أيرلندا الشمالية تحبس أنفاسها بانتظار قرار لندن الخاص بالبروتوكول

أيرلندا الشمالية تحبس أنفاسها بانتظار قرار لندن الخاص بالبروتوكول

17 مايو 2022
أيرلندا الشمالية عالقة بين لندن وبروكسل(فرانس برس)
+ الخط -

في الوقت الذي حذّر وزير خارجية أيرلندا الشمالية العضو في الاتحاد الأوروبي، سيمون كوفيني، من أن تمزيق بريطانيا لبروتوكول التجارة الخاص ببلفاست يمكن أن يقوض عملية السلام، تستعد لندن، اليوم الثلاثاء، لإعلان خطة الحكومة حول قانون جديد يتيح للوزراء تعليق أجزاء من البروتوكول، الذي تصفه "بالإشكالي"، الأمر الذي سبق وحذّرت بروكسل من خطورته.

وجاء تحذير كوفيني، خلال اتصال هاتفي، أمس الإثنين، مع نظيرته البريطانية، ليز تروس، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن "الوقت قد حان للعودة إلى طاولة المفاوضات وإعادة تركيز الجهود للتوصل إلى حلّ مشترك لمشاكل الحدود". 

تعليق أجزاء من البروتوكول "الإشكالي"

وتسابق التحذيرات والدعوة للحوار من الجانب الأيرلندي الشمالي، إعلان وزيرة الخارجية البريطانية، في وقت لاحق اليوم، عن خطط الحكومة حول قانون جديد يتيح للوزراء تعليق أجزاء من البروتوكول "الإشكالي" دون الحاجة إلى الرجوع إلى الاتحاد الأوروبي. 

ومع أن المملكة المتحدة شدّدت على لسان رئيس الوزراء، بوريس جونسون حرصها على حلّ توافقي مع بروكسل، إلا أنها اصطدمت، أمس الإثنين، مجدّداً بإصرار الحزب الوحدوي الديمقراطي الأيرلندي(المقرب من لندن)، على عدم "تقاسم السلطة" مع حزب "شين فين" الأيرلندي القومي، ما لم يتم التوافق على تشريع يلغي البروتوكول.

وفي حديثه للصحافة عقب لقائه جونسون في بلفاست، أمس، قال زعيم الحزب الوحدوي الديمقراطي" جيفري دونالدسون، إنه يريد سنّ التشريع وليس الاكتفاء بالتلويح به، متخذاً من القانون الجديد الذي يطالب به، شرطاً ليعيد حزبه إلى السلطة التنفيذية ويتقاسم السلطة في المنطقة. 

وقبل أيام أعاق الحزب الوحدوي الديمقراطي، المؤيد لبريطانيا عملية تشكيل حكومة مع حزب "شين فين" الأيرلندي القومي، وذلك احتجاجاً على بروتوكول التجارة الخاص بأيرلندا الشمالية بعد "بريكست".

جونسون يغرّد وحيداً

ولم يحظ جونسون بترحيب كبير خلال زيارته، أمس، بلفاست، إذ يبدو أن عدم الارتياح لم يعد يقتصر على معارضيه من حزب "شين فين" أو من الناخبين المناهضين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بل طاول أيضاً حلفاءه التقليديين. 

وفي حين يؤكّد حلفاء جونسون "عدم رغبته" الخوض في معركة سياسية مع الاتحاد الأوروبي، إلا أنهم لا يقدّمون أي دليل على "عدم رغبته" تلك، ولم يستطيعوا خلال الأيام الماضية أن يترجموا عدم الرغبة إلى أفعال حقيقية. 

وفي حين يكرّر جونسون "عدم نيّته إلغاء البروتوكول، وإنما إصلاحه"، يرى الأوروبيون أن الحديث عن "إصلاح" البروتوكول هو بحدّ ذاته "إلغاء" له، و"خرق للقانون الدولي". 

وبات واضحاً أن جونسون "يغرّد" وحيداً في علاقته بالاتحاد الأوروبي الذي اختار الخروج منه. فبعد التناقضات الهائلة بين تمنّياته "المحبّة" للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون عشية فوزه بولاية ثانية، وبين ردّ فعل ماكرون "البارد" و"المتشدّد"، يخرج جونسون متحدثاً عن "إصلاح البروتوكول بطريقة توافقية مع أصدقائنا وشركائنا". 

ويعتقد جونسون أن الغزو الروسي لأوكرانيا وسياسة المملكة المتحدة "السبّاقة" في دعم كييف والشعب الأوكراني، كانت ستكون وحدها كفيلة بإعادته "شريكاً" و"صديقاً" للاتحاد الأوروبي، على الأرجح، كان مخطئاً في اعتقاده هذا، بحسب مراقبين.

لا حلول ممكنة

ويؤكّد مقرّبون من جونسون أن مشروع القانون الجديد الذي تطرحه تروس في وقت لاحق اليوم، هو جزء من "عملية موازية" ولن يتمّ تمريره ليصبح قانوناً سارياً إلا إذا انهارت المحادثات مع الجانب الأوروبي. 

أيضاً هنا يكتفي الحلفاء والمقرّبون بتأكيدات منفصلة عن المعطيات والأحداث الجارية. ويبدو أنهم عاجزون حتى اللحظة عن تقديم حلول ممكنة لمواجهة مأزق رفض الحزب "الوحدوي الديمقراطي" تقاسم السلطة، ومطالبه "العنيدة" بسنّ القانون وليس الاكتفاء بالحديث عنه أو التلويح به. 

أضف إلى ذلك، أن المحادثات مع الجانب الأوروبي في طريقها إلى الانهيار، وليس في الأفق ما قد يوقف انهيارها، نظراً لتشدّد الوحدويين ولإصرار جونسون (ولو بنبرة محبّة وأقل تشدّداً) على إلغاء أجزاء من البروتوكول و"إصلاحه".   

وتؤكّد مصادر مقرّبة من الحكومة البريطانية، لـ"العربي الجديد"، أن الموقف المتشدّد الذي أبداه الحزب الوحدوي الديمقراطي لم يكن في "الحسبان"، وأن وزيرة الخارجية ليز تروس تحدّثت عن مشروع القانون لاعتقادها بأن ذلك سيكون كافياً بكل تأكيد لإثناء الوحدويين عن قرارهم عدم تقاسم السلطة. 

وبحسب المصادر إياها، التي تحفظت عن ذكر هويتها، يبدو أن تروس راهنت على اتفاقية الجمعة العظيمة (أو اتفاق بلفاست، وهو اتفاق تم التوقيع عليه سنة 1998 بين بريطانيا وجمهورية أيرلندا وأحزاب أيرلندا الشمالية لتقاسم السلطة)، معتبرة أنه أهم بكثير من البروتوكول الذي تمّ التوافق عليه مع الجانب الأوروبي عام 2019 ودخل حيّز التنفيذ العام الماضي.

وبقيت أيرلندا الشمالية فعلياً في السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي بعد خروج المملكة المتحدة من الكتلة بموجب بروتوكول خاص بالمقاطعة البريطانية، وسط خلافات عميقة بين لندن وبروكسل بشأن الترتيبات التجارية الجديدة بالنسبة لبلفاست.
 
وتحذّر الأطراف المعارضة للمساس بأي جزء من البروتوكول من "حرب اقتصادية وتجارية" محتملة مع الاتحاد الأوروبي، الذي قد "ينتقم" عند أقرب فرصة متاحة له من بريطانيا بسبب انسحابها منه.   

البروتوكول: المادة 8 تجيز التغيير

وبعد الحديث عن المادة 16 التي تسمح لكلا الجانبين بتعليق البروتوكول، يجري الحديث اليوم عن مادة أخرى قد يكون الاستناد إليها أقوى بالنسبة للحكومة البريطانية، وهي المادة 8 التي تجيز إحداث تغييرات في البروتوكول أو حتى استبداله بآخر لو احتاج الأمر. 

أيام وأسابيع صعبة بانتظار أيرلندا الشمالية العالقة في "مكان خطير"، في المنتصف، بحسب وصف زعيمة "شين فين" ميشيل أونيل، التي حذّرت مراراً من "انتقام" الاتحاد الأوروبي. 

وفي انتظار خطة القانون التي ستطرحها تروس خلال الساعات القليلة المقبلة، وفي انتظار ردّ فعل الوحدويين على الاكتفاء بمشروع القانون، وفي انتظار ردّ الجانب الأوروبي على تعديل البروتوكول، يبقى أن أيرلندا الشمالية تعيش صعوبات على وقع تلك الخلافات والتوترات، وهي المنهكة أصلاً من ارتفاع تكلفة المعيشة وتردّي الخدمات، لا سيما بالقطاع الصحي. 
 

المساهمون