لإخبارهم".

ويُعد عبد القادر حداد أحد الوجوه المجتمع الأمني في الجزائر خلال العقود الثلاثة الأخيرة، حيث كان يعمل في جهاز الاستخبارات على ملف الإرهاب وتفكيك الخلايا والمجموعات المسلحة، قبل أن يتم استبعاده عام 2015 في خضم التغييرات التي كانت حدثت في تلك السنة لجهاز الاستخبارات، بعد تحييد قائده محمد مدين وتفكيكه إلى ثلاثة أفرع وملاحقة بعض قادته. وعاد حداد إلى الجزائر من إسبانيا في أعقاب الحراك الشعبي عام 2019. وبعد سنوات من استبعاده عاد إلى الواجهة وعُين مسؤولاً في جهاز الأمن الداخلي، وفي مايو/ أيار 2024 عُين قائداً عاماً للجهاز حتى إعفائه رسمياً في يونيو/ حزيران الماضي، لكن مصيره ظل غامضاً قبل أن يتم الكشف عن توقيفه وملاحقته، دون أن تتضح التهم الموجهة اليه.

وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد عقد، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع الوطني، اجتماعاً للمجلس الأعلى للأمن، في 18 سبتمبر/ أيلول الجاري، أي في نفس اليوم الذي جرى فيه الحديث عن إفلات حداد، ولم يصدر عن الرئاسة في الأثناء، أي تفاصيل عن نتائج الاجتماع. وتُذكر هذه الواقعة المفترضة بمحاولات سابقة لقيادات عسكرية وشخصيات سياسية الإفلات والهروب من قبضة السلطات، وبعضها نجح فعلاً في ذلك على غرار القائد السابق لجهاز الدرك، عبد الغالي بلقصير، واللواء حبيب شنتوف، اللذين فرّا إلى خارج الجزائر بطريقة غامضة، بينما أخفقت شخصيات أخرى في الهروب على غرار رئيس منتدى المؤسسات (الكارتل المالي) علي حداد.